امتعضت وزارة المال من اتهامها بتفجير “فضيحة” بعد اقتراضها من البنك الدولي لتحسين مداخيل موظفين في وزارة المال والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة.
اعترفت وزارة المال بالواقعة، لكنها وضعتها في خانة “دعم قدرات الموظفين لتمكين الوزارة من إطلاق عملية الإصلاح للتعافي المالي والنهوض بالاقتصاد”. شعار رنّان بات يُحشر في كافة بيانات الحكومة ووزاراتها، لتبرير إجراءات وقرارات أتفه من أن توصف بالقرارات الرسمية.
اعترضت وزارة المال على التشكيك بمصداقيتها، في وقت تبدو الاستنسابية واضحة للعيان في التعاطي مع موظفي القطاع العام، وبين موظفي الإدارة الواحدة، لاسيما تحت سقف وزارة المال نفسها. فمن يراقب مداخيل الإدارات والمؤسسات العامة، يبدو له لوهلة أن كل مؤسسة وإدارة مستقلة عن الأخرى. وكأن موظفيها تابعون لرب عملهم وليس للدولة نفسها.
اختلاف بالرواتب
تتفاوت الرواتب والمخصصات بين مؤسسات القطاع العام من جهة، وبين الفئات عينها في العديد من المؤسسات. حتى ان التفاوت والتمييز يصل إلى الموظفين في المؤسسة عينها. أما الأسباب، فلا أسس ولا معايير واضحة لخريطة زيادة الرواتب والامتيازات.
تبدأ عوامل التمييز بين الموظفين من الهامش الواسع المتروك لكل وزير، لتخصيص موظفين محدّدين بمكافآت مالية أو زيادات، من شأنها تكريس الفوارق. ففي وزارة المال تحديداً، يتم توزيع حصة الموظفين من الغرامات المحقّقة بشكل غير منصف، على ما يؤكد عاملون في وزارة المال. فالغرامات التي يتم تحصيلها لصالح موظفي وزارة المال ارتفعت بموجب موازنة 2024 من 30 إلى 40 في المئة من قيمتها الإجمالية. كما تمت مضاعفة الغرامات بنحو 10 اضعاف. وحسب المصدر، يتم توزيع تلك المداخيل بشكل استنسابي بين موظفي الوزارة الواحدة، وأحياناً بين موظفي الفئة نفسها، مع الإشارة إلى احتساب الغرامات بسعر الدولار الرسمي والذي ارتفع إلى 89500 ليرة.
وحسب مصدر موثوق، فإن زيادة على الرواتب بالدولار الفريش تم تخصيصها لعدد من موظفي المالية. ويضاف إليها مشروع الوزارة الجديد القاضي بتخصيص دعم مالي بالدولار الفريش من قرض البنك الدولي، الذي تعمل وزارة المال على إنجازه في سبيل ما وصفته “دعم قدرات الموظفين”.
وكانت وزارة المال قد خصّصت لموظفين آخرين عاملين في مديرية الجمارك بدل ساعات إضافية، مبالغ مالية يفوق مجموعها مجمل رواتب زملائهم.
بالمقابل، تتفاوت المداخيل بين قطاع التعليم الذي بات متوسط قيمة الرواتب بين عامليه قرابة 450 دولاراً.. والسلك القضائي الذي يبلغ متوسط رواتبه بين 1500 و2000 دولار، وموظفي أوجيرو الذين استحصلوا على مبلغ مقطوع بالدولار الفريش، وموظفو الإدارة العامة الذين يبلغ متوسط رواتبهم 200 دولار.
وليس هذا وحسب، بل إن عدداً من الإدارات -وفق المصدر- يتجه إلى طلب موظفين متعاقدين لتقديم خدمات محددة، في مقابل رواتب بالدولار الفريش، تتراوح بين 1500 و2000 دولار. ومن بين تلك الإدارات وزارة الصحة العامة، في وقت يعاني فيه موظفو الوزارة نفسها من تدني رواتبهم، وانهيار قدرتهم الشرائية، بانتظار تقديم حوافز مالية لم تر النور حتى اللحظة.
ولا شك بأحقية موظفي القطاع العام بتلك الزيادات أو الحوافز، إلا أن الاستنسابية في توزيعها يجعل منها أداة تفرقة بين العاملين في الإدارات. من هنا، يحتشد العديد من تجمعات الموظفين الفعليين والمتقاعدين لتنفيذ تحركات بوجه الحكومة، رفضاً للعشوائية والاستنسابية في توزيع المال العام على المتنفذين والمحسوبين وللمطالبة بزيادات عادلة من دون استثناءات.
خلفية قرض
وكانت وزارة المال قد عبرت بالأمس عن رفضها لانتقاد اقتراضها من البنك الدولي لتعديل مداخيل قرابة 500 موظف، واوضحت بالتالي قيمة المشروع وآلية احتسابه. وحسب وزارة المال، تبلغ قيمة المشروع 34 مليون دولار أميركي (28.5 مليون دولار قرض و5.5 مليون دولار هبة من الصندوق الإئتماني) منها مبلغ 14.1 مليون دولار لأنظمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك الأجهزة والبرامج الحاسوبية والتراخيص والصيانة، ومبلغ 12.3 مليون دولار على مدى 3 سنوات للتمويل المرتبط بشروط حسن الأداء. ومبلغ 7.6 مليون دولار من المشروع لاستثمارات في الطاقة النظيفة، وغيرها من أنشطة الدعم الفني وبناء القدرات.
كل ذلك.. ولم تأت وزارة المال ولا الحكومة التي تقف وراءها على ذكر كيفية آلية اختيار الموظفين المخولين بالاستفادة من قرض البنك الدولي في وزارة المال والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة. كما لم تتضح الجهة الرقابية لصرف القرض. ويُضاف إلى ذلك وجود نيّة سابقة لوزارة المال باستقدام أجراء من خارج القطاع العام للتعاقد معهم، إلا أن مساعيها باءت بالفشل.