أثبتت سياسة المماطلة والتسويف المعتمدة من قبل حكومة نجيب ميقاتي فشلها. فلم تعد تؤخذ وعودها على محمل الجد من قبل موظفي الإدارات والمؤسسات العامة. وعليه، يصر موظفو وزارة المالية على الاستمرار بإضرابهم عن العمل إلى حين صرف الحكومة الحوافز المالية التي وُعدوا بها وجرى تعليقها في وقت سابق، تحت وطأة التحركات المطلبية من باقي القطاعات.
وليس إضراب موظفي وزارة المالية بالحدث العابر. فرواتب موظفي القطاع العام والأسلاك العسكرية معلّقة على عملهم، ولم يبق لصرفها سوى يومين فقط، في وقت تستلزم فيه مديرية الصرفيات في وزارة المالية العمل بين 10 أيام و15 يوماً لتحضير جداول الرواتب قبل صرفها. وبالتالي، باتت مسألة صرف الرواتب نهاية الشهر الحالي أمراً مستبعداً.
لا رواتب في موعدها
لا رواتب في موعدها لموظفي القطاع العام والأسلاك العسكرية الشهر الحالي، يؤكد مصدر من وزارة المال في حديث لـ”المدن”. فجداول الرواتب لم يتم إنجازها بعد بفعل الإضراب الذي ينفذه موظفو المالية، لافتاً إلى أن الموظفين المضربين عن العمل هم أنفسهم لن يتقاضوا رواتبهم نهاية الشهر، وهو ما يقطع الطريق على اعتراض موظفي القطاعات الأخرى.
ويقول المصدر بأن موظفي المالية ليسوا هواة إضراب، لكنهم تعرّضوا لإجحاف على مدى السنوات الماضية “وحين لمسوا بعض التعويض لحقوقهم تم انتزاعها من جديد”. ويذكّر المصدر بأن موظفو وزارة المالية لم يتوقفوا يوماً عن العمل، على الرغم من معاناتهم كما باقي القطاعات، وعجزهم عن تغطية تكاليف وصولهم إلى مقار عملهم. وقد استمروا بتسيير العمل في مديريات الوزارة في وقت كان موظفو باقي الإدارات والمؤسسات متوقفين عن العمل لفترات متقطعة، كما أن موظفي وزارة المال شهدوا على صرفيات وسلفات لباقي القطاعات ما كرّس التفاوت بين مداخيلهم “كانوا يعدّون جداول زيادات لموظفين زملاء لهم في إدارات أخرى فيما هم حُرموا من أي حوافز او زيادات” يقول المصدر.
وكان وزير المال يوسف الخليل قد اعترف في وقت سابق بأن إضراب موظفي وزارة المال يشكل خطراً على صرف رواتب القطاع العام. كما يعيق تيسير المرفق العام ويعرّض الجباية وتحصيل الايرادات للخزينة لخطر التوقف، ما يهدّد الاستقرار المالي والنقدي.
وعود جديدة
وفي وقت باتت فيه رواتب 300 ألف موظف مهدّدة بالتأخير فعلياً، يسعى رئيس الحكومة إلى ثني الموظفين عن إضرابهم، واعداَ إياهم بإنصافهم وفق قدرات الحكومة المالية. وهو ما يرفضه الموظفون. وحسب مصدر متابع لسير المفاوضات بين الحكومة وموظفي وزارة المال، فالوعود التي اطلقها ميقاتي مؤخراً تقضي برفع الرواتب بالدولار للموظفين الفعليين إلى نسبة 40 في المئة مما كانت عليه الرواتب الأساس قبل أزمة 2019، ورفعها إلى 30 في المئة للمتقاعدين. هذا الحل قد يرضي العديد من الأطراف ومنها موظفي وزارة المال. وقد تسيطر على الحركات الإعتراضية. إلا أن المستهدفين بالزيادات لم يأخذوا الأمر على محمل الجد، بل يشككون بصدقية الحكومة وبقدرتها على تنفيذ ما يتم التداول به، خصوصاً أن الطرح الذي يتم التداول به يفوق قدرة الحكومة المالية.
عملياً، يصعب على الحكومة منح 40 في المئة من رواتب الموظفين و30 في المئة للمتقاعدين بالدولار، فلا قدرة مالية لديها. لا سيما أن الرواتب قبل أزمة 2019 لم تكن متدنية كما هي اليوم. وهو ما يحتم سداد 40 في المئة أو 400 دولار للموظف الذي كان يتقاضى مليوناً و500 ألف ليرة على سبيل المثال، أي 1000 دولار قبل الأزمة.
وفيما يطالب موظفو وزارة المال باسترجاع الحوافز المالية المرتبطة بسلفة خاصة لهم، يطالب زملاء لهم في باقي الإدارات بمساواتهم بهم، ويتمسك المتقاعدون بموقفهم في منع انعقاد أي جلسة حكومية ما لم تُقر خلالها زيادات مالية منصفة للمتقاعدين. وأمام كل ذلك، تعجز الحكومة عن تأمين إيرادات مالية تغطي لها تكاليف النفقات على الرواتب.
وإلى حين حل أزمة الرواتب، يُسجّل للمرة الأولى بتاريخ القطاع العام اللبناني، عدم حصول موظفي القطاع العام على رواتبهم في موعدها نهاية الشهر.