مع كلّ ارتفاع في معدل التوتر في المنطقة، يتعرّض لبنان لمزيد من الضغوط الدولية والتحذيرات والتنبيهات من إمكانية ضلوعه في دعم المنظمات الارهابية والمساهمة في تمويل الارهاب وتبييض الاموال ولو بصورة غير رسمية، كونه يضمّ عنصراً أساسياً من العناصر المكوّنة لمحورالممانعة.
من هنا أتت زيارة نائب مساعد وزير الخزانة لشؤون آسيا والشرق الأوسط في مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية جيسي بيكر الى لبنان التي وُصفت بالبروتوكولية من قبل معظم الجهات الرسمية التي التقته إن على صعيد مصرف لبنان او النواب الذين اجتمعوا به، حيث ان الرسالة التي نقلها هي حرص الإدارة الأميركية على تتبع حركة الأموال عبر مؤسسات مالية غير شرعيّة وضرورة مكافحتها لمنع مساهمتها في تمويل منظمات ارهابية.
وأكدت مصادر اجتمعت مع الوفد الاميركي لـ»نداء الوطن» ان الزيارة روتينية يشبه مضمونها مضمون الاجتماعات السابقة مع ممثلين عن الخزانة الاميركية، والتي تشنّ دائماً حملة للقضاء على الاقتصاد النقدي وضرورة مكافحته وتقليص حجمه، كونه أداة تساهم في تمويل منظمات ارهابية. علماً انه أمر واقع يعيه المسؤولون اللبنانيون ولم يجدوا لغاية اليوم سبيلاً لكبح جماحه.
وتطرق البحث بين المسؤولين اللبنانيين والاميركيين الى شركات تحويل الاموال التي نشأت بعد الازمة وحلّت مكان المصارف في ظلّ انهيار القطاع المصرفي، والى ضرورة تشديد الرقابة على عملياتها المالية الى حين القيام بالاصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفي، وهو الامر الذي يستغرق وقتاً طويلاً. وتم طرح علامات استفهام حول حجم الرقابة المفروضة على شركات تحويل الاموال الرسمية إن لجهة شحن الاموال والتدقيق في التحويلات المالية التي تتم عبرها، او لجهة تمادي الدولة في الاعتماد عليها او استخدامها لتسديد الاموال واستيفاء الرسوم وغيرها، مما يجعل معلومات الدولة مكشوفة لتلك الشركات وعرضة للخرق، ويتيح لها توسيع حجم تعاملاتها المالية ويزيد من حجم السيولة النقدية المتوفرة بين يديها. كما تم التشديد على ضرورة فرض مزيد من الرقابة والتنظيم على عمل تلك الشركات على غرار الرقابة المفروضة على عمل المصارف لجهة تحديد مصادر الاموال التي يتم ارسالها او تلقيها عبرها.
وأوضحت المصادر ان تحديد حدّ أقصى لحجم التحويلات الفردية عبر تلك الشركات لا يشكل مانعاً او عائقاً امام عمليات تبييض الاموال، خصوصاً ان اجمالي حجم تعاملاتها المالية الذي يتراوح بين 3 الى 4 مليارات دولار لا يعتبر ضئيلاً او زهيداً ويسمح بتمرير تحويلات قد تهدف الى تمويل الارهاب او تبييض الاموال من خلال عمليات متعددة بأسماء مختلفة، وحتّى لو كانت اموالاً رقمية!
كما لفت الوفد الى عمل شركات ومكاتب صرافة يغفل القضاء والاجهزة الامنية عن دورها في ملاحقتها وضبطها، والتي تساهم بنمو الاقتصاد النقدي.
ومن المواضيع التي جرى البحث بها بين الجانب الاميركي واللبناني، احتمال تصنيف لبنان على القائمة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا (MENA FATF)، وضرورة فرض المزيد من الضوابط والقيام بإصلاح سريع للقطاع المصرفي من اجل تفادي حصول ذلك والحفاظ نوعاً ما على الانتظام المالي والحركة المالية، مع الاشارة الى ان تصنيف لبنان على القائمة الرمادية في حال حدوثه ليس بمثابة وضعه على اللائحة السوداء وقطع التعاملات المالية معه، بل هو تصنيف مرحلي الى حين التعافي والاصلاح على غرار ما هو حاصل في بلدان عدّة. وفي موازاة ذلك، حذر الوفد الاميركي من ان تصنيف لبنان على القائمة السوداء وقطع التعاملات المصرفية المالية معه، سيحفز الاقتصاد النقدي بشكل كبير ويساهم في ازدهاره بدلاً من تقليص حجمه. من هنا، تم التشديد على ضرورة اصلاح القطاع المصرفي عبر اقرار القوانين، والأهمّ تطبيقها وتنفيذها بمساندة القضاء.
وأوضحت المصادر ان عنوان زيارة مساعد وزير الخزانة الاميركي هو إصلاح القطاع المصرفي لتقليص حجم الاقتصاد النقدي، معتبرة ان التنويه بدور القطاع والتزامه بالمعايير الدولية لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب كما يشير له مصرف لبنان، ليس كافياً طالما ان الاقتصاد بمعظمه يعمل من خارج النظام المصرفي ومن دون اي رقابة وتتبع لحركة الاموال، وطالما ان اجمالي العمليات المالية تجري من خارج القطاع المصرفي!