في الأول من تشرين الثاني الماضي، عرض وزير الإتصالات جوني القرم من ضمن البند رقم 14 على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، طلب هيئة أوجيرو بأن تقدم لمشتركيها خدمة نقل المحتوى الذي يقع ضمن الخدمات المتاحة بحرية على الإنترنت، أو ما يعرف بخدمات الـOVER THE TOP واختزالاً OTT، على أن يتم ذلك بالشراكة مع مرخّصي ومقدّمي هذا المحتوى. مرّ العرض بسهولة حينها، فأخذ مجلس الوزراء علماً، ومضى وزير الإتصالات في الإجراءات العملية لذلك، والتي تتضمّن وفقاً لما كشفه لـ»نداء الوطن» في حديث سابق، «التفاوض مع شركة محدّدة على عقد غير حصري، سيعرض على ديوان المحاسبة لدى إنجازه».
بدا القرم متمسّكاً بتقديم هذه الخدمة. فهي كما قال «لن تكبّد الدولة أي تكاليف ولكنها ستوفّر إيرادات. لأنّ المنصّة ستكون هبة يمكن لأي مقدّم محتوى استخدامها، لقاء نسبة أرباح تتقاضاها الدولة، وبالتالي كلّما كان أصحاب المحتوى أكثر، يكون ذلك أفضل لنا».
إلّا أنّ هذا الكلام الذي ردّده القرم أيضاً في جلسة للجنة الإعلام والإتصالات، بدا غير مقنع لعضو اللجنة النائب ياسين ياسين، الذي رأى أنّ «الدولة ليست مهتمة بتقديم خدمات جديدة ولا تطوير الخدمات المقدمة، بل بتعزيز دور القطاع الخاص في مقابل الحصول على الأموال، من دون أي جهد ومن دون القيام بوظائفها الفعلية».
فكشف ياسين بالاستناد إلى قراءة متخصّصة لهذا الملف، الملابسات التي تحيط به، من خلال سؤال وجّهه إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الإتصالات جوني القرم يوم أمس، ورفع بواسطة مجلس النواب موقّعاً أيضاً من النائب ملحم خلف.
ليست الإشكالية المثارة هنا حول المحتوى التلفزيوني الذي يمكن لأي شخص لديه جهاز متّصل بالإنترنت الوصول إليه من دون الحاجة لمشغّل الخدمة. وإن بدا مستغرباً لياسين «الخلط بين أوجيرو وخدمات المشاهدة المتاحة عبر الإنترنت»، إلّا أنّ سؤاله دار حول ما أخفاه وزير الإتصالات من معلومات، أمّنت لطرحه عبوراً سهلاً في مجلس الوزراء، وإنما من دون أن يبدّد ذلك تناقضاته.
تظهر المعلومات وفقاً لسؤال ياسين، أنّ الهدف الرئيسي لطلب أوجيرو هو الإتاحة للشركات الخاصة تقديم خدمات الـIPTV، إنما نظراً لكون هذا الأمر يتعارض مع القوانين المرعية التي تتيح للمشتركين الاستخدامات المتعلقة بتطبيقات الإنترنت العامة فقط، قرّرت وزارة الإتصالات تجربة حظها بتمرير المشروع تحت مظلة خدمة الـOTT.
رأي رافض
لم يعرض القرم على مجلس الوزراء كما يبيّن السؤال، رأي هيئة القضايا والاستشارات الرافض إنشاء «وصلة فنية خاصة من الألياف البصرية بين شبكة أوجيرو والمنصة الخاصة بـ IPTV تتيح إشراك شركة من القطاع الخاص مع أوجيرو لتقديم الخدمة»، علماً أنّ الوزارة طلبت هذا الرأي في شهر أيار من العام الماضي، وجاء رفض الهيئة له معلّلاً بتطبيق المادة السادسة من مرسوم التعرفة التي تنص على عدم جواز توقيع وزير الاتصالات على أيّ عقد مع ما يسمّى مقدمي خدمات IPTV، كون الخدمة محصورة بوزارة الاتصالات، معتبرة أي محاولة للولوج إلى شبكة الاتصالات وإلى مركز أوجيرو لتقديمها، مخالفة للقوانين وتعدّياً على الملك العام.
إلتفّت الوزارة كما يبيّن سؤال ياسين على هذا الرأي، عبر التوجّه إلى هيئة الإستشارات مجدّداً بطلب رأي آخر يتعلّق بشراكة مشابهة إنما هذه المرة لتقديم خدمة الـOTT من دون أي إضاءة واضحة على الدور الذي ستؤدّيه أوجيرو في هذه الشراكة.
صدر رأي الهيئة في 26 تشرين الأول أي قبل أيام من إدراج خدمة الـOTT كبند 14 على جدول أعمال مجلس الوزراء الذي انعقد في 1 تشرين الثاني. إذ أظهر الرأي عدم ممانعة قانونية، ولكنه أقرنها بضرورة تقديم الخدمة بأسعار مبنية على جدوى ودراسات علمية تجريها هيئة أوجيرو وتقترحها على المديرية العامة للاستثمار والصيانة، وتصدر بموجب قرار من وزير الاتصالات. بالإضافة إلى وجوب التقيّد بالشروط المنصوص عليها في تنظيم الشراكة بين أوجيرو والقطاع الخاص، وأن يكون ذلك متوافقاً مع الأحكام المنصوص عليها في قانون المنافسة.
مقابل محاولات التعتيم على الاستشارة الأولى لهيئة الاستشارات، كشف سؤال ياسين أيضاً عن التناقضات التي رافقت الملف، من خلال الانتقال به إلى هيئة الشراء العام.
أرسلت «أوجيرو» إلى الهيئة كتابين، الأول بتاريخ 23 تشرين الثاني يظهر النية للدخول في شراكة مع القطاع الخاص مبنية على تقاسم المداخيل بنسب مئوية محدّدة. والثاني وجّه بتاريخ 29 تشرين الثاني ويتحدّث عن قيام هيئة أوجيرو بدفع تكاليف المحتوى المقدم وفقاً لفاتورة مقدّمة من مقدّمي الخدمات في نهاية كل شهر.
شرح هذا التناقض من وجهة نظر السؤال النيابي، كان بأنّ الشراكة وفقاً للاستشارة الصادرة عن هيئة التشريع والاستشارات، تستوجب الخضوع لقوانينها المنظمة وقانون المنافسة. وبما أنّ هناك استحالة لتطبيق ذلك، قرّرت أوجيرو التخلّي عن الشراكة، لتلجأ إلى صيغة كتابها الثاني.
الجمع غير جائز
إلّا أنّ الجمع بين الصيغتين غير جائز وفقاً لياسين، ولذلك هو سأل «هل ستقوم أوجيرو بشراكة؟ أم ستدفع تكاليف المحتوى المقدّم من مقدّمي الخدمات؟». ليستنتج في المقابل بأنه «إذا كانت وزارة الاتصالات سوف تقوم بدفع الفواتير بنهاية كل شهر، فهذا يفترض أنها تملك منصّة لنقل المحتوى، فلماذا الحاجة عندها إلى التعاقد مع شركات خاصة مشغلة لنقل المحتوى؟ ولماذا لا تقدّم وزارة الإتصالات منفردة خدمة IPTV التي يتبيّن أنّها الهدف الأساسي من المشروع المقترح، طالما أنها تملك البنية التحتية لذلك؟
أورد سؤال ياسين بالمقابل ردّ هيئة الشراء العام المختزل على كتابي أوجيرو والذي اعتبر أنّ «الأمر يخضع لأحكام المادة 46 فقرة أولى المتعلقة بالتعاقد بالتراضي عندما يتعذّر اعتماد خيار أو بديل آخر. وبات إثبات تعذّر وجود بديل أو خيار آخر يقع على عاتق الجهة المتعاقدة وكامل مسؤوليتها نتيجة لدراسة السوق التي تجريها».
فهل أجرت الوزارة مثل هذه الدراسة للسوق؟ وهل هذه الحصرية متوفرة فعلاً؟ سؤال ياسين بدا مشككاً بذلك، ولذلك خلص إلى أنّ الأجدى «وضع دفتر شروط مخصص للتعاقد مع ناقلي محتوى أو أصحاب محتوى وفقاً للقوانين المرعية الإجراء ولا سيّما قانون الشراء العام بما يضمن المنافسة والشفافية وتكافؤ الفرص».
السؤال الرابع من أسئلة ياسين الموجّهة إلى الحكومة، كان حول السبب الذي يدفع بالشركات الخاصة للتعاقد مع أوجيرو لقاء 25 بالمئة من العائدات، فيما يمكنها تقديم الخدمة من دون الحاجة إلى أوجيرو؟ وقد وجد هذا السؤال إجابته في السياق العام للجدلية التي طرحها، والتي تظهر الشركة رابحة كونها ستصل إلى نحو مليون مشترك لأوجيرو إن كان في الهاتف أو الإنترنت، ستستفيد من نظام الفوترة الخاص بأوجيرو وتضمّ فواتير خدمة البث إليها، بمقابل دفع أوجيرو إلى زيادة سرعات الإنترنت لمشتركي الخدمات، من دون الحاجة إلى زيادة الرزم كما يحصل عادة.
فهل سيحمل ردّ وزارة الإتصالات إجابات تبدّل هذه القناعات، وتبرّر بالتالي قانونياً إصرار وزير الاتصالات على ما اعتبره ياسين تعاقداً يضرب قانون المنافسة، ويرتب مسؤوليات على أوجيرو في حال حصوله؟
في العناصر المكونة لسؤال ياسين ما يحمل ارتياباً من كون الصفقة المعروضة تشكّل جزءاً من مسلسل التفريط بالموارد التي تحميها القوانين، لتتحوّل من خلالها الدولة إلى مجرّد صندوق بريد ناقل للخدمات. ومصادر متابعة للملف ترى «أن الترخيص للشركات التي تقدّم المحتوى بهذه الحالة، سيتيح لها استخدام البنى التحتية والتجهيزات العائدة لأوجيرو، بمقابل نسب مئوية من الإيرادات، غير مبنية على دراسات جدية للسوق». بينما الإمعان في هذه السياسة برأيه هو ما يفرغ الوزارة من دورها في إدارة القطاعات التي تدرّ أموالاً على خزينة الدولة.