قبل أيام، إحتفلت وزارة الطاقة بولادة قانون الطاقة المتجدّدة، وقد شرّعت من خلاله للأفراد رفع كميات إنتاجهم الفردي للطاقة من 1.5 ميغاواط إلى 10 ميغاواط. بدت الخطوة متأخّرة في ظلّ الفوضى التي تسبّبت فيها طفرة تجهيزات الطاقة المتجدّدة التي غزت معظم أسطح المباني على مختلف الأراضي اللبنانية، لولا أن القانون هذه المرة جاء ليكسر احتكار مؤسسة كهرباء لبنان عملية الإنتاج، فسمح للأفراد ببيع إنتاج تجهيزاتهم، شرط أن تتمّ عملية النقل عبر الشبكة العامة التابعة للمؤسّسة.
وفي هذا الموجب تجسّد العائق الأول أمام تطبيق القانون، خصوصاً أنّ النقل بالشبكة العامة يفترض توفير التغذية المتواصلة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، هذا بالإضافة إلى العراقيل المترتّبة حتى الآن، عن عدم تشكيل الهيئة الناظمة خصوصاً أنّ دورها أساسي في تطبيق القانون، بالإضافة إلى الحاجة لاستحداث مديرية الطاقة المتجدّدة التي يفترض أن تتولّى مهام التنظيم إلى جانب الهيئة. وهذا ما يبقي عملية الإنتاج ضمن إطار فردي، بما يرتّب ذلك من أعباء كبيرة على البيئة والمجتمع، وخصوصاً بسبب اقتران ضمان استدامة التغذية في المؤسسات والمنازل بالحاجة الدائمة للبطاريات.
يفتقد لبنان الغارق في أزماته بالمقابل لنهج شامل ومناسب لإدارة أنواع البطاريات التي تشكّل جزءاً أساسياً من عملية الإنتاج وتوفير الطاقة المتجدّدة في ساعات التقنين. بينما القانون الصادر حديثاً، لم يتطرّق إلى المواصفات المطلوبة والشروط التقنية التي من شأنها تخفيف أثرها البيئي السلبي الذي سيرتّبه تحوّلها إلى «نفايات خطرة» بعد انتهاء صلاحيّتها. وهذا ما يدفع نائب رئيس الجمعية اللبنانية لحفظ الطاقة عادل مرتضى إلى القول «لجأنا إلى الطاقة الشمسية كحلّ لمشكلة التقنين، وإذا بها تتحوّل إلى مشكلة». ويشرح «عندما نرفع استهلاك الطاقة الشمسية على المستوى الفردي معناها أننا سنستورد كميات أكبر من البطاريات (العادية والليثيوم) والألواح، وكلها لها عمر معيّن وبعد هذا العمر ستتلف. بينما إذا كنا نحن في الأساس نعاني عجزاً بإدارة النفايات المنزلية، فكيف سنتعاطى مع نفايات خطرة بملوّثاتها».
بظل حالة الفوضى التي سمحت بدخول أنواع تجهيزات لن يطول عمرها كثيراً، وبظلّ الخبرات غير الكافية في عملية تركيب هذه التجهيزات، يمكن التوقّع بأن هذه المشكلة ستطلّ برأسها قريباً.
وتتجلّى مؤشرات هذه المشكلة، من خلال العرض الذي قدّمته مديرة قسم إدارة النفايات- الإقتصاد الدائري والإعلام في الجمعية ريتا النجار من ضمن ندوة نظمتها جمعية ALMEE ووكالة التحوّل البيئي حول «جمع وإعادة تدوير البطاريات المستعملة» ببلدية زحلة. إذ أضاءت النجار على سلوكيات إدارة هذه النفايات ضمن البلديات، ممارساتها الحالية وما تولّده من تحدّيات.
وفقاً لهذه الدراسة تجمع حالياً إحدى أكبر المؤسسات التي تستقطب القسم الأكبر من نفايات البطاريات نحو 12 ألف طن من بطاريات الرصاص والحمض المستعملة في أنظمة الطاقة الشمسية سنوياً. وهذا الرقم يفوق كمية البطاريات المستخدمة في السيارات والشاحنات. ولكن إذا كانت هذه المؤسسة لم تباشر حتى الآن بجمع بطاريات الليثيوم الأكثر خطورة، فالسبب أن عمر هذه البطاريات أطول من غيرها، كما أن دخولها إلى السوق لا يزال حديثاً. إلا أن ذلك لا يعني أنها لن تتسبب في مشكلة كبيرة متى انتهت صلاحياتها.
ولاستبيان حجم المشكلة المرتقبة يكفي التوقف عند أرقام الدراسة المعروضة، والتي أظهرت حجم كمية البطاريات الإستثنائية التي تم إستيرادها سنة 2022 بالتزامن مع تفاقم أزمة الكهرباء، حيث بلغت 117 ألف طن تقريباً وفقاً لأرقام الجمارك اللبنانية.
ليس في لبنان حالياً إمكانية لإعادة تدوير هذه البطاريات، وتختصر كل إمكانيات المؤسسات التي تقوم بجمعها، بإنتاج كميات من الرصاص تصدر إلى أوروبا، فيما كميات البلاستيك الناتجة عنها تدوّر كأحواض زهور، والعوادم ترسل إلى المطامر. وهذا ما يبقي مشكلة الأسيد الناتج عن عملية التلف بغموض كبير، وإن كانت بعض جمعيات البيئة، كجمعية ECO SERV التي شاركت في الندوة أيضاً قد وجدت لها حلولاً، إلا أنه في معظم الحالات تصل البطاريات إلى مراكز التجميع خالية من الأسيد.
هذه الوقائع عرضت في ندوة ALMEE مع إضاءة على الدور الذي يمكن أن تلعبه البلديات سواء في التوعية أو المراقبة. ومن المتوقع أن تخلص إلى توصيات، تجري متابعتها مع البلديات، بالتزامن مع إطلاق منصة تجمع الجمعيات والمؤسسات التي تقوم بتجميع البطاريات والإلكترونيات التالفة. والهدف زيادة وعي المجتمعات حول خطورة هذه النفايات، وحثّ البلديات على التدخل الفاعل في درء مخاطرها، وتطبيق القوانين المنظمة، ولا سيّما المرسوم 56062019 الذي ينظم ويراقب ويضبط عمليات تولّد وفرز ونقل وتخزين واستيراد ومعالجة النفايات الخطرة والتخلص النهائي منها.
هذا مع العلم أنّ الوقت الفاصل عن مواجهة الواقع الذي ستفرضه تجهيزات الطاقة البديلة ليس طويلاً، فيما تقول النجار «إننا ننطلق من تحت الصفر. حتى أنه بالاستبيان الذي قمنا به، لا يرى عدد كبير من البلديات أن هذا الموضوع طارئ، وهم لا يضطرون للتعامل معه بشكل يومي. ولكنه في الواقع سيتحول إلى قنبلة موقوتة ما لم نباشر بوضع المعالجات اللازمة منذ الآن».