يعرّج كل حديث عن ملفات الفساد التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه من حالة إفلاس، إلى ملف الإتصالات تحديداً. فالقطاع هو بمثابة فاكهة شهية يسهل قطفها، وسيل اللعاب عليها، يجعل شبهات الفساد تدور حول كل «صفقة» تطرح عبره، إلى أن يثبت العكس.
إقترنت شبهة الفساد في هذا القطاع غالباً بتهريب الملفات من الرقابة المسبقة. وهذه كانت حال صفقتي مبنيي «تاتش»، قصابيان والباشورة، قبل أن يتوسع ديوان المحاسبة في تحقيقاته حول المبنيين، إلى ما كُشف من خلال سهم تملّكه وسيم منصور، خبير الإتصالات الذي كلّف بمهام رئاسة مجلس إدارة تاتش عام 2014 ولفترة قصيرة، وفضح قضائياً عقد ستر صفقة إيجار مشبوهة لمبنى «تاتش» في الباشورة تحديداً.
والسهم الذي ثبت منصور حقه به قضائياً، هو واحد من 30 ألف سهم في «تاتش» معظمها يعود لبنك عوده، وقد حصل عليه بالتزامن مع قرار تعيينه رئيساً لمجلس إدارة «تاتش» كتدبير قانوني ملزم يمنحه حق التصويت على قرارات مجلس الإدارة. واستمر بموجب ملكيته لهذا السهم بالمشاركة بالجمعيات العمومية للشركة حتى بعد تخليه عن منصبه، ولم يطالب باسترداده إلا بعد تقدمه بدعوى جزائية على خلفية شبهات فساد في عملية شراء مبنى «تاتش». عرّى سهم منصور ودعواه القضائية الكثير، وحتى على صعيد بعض قضاء أهمل التحقيق في شبهات الفساد المحالة أمامه، ليناقش في صفة المدعي وحقه بالإدعاء… إلى أن حسمت الأمر المحامية العامة المالية دورا الخازن، من خلال تثبيتها حق منصور بسهمه الذي يبدي إستعداده للتخلي عنه، ولكن فقط متى باشرت هيئة القضايا باسم الدولة اللبنانية بمقاضاة جزائية للمتهمين.
ولكن كان لافتاً أن يُرجم السهم وصاحبه من خارج السياق، ربطاً بمشروع تقديم خدمة الـOTT عبر هيئة أوجيرو، وهو ما طرح التساؤلات عن خلفيات هذه الحملة الإستباقية.
وعلى هذا المنوال إنقسمت الجبهات حتى داخل جلسات لجنة الإتصالات النيابية، التي بدت مفاعيل سهم منصور عاملاً أساسياً من عوامل حيويتها في دراسة تلزيمات الإتصالات المطروحة أمامها. وهي مفاعيل لم تبلغ ربما مستوى تصويب مسارات التلزيمات، ولكنها من دون شك وضعت ضوابط تصعّب هدر أصول الدولة، أو أقله تعيق محاولات تهريب مداخيلها للجيوب الخاصة.
في المقابل تسنى للبنانيين عموماً من خلال «سهم منصور» التعرف إلى «كاشف فساد»، بالإسم، وبمضمون الشكوى القضائية المقدمة من قبله، والإتهامات الموجهة لوزراء ومسؤولين في الشركة، والأشخاص الموجهة إليهم، فخرج المدعي والمتهمون من فلك الأشباح، وهذا ربما ما عرّض ويعرض «سهم منصور» لمحاولات تعطيله وتطويقه.