تخوض الحكومة حالياً معركة حقيقية لخفض عجز الموازنة، في محاولة منها لتأمين الاصلاحات المطلوبة للسير بمؤتمر سيدر. الا ان طريقها يبدو مليئاً بالألغام، فخفض الرواتب والتقديمات جوبه بإضرابات في الشوارع كان بعضها موجعاً ، وحتى خفض رواتب الوزراء أنفسهم لم يلقَ تجاوباً كاملاً. كما ظهرت الحكومة وكأنها بعيدة كل البعد عن واقع شعبها، وعاجزة عن انتشال البلد من أزمته في ظل صعوبة الحصول على توافق على كل البنود المطروحة نظراً لعدم شعبويتها.
فهل ستثير هذه الاضرابات القلق في نفوس مشتثمري سيدر؟ وهل ستؤثر على المسار الذي يسلكه “سيدر” للوصول الى النتائج المرجوة؟
اعتبر مدير معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية والإقتصادية د. سامي نادر ان “سيدر مرتبط بشكل كبير بالاصلاحات، واذا حالت هذه الاضرابات والاعتصامات دون تنفيذ الاصلاحات فطبعاً ستؤثر على سيدر بشكل سلبي”.
وشدد على ان “هذه التحركات التي شهدها لبنان مشروعة ويجب تفهمها، فليس من السهل ان نقتطع من الرواتب في القطاع العام، فهذه الرواتب ليس مرتفعة، اذ ان المشكلة في القطاع العام ليست مشكلة رواتب انما عدد الموظفين الذي ارتفع بشكل كبير واضحى عبء على حقوق العاملين في القطاع “.
وشدد على ان “الرواتب المتدنية في القطاع استدعت اقرار سلسلة الرتب والرواتب، الا ان المشكلة كانت في اقرارها دون تأمين مصادر تمويل اذ كان يجب في ذلك الوقت القيام بإصلاحات، وادى عدم القيام بها الى تفاعل المشكلة”.
واعتبر ان “الاصلاح المطلوب هو اعادة النظر بأعداد العاملين في القطاع العام ضمن خطة تمتد على خمس سنوات. فيجب ان نكون واقعيين، لا يمكن ان نوقف عمل هؤلاء فجأة بل يمكن وقف التوظيف واعادة النظر ببعض أنظمة التقاعد والنفقات الجارية، هناك نفقات يمكن الاستغناء عنها كما هناك ادارات في الدولة كصندوق المهجرين ومجلس الجنوب ومصلحة سكك الحديد، لا بد من التخلي عنها”.
لا خطوات جدية
وعن الطريق الذي تسلكه الدولة نحو تنفيذ مقررات سيدر، كشف نادر ان “الدولة لم تسر بعد بإجراءات مؤتمر سيدر، فحتى الآن لم تأخذ اي خطوة متقدمة، هي تدرس زيادة الضرائب انما الاساس في النفقات الحكومية، ففي الموازنة باب النفقات الحكومية يبلغ 26 الف ميار ليرة لبنانية. في موزانة عام 2018، كانت 26 الف مليار وفي موازنة عام 2019 لا تزال نفسها. وبالتالي لم يحصل هناك اي حصر جدي في النفقات الحكومية “.
واعتبر ان “اتجاه الدولة لتقليص العجز عبر تعزيز الواردات خاطئ، وهذا الامر لن ينجح فنحن في مرحلة ركود، ففي 2018 عملوا على رفع الضرائب فتدنت الواردات وهذا امر طبيعي، فعندما نكون بحال ركود رفع الضرائب لن يجدي نفعاً، وهذا امر معروف. ومن هنا المخطط الذي يطرحوه عبر رفع الضرائب سيقودهم الى نفس النتيجة فسيتعمق الركود وستتراجع العائدات” .
خيبة المجتمع الدولي
ورأى نادر انه “لو اطلع المجتمع الدولي على مشروع الموازنة ووجد ان مستوى النفقات هو نفسه، سنشهد ردود فعل سلبية وسنشهد تغيير في وكالات التصنيف لا سيما اذ ا جرى رفع الفوائد على المصارف، اذ ستعتبر الوكالات ان المصارف ستمول دولة لا تقوم بأي اصلاح ومزاريب الهدر فيها لا تزال مفتوحة على مصراعيها. اي ان مستوى المخاطر الذي تحمله سيرتفع والتصنيف الائتماني سيتراجع”.
ولفت الى ان “مصير سيدر مرتبط بالموازنة التي لا تزال قيد الدرس، واذ معيار النفقات الحكومية سيبقى نفسه، ستذهب الامور الى مزيد من التدهور. واذا كان هناك مفاجأة ما، ستسير الامور نحو التحسّن. فليس امامنا خيار الا خفض الانفاق الحكومي ومراقبة حسن التنفيذ “.
وشدد على ان “اهمية سيدر ليست في الاموال بل في الاصلاحات التي يطلبها، فإذا جرى القيان بالإصلاحات وتخفيض عجز الخزينة واصلاح قطاع الكهرباء وايلاء قانون العمل الاهتمام اللازم ستستقطب رؤوس الاموال شرط ان يؤمن الحد الادنى من الاستقرار السياسي”.
وفي حين اعلن ان “الاصلاحات ستنعش الاقتصاد، ولن نكون بحاجة الى مراكمة الديون”، رأى ان “الانفاق على تطوير شبكة البنى التحتية سيعطي دفع للإقتصاد”.