وافق مجلس النواب خلال جلسات مناقشة الموازنة على تمرير المادة 88 في مشروع الموازنة التي تنصّ على تخفيض معدل الضريبة على ارباح التفرغ عن العقارات الى 1% بصورة استثنائية لغاية 31 كانون الأول 2026. علماً ان معدل هذه الضريبة التي أدخلت بموجب القانون رقم 64 الصادر في 20 تشرين الأول 2017 حدّدت بـ15%، واعتبرت عند اقرارها آنذاك بانها من الإصلاحات الضريبية المهمة التي تعزّز العدالة الضريبية وتحارب المضاربات العقارية ومخطّطات التهرّب الضريبي الذي يحرم الخزينة من موارد مهمة.
كيف كانت؟
كانت تطبق هذه الضريبة بمعدل 15% على أرباح التفرغ عن العقارات أو أقسام العقارات أو الأسهم في العقارات الواقعة في لبنان والتابعة لافراد وذلك نتيجة عمليات التفرغ الحاصلة اعتباراً من 27/10/2017، على ان يحدد ربح التفرغ عن العقار أو قسم من العقار أو الأسهم في العقار، بالفرق بين قيمة التملك وقيمة التفرغ. ومن ثم، وفي سبيل تحديد الوعاء الخاضع للضريبة، تنزل عن كل سنة كاملة تفصل بين تاريخ تملك العقار وتاريخ التفرغ عنه، نسبة 8% من قيمة ربح التفرغ، ولا يمكن تنزيل أي مبلغ آخر. وعليه يعفى من الضريبة ربح التفرغ إذا كان المتفرغ قد استمر في تملكه لمدة تزيد عن 12 سنة كاملة، حتى ولو حصل التفرغ بداية السنة الثالثة عشرة. كما يتوجب على الأشخاص المعنيّين التصريح عن عملية التفرغ وسداد الضريبة المتوجبة عنها خلال مهلة شهرين من تاريخ التفرغ. علما ان القانون نصّ على استثناء من الضريبة المذكورة من ارباح التفرغ عن امكنة السكن الاساسية للشخص الطبيعي على ان لا تتجاوز السكَنين.
تعديل لجنة المال والموازنة
نصّت موازنة 2024 التي من المفترض انها ترمي لزيادة ايرادات الخزينة، على خفض تلك الضريبة من 15 الى 1% فقط، مما سيؤدي بطبيعة الحال الى تقلّص الايرادات الضريبية الناتجة عنها بشكل ملحوظ، خصوصاً ان توقعات ايرادات الضريبية تلك منخفضة نظراً لتراجع الطلب العقاري منذ العام 2022 الذي شكّل نقطة تحوّل بالنسبة للطلب، نتيجة تسعير المبيعات العقارية بشكل كامل بالدولار النقدي، وتوقف البائعين عن قبول الشيكات المصرفية كوسيلة للدفع على عكس ما كان رائجاً عند اندلاع الازمة في 2019. بالاضافة الى التراجع اللافت في سعر صرف الليرة مقابل الدولار. تلك العوامل ادّت الى ركود في السوق العقاري حيث اشار تقرير للدوائر العقارية ان نسبة التراجع في المبيعات العقارية بلغ 84% لغاية تشرين الثاني 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022، علماً ان التقديرات الفعلية نظراً لاقفال الدوائر العقارية في جبل لبنان، ترجح ان تكون النسبة عند 50%.
لماذا أضافت لجنة المال هذه المادة التي تخفض معدل الضريبة على ارباح التفرغ عن العقارات من 15 الى 1%، طالما ان تلك الضريبة لا تطال المواطنين العاديين ولا تطبق على من يسعى الى بيع عقار هو عبارة عن شقة سكنية، كما انها لا تطال من يسعى الى بيع عقار بعد 12 عاما من حيازته؟
عدم وضوح الأسباب الموجبة
إعتبر الخبير في الشؤون الضريبية المحامي كريم ضاهر انه في ظلّ عدم وضوح الاسباب الموجبة وراء لجوء لجنة المال والموازنة الى هذا التخفيض، هناك احتمالات عدّة مطروحة لتبرير هذا التوجّه خصوصاً ان هذه الضريبة التي اقرّت في العام 2017 اعادت جزءاً من العدالة الضريبية المطلوبة وانطباعاً جديداً عن المسح الضريبي في لبنان، لانها طالت الاشخاص الذين يقومون بمبيعات عقارية ويحققون الارباح من دون ان تكون مهنتهم الاساسية، اي خارج نطاق الشركات العقارية والمطوّرين العقاريين المسجلين والذين يسددون ضرائبهم او حتّى بعض المطوّرين الذين يقومون بمبيعات عقارية لصالح افراد من عائلتهم بهدف التهرب الضريبي.
إنصاف أفراد؟
واعتبر ضاهر ان احتمال خفض هذه الضريبة من اجل انصاف الافراد بعد تضخم اسعار العقارات بالليرة، لا يجب ان يكون سبباً، لان وزارة المال اصدرت في 2019 قراراً باعادة تقييم الاصول للعقارات المشمولة باحكام المادة 13 من القانون 64 على ان تخضع الفروقات الناجمة عن اعادة التقييم الى ضريبة بنسبة 3%، وهذا الأمر صالح لغاية 31-3-2020، كما صدر اجراء مماثل ضمن موازنة 2022 للاعفاء واعادة التقييم صالح لغاية اواخر 31-12-2022 وتم تمديده لاحقاً 6 اشهر. وبالتالي رأى ضاهر ان تلك الاعفاءات واعادة التقييم استفاد منها من تأثر بتضخم اسعار العقارات بالليرة عند بيعها ولم يسدد ضريبة بنسبة 15%.
لماذا اليوم؟
وسأل: لماذا نحتاج اليوم الى خفض تلك الضريبة الى 1% طالما ان الاعفاءات وعملية اعادة التقييم كانت سارية المفعول وأنصفت كلّ من يحتاج لها وكلّ من اشترى عقارا قبل الازمة بسعر مرتفع وباعه بسعر اقلّ بعد الازمة؟ لماذا نحتاج الى خفض هذه الضريبة طالما انها لا تطبق سوى على الافراد الذين يملكون اكثر من عقاريْن اي على التجار غير الشرعيين؟
من سيستفيد؟
أضاف: مَن سيستفيد من هذا التخفيض هم الذين يتاجرون بالعقارات بطريقة غير رسمية ضمن الاقتصاد الاسود النقدي، على حساب ايرادات الخزينة، وعلى حساب المكلّفين الآخرين في مختلف القطاعات الذين يسددون ضرائب على الارباح تتراوح بين 10 و25%.
كما اشار ضاهر الى ان هذا التخفيض سيعزز عمليات تبييض الاموال وسيدعم الافراد الذين يسعون الى تبييض اموالهم من خلال شراء العقار نقداً واعادة بيعه لاحقاً وايداع تلك الاموال في المصارف.
السبب هو الأسعار المضخمة
في هذا الاطار، اوضح رئيس نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين وليد موسى ان الاسعار المضخمة للعقارات بعد انهيار سعر الصرف هي السبب الاول للجوء الى خفض تلك الضريبة، شارحاً ان قيمة العقارات المشتراة قبل الازمة، والتي كانت تبلغ على سبيل المثال مليون دولار والمسجّلة حينها بمليار ونصف مليار ليرة، تم بيعها بعد انهيار سعر الصرف بـ500 ألف دولار اي ما يعادل على سعر الصرف الحالي 45 مليار ليرة، وبالتالي كان المتفرغ عن العقار يسدد ضريبة على ارباح التفرغ العقاري بنسبة 15% على قيمة الـ43.5 مليار ليرة (45 – 1.5 مليار ليرة)، اي حوالى 70 ألف دولار! «وهو أمر غير مقبول، خصوصاً ان صاحب العقار باعه بخسارة تبلغ 50% من قيمته الحقيقية!».
تصحيح لغط في الاحتساب
واعتبر موسى ان خفض الضريبة الى 1% جاء ليصحّح هذا اللغط في احتساب الضريبة بعد انهيار سعر الصرف وتضخم الاسعار بالليرة. مشيراً الى ان خفض هذه الضريبة الى 1% يطال الافراد فقط في حين تم فصل الشركات عن الافراد وطلب منها اعادة تقييم اصولها في مهلة اقصاها اواخر 2026 على ان يتم تسديد ضريبة الـ15% على كلّ ما أعيد تقييمه، «وهو اجراء عادل للشركات. علماً انه كان من المفترض تطبيق اعادة التقييم على الافراد والشركات من دون خفض الضريبة»، مؤكداً ردّاً على سؤال ان الافراد لم يلجأوا الى الاستفادة من الاعفاءات والتخفيضات التي اصدرتها وزارة المال سابقاً على اعادة تقييم العقارات، وبالتالي فان خفض الضريبة سيصبّ في صالح تلك الفئة من المتفرّغين عن عقارات بطريقة عملية اكثر من الاعفاءات واعادة التقييم.
هناك جمود
كما أكد موسى ان هذا الخفض الضريبي كان ليكون مضرّاً لصالح الخزينة او يصبّ في صالح اشخاص معيّنين لو ان السوق العقاري يشهد ازدهاراً، «إلا ان الجمود الحادّ في السوق حالياً وانعدام المبيعات العقارية لا يدفع للشكّ بامكانية اقرار هذا الخفض من اجل إفادة فئة معيّنة».