اعتبر الوزير السابق رائد خوري ان “ربط النزاع الذي تقدمت به المصارف اللبنانية ضد وزارة المالية اللبنانية سببه: اولاً السعي لتحصيل اموال المصارف من الدولة ومصرف لبنان من أجل ردّ أكبر قدر من الودائع للمودعين، وثانياً مشروع قانون هيكلة المصارف الذي تقدّمت به الحكومة إلى البرلمان”.
اضاف في تصريح: “أنّ الدعوة إلى إصلاح المصارف تعني أنّ المصارف قد خالفت القوانين. لكنّ أغلب المصارف كانت تلتزم بالقوانين وبتعاميم مصرف لبنان منذ 30 سنة حتى وقوع الأزمة. وبالتالي فإنّ الاصلاح يجب أن يطال الدولة نفسها ويطال مصرف لبنان وتعاميمه، لأنّ الخلل عندهما وليس العكس”، مؤكداً أن “لا حلّ إلّا بجلوس السلطة مع مصرف لبنان مع المتضرّرين، أي مع المصارف والمودعين، لأنّ المصارف لن ترضى أبداً بشطب رساميلها والودائع إلّا إذا كانت السلطة تريد أن تدير الأزمة وفق منطق العصابات، وهذا بحث آخر”.
وقال خوري: “المصارف لا تحاول الهروب من مسؤوليّاتها، وذلك بخلاف السلطة التي ترفض الاعتراف بديونها، والمصارف تطالب الدولة بمبلغ 83 مليار دولار، ألا تخبرنا السلطة ماذا تريد أن تفعل بهذا الدين قبل البحث بهيكلة المصارف؟ بل كيف لها أن تدفع المصارف نحو الهيكلة قبل معرفة مصير تلك الودائع والديون؟ كيف ستتمكّن السلطة من تمييز المصرف القادر على الاستمرار من ذاك العاجز قبل أن تخبره ما هو مصير أمواله لديها ولدى مصرف لبنان”.
وأشار الى ان “السلطة هي الجهة التي عمّقت الأزمة منذ 17 تشرين الأول 2019 إلى اليوم، بدل حلّها، وذلك لأنّها لم تقرّ “الكابيتال كونترول” وتركت المصارف تتصرّف على حسب قدرتها وسجيّتها، استمرّت في دعم السلع، مُفرّغة خزائن مصرف لبنان من احتياطاته التي كانت قرابة 33 مليار دولار، سمحت بدفع قروض القطاع الخاص (قرابة 40 مليار دولار) على السعر الرسمي 1,500 ليرة، حيث رُدّت بالشيكات “اللولار” ولم تصدر قانوناً لحماية تلك الديون باعتبارها أموال المودعين”، معتبرا ان “السلطة لو قامت بما هو مطلوب منها في حينه، لكانت حافظت على قرابة 60% من قيمة الودائع، وكنّا اليوم نبحث عن كيفية استعادة 40% منها وليس كلّها، لكنّها أصرّت مذّاك على تصفير كلّ شيء والبحث عن الحلول من النقطة صفر”.
ولفت خوري الى أنّ “الأزمة اللبنانية لا سابقة لها، فهي الأزمة الوحيدة في العالم التي تخلّفت فيها كلّ من المصارف والدولة ومصرفها المركزي عن دفع التزاماتها، ولهذا يتخبّط صندوق النقد الدولي الذي يقف اليوم عند نقطة مركزية، ولا يجرؤ أحد على المجاهرة بها، وهي كيفية ردّ الودائع. هل تريد السلطة شطبها أو تريد فعلاً إنشاء صندوق لإعادتها؟”، مضيفاً “انّ هذه القطبة المخفيّة التي لم يجرؤ أحد من الكتل النيابية ولا الحكومة ولا حتى صندوق النقد الدولي على تفسيرها، وذلك لأنّ النواب لن يصوّتوا على شطب الودائع، وهم يعرفون ذلك، ولهذا فإنّ الحلول مستمرّة في التسويف والمماطلة”.
وقال: “يتّهموننا بأنّنا استثمرنا مع الدولة، وكأنّ الدولة أحد تجّار المخدّرات. لكن في المقابل لم يخبرنا أحد ماذا كان يمكن أن يحصل بخلاف ذلك. فقد قدّمت المصارف قروضاً للقطاع الخاص قيمتها الناتج المحلّي الإجمالي (50 مليار دولار)، وهو ما يعني أن كلّ الاقتصاد اللبناني كان قائماً على أموال المصارف، فماذا كان مطلوباً أن تفعل المصارف بتخمة الودائع القياسية الباقية لديها (نحو 160 مليار دولار)؟. أضف إلى هذا أنّ مصرف لبنان كان يشترط على المصارف المحلية استثمار أموالها في الخارج لدى جهات مصنّفة BBB+ وما فوق من أجل ضمان سلامة الاستثمارات، لكنّ تلك المؤسّسات أو الجهات لم تكن تدفع أكثر من 1% أو 1.5% فوائد، وهي غير كافية من أجل تلبية طموحات المودعين (5% أو 6% وما فوق)، وكأنّ المصرف المركزي كان بذلك يحضّ المصارف أو يوجّهها صوب استثمار تخمة الودائع لديه”.
وذكّر خوري بالمَثل الأميركي القائل you cannot fight the Fed الذي يستخدمه المصرفيون في أميركا، ومعناه أنّ المصرف المركزي حينما يرفع الفائدة لا تستطيع المصارف مقاومة رغباته، ويعطي مثالاً ما يحصل في الولايات المتحدة اليوم، حيث رفع الفائدة أدّى إلى امتصاص كلّ الأموال من السوق وجذبها إلى خزائنه”.
وقال: “يكفي أن يوافق مصرف واحد من أصل 40 مصرفاً في لبنان على إقراض الدولة مقابل فائدة مرتفعة، حتى يغرق القطاع المصرفي كلّه، لأنّه سيكون قادراً على جذب المودعين إليه والتسبّب بإفلاس بقيّة المصارف، ثمّ بعد ذلك يقولون إنّ المصارف خاطرت في توظيف أموال الناس لدى المصرف المركزي، وعليها أن تدفع ثمن فِعلتها، فماذا عن رساميل المصارف المقدّرة بـ22 مليار دولار التي تبخّرت، وهي أرباح متراكمة للمصارف منذ عام 1993؟ ثمّ فوق ذلك كلّه تريد السلطة سنّ قانون هيكلة المصارف من بين أوّل قوانين الإصلاح وأن تترك الإجراءات الأخرى جانباً، ما هذه الوقاحة؟”.
وعن تراتبية القوانين الإصلاحية، يعتبر خوري أنّ “أوّل القوانين التي كان يجب إقرارها منذ البداية ولا بدّ من إقرارها اليوم، هي قانون “الكابيتال كونترول”، ثمّ قانون الانتظام في الماليّة العامة، وأخيراً هيكلة المصارف، أو إقرارها معاً بالتوازي، لأنّ النواب يستطيعون بذلك معرفة الصورة كاملة وأن يتأكّدوا ما الذي يصوّتون عليه، وهذا سيسهّل الحلول”.