ألغت لجنة المال والموازنة المادة 58 من مشروع الموازنة الذي تقدمت به الحكومة، وهي تتعلق بكيفية تحصيل ضريبة 10% من ايرادات الأسهم والسندات والودائع الخاصة باللبنانيين في الخارج، وهم مقيمون في الداخل، واصطلح على تسمية تلك الضريبة «تطبيق CRS القائم على تبادل لبنان المعلومات الضريبية مع الخارج»، وتقدّر حصيلة تلك الضريبة لو أقرت مئات ملايين الدولارات سنوياً.
وقال الأستاذ المُحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة كريم ضاهر لـ»نداء الوطن» إنّ الدولة اللبنانية «تتباطأ وتتخاذل عن القيام بموجباتها، ومجلس النواب لا يضغط عليها لتحصيل حقوقها كضرائب من الميسورين في لبنان. وهذا يوجِد نوعاً من عدم التوازن بينهم وبين المودعين الذين خسروا أموالهم في المصارف».
وأضاف ضاهر: «من استطاع إخراج أمواله من لبنان يتمتع بفوائد وإيرادات أسهم وسندات هي في أعلى مستوياتها منذ سنتين، ولا يدفع الضرائب عليها في لبنان، وليس هناك جهد لدفعه الى ذلك». ولفت الى أنّ «المادة 58 وُضعت في النسخة الأولى لقانون موازنة العام الحالي، لكن تم تغييرها في القانون الجديد للموازنة التي سيصدرها مجلس النواب. وكانت وزارة المالية ذكّرت في المادة المذكورة بأن من لا يدفع ضريبته يعتبر بمثابة متهرب ضريبي ويحوّل المتخلف أو المتقاعس الى النيابة العامة المالية، وتُحجز أمواله الى حين دفع الضريبة. لكن لجنة المال والموازنة ألغت هذا التدبير بحجة أنه لا يجوز إخافة المكلفين في هذه الظروف المعيشية، فألغوا التهديد الموجود».
ورأى ضاهر أنّ «هذا الأمر يتنافى مع مبدأ العدالة الضريبية والمساواة المنصوص عنه في مقدمة الدستور والمادة السابعة منه، لأنه يعفي المكلفين الميسورين الذين يملكون أموالاً في الخارج وإمكاناتهم تسمح لهم بالعيش في لبنان برخاء وبحبوحة، بينما عليهم دفع ضرائبهم لتحقيق نوع من العدالة الضريبية أو أقله كموجب مواطني وتضامن وطني. وهذا المبدأ يطول أيضاً المقيمين في لبنان ويحققون أرباحاً فيه لا يعلنونها ويتهرّبون من التصريح عنها لألف سبب وسبب، ما يؤدي إلى الدوران في حلقة مفرغة من العجز والفساد والزبائنية. وطالما لم يطل القانون الجميع فسيبقى التذرّع بالتطبيق الكيفي عذراً لعدم الالتزام والتفلت من المسؤولية والعقاب».
واعتبر ضاهر أنّ «الهدف من إلغاء هذا التدبير في الموازنة وعدم الضغط لتفعيل الآلية التي تسمح بتلقي المعلومات من الخارج على قاعدة التبادل ليس حماية أصحاب الرساميل فحسب، بل أيضاً إخفاء الحسابات العائدة لهؤلاء الاشخاص الموظفة في الخارج، لأنه إذا قام لبنان بالخطوات اللازمة لاستقبال المعلومات من الدول الشريكة حول هؤلاء الاشخاص وأكثرهم من النافذين أو المقربين من السياسيين، على قاعدة التبادل، سيتم كشف وضع الكثير من النافذين والسياسيين والمصرفيين والأثرياء، وتظهر حقيقة ذممهم المالية الموجودة في الخارج، وإذا تّم التحقيق معهم وتتبع العمليات الحاصلة منذ سنوات فستظهر أشياء كثيرة، ومنها عمليات الفساد وتشابك المصالح، ومنها أيضاً كشف من حوّل أمواله الى الخارج وبأي تاريخ، وتورطه بأعمال الفساد والرشوة وسوء استعمال المعلومات المميزة (Inside trading)».
وختم: «ليس من مصلحتهم أن يكمل لبنان هذه الإلزامات التي تمكنه من تلقي المعلومات. المشكلة هي أنّ الطبقة السياسية والمالية الحاكمة لا تزال متربصة، وتبذل جهدها لمنع كشف الوقائع والحقائق والحسابات للاشخاص المرتكبين أو المتوارين والذين يخفون أموالهم في الخارج… ما يسمح لها بطمس المخالفات والتهرب من المساءلة والتفلت من العقاب والبقاء في مراكز النفوذ والقرار متسلّطة على قطيع منصاع ومستقيل حتى الفناء».