المجلس الدستوري يُبطل موادّ تُغذّي الخزينة بالإيرادات

خمسة طعون قدمها نواب الامة في قانون موازنة 2024 أمام المجلس الدستوري مطلع شباط الماضي (من كتلة الجمهورية القوية وكتلة الكتائب ونواب تغييريين ومستقلين). وبعد دراسة الطعون قرّر المجلس وقف مفعول المواد 40 و56 و83 و87 و94، وتراجع عن إبطال المواد41 و92 و95 (بعد تنبيه من المفكرة القانونية)، وأوصى بالإبطال الجزئي للمادة 7 بحذف عبارة «باستثناء البلديات من مطلعها»، والمادة 10 بإبطال الفقرة 2 من مطلعها، والمادة 69 بشطب عبارة «التي يتم استيرادها خلال 5 سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون» من الفقرة الاولى، وعبارة التي «يتم استيرادها منذ 1/1/ 2022»، والمادة 86 بحذف عبارة «لمدة تنتهي في 31 /12/2026»، والمادة 93 بحذف عبارة «تعتبر هذه الضريبة من الاعباء القابلة للتنزيل بالنسبة للمكلفين على أساس الربح الحقيقي». كما قرّر المجلس «تحصين عبارة «تحديد سعر الصرف الفعلي من قبل مصرف لبنان» الواردة في المواد 15 و18 و45 بالتحفظ التفسيري، وتفسيرها على أنها تشكل تكليفاً لمصرف لبنان بإفادة الادارة الضريبية بسعر الصرف الوسطي الفعلي المتداول به في السوق الحرة، فيتم الاستناد اليه من أجل احتساب الضريبة أو الرسم».

المفكرة

وكانت «المفكرة القانونية» قد أشارت في بيان لها عقب صدور قرار المجلس الدستوري الى أن «التدقيق في كامل القرار أظهر أن ثمة تناقضاً بين الحجج الواردة في متنه والحوصلة المعلن عنها في خاتمته. وقوام هذا التناقض أن حيثيات القرار تحدثت عن وجوب ردّ طلب إبطال المواد41 و92 و95 أو خلت من أي مناقشة لها، لتعود الفقرة الحكمية وتعلن إبطالها». وأملت من المجلس أن يعود ليصحح هذه الأخطاء المادية منعا للالتباس، بخاصة أن لبعضها «مفاعيل سلبية جداً على الموازنة العامة والعدالة الضريبية»، وهذا ما حصل لاحقاً بتراجعه عن إبطال المواد التي ذُكرت أعلاه.

حصيلة كل ما سبق أن المجلس الدستوري أبطل مواد في الموازنة ابطالاً كاملاً، وموادا أخرى أبطلها بشكل جزئي من خلال حذف بعض العبارات الواردة في بعض المواد، بالإضافة الى إعطاء المجلس تحفظاً تفسيرياً يُطبّق على بعض المواد. وهذا يعني أن هناك تراجعاً حصل في عدد المواد الضريبية التي تسمح بإدخال رسوم الى خزينة الدولة، ما يزيد علامات الاستفهام عن كيفية تأمين الحكومة بديلاً عن هذه الموارد، في ظل استمرار سياسية «التطنيش» التي تمارسها مع مجلس النواب، لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة ووضع خطة الانقاذ المالي والاقتصادي موضع التنفيذ، وفي ظل تراكم تداعيات حرب غزة والجنوب على الواقع المعيشي الهش أصلا.

تفصيل ما أقره «الدستوري»

في القراءة القانونية لقرار المجلس ومفاعيله على خزينة الدولة، تشرح المحامية الدكتورة جوديت التيني لـ»نداء الوطن» أن المواد التي طالها الابطال الكامل هي المادة 40 الخاصة بالزامية لصق طابع المختار، والمادة 56 التي تتعلق بإدارة وبيع أملاك الدولة الخاصة، والمادة 83 الخاصة بفرض رسوم على دخول الشاحنات الأجنبية الى لبنان، والمادة 87 الخاصة باجراء تسوية على التكاليف غير المسددة المتعلقة بضريبة الدخل وبالضريبة على القيمة المضافة المقدمة امام لجان الاعتراضات، والمادة 94 التي تُخضع المبالغ الناتجة عن سياسة الدعم التي اعتمدها مصرف لبنان لضريبة استثنائية».

تضيف: «تستوقفنا من بين المواد التي تم ابطالها بالكامل، المادة 94 التي تنص على «اخضاع المؤسسات والشركات التي استفادت من الدعم الذي أمّنه مصرف لبنان، لتغطية فروقات سعر صرف الدولار لضريبة استثنائية اضافية قدرها 10بالمئة على المبلغ الذي يفوق العشرة آلاف دولار، على ان تحدد دقائق تطبيق هذه المادة بقرار يصدر عن وزير المال»، معبرة عن أسفها «لإبطال هذه المادة، لكن المجلس الدستوري اعطى تبريراً واسباباً لموقفه هذا. وهي انّه تبيّن له بالعودة الى محضر مجلس النواب المتعلق بمناقشة هذه المادة، انه من غير المعروف ما هو النص الذي تمت تلاوته تحديداً على الهيئة العامة لمجلس النواب والتصديق عليه بالأكثرية، وانّ هذه المادة تتسم بالغموض لجهة الوعاء الضريبي تحديداً عبارة «المبلغ الذي يفوق العشرة آلاف دولار»، فهل هذه الضريبة ستُفرض على الأرباح المحققة ام على مجمل إيرادات الشركات الخاضعة لهذه الضريبة. واعتبر المجلس الدستوري انّ هكذا غموض سيترك هامشاً من الاستنسابية لوزير المال في مرحلة تطبيق النص، وهذا غير دستوري، ما استدعى ابطال المادة».

وتوضح أنه «في المواد التي تم ابطالها جزئياً، هناك المادة 7 حيث تم إبطال الاستثناء المعطى للبلديات واتحاد البلديات، وبالتالي باتت المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية وتعديلاتها والمادة 88 من الدستور تُطبّق على البلديات واتحاد البلديات بخصوص أصول إنفاق الهبات والقروض الخارجية. والمادة 10 حيث تم ابطال الفقرة الثانية منها التي تنص على تحميل من يخالف الاحكام المتعلقة بحظر إعطاء سلفات الخزينة بأمواله الخاصة لتسديد السلفات المعطاة خلافا للأصول، على ان يلاحق امام القضاء المختص، وهذه الفقرة هي أصلا غير دقيقة والنصوص موجودة ومعمول بها في قانون المحاسبة العمومية، اما المجلس الدستوري فاعتبرها من فرسان الموازنة لأنه يغلب عليها الطابع العقابي على الطابع المالي، ما استدعى ابطالها».

وتشير الى أن «المادة 69 و86 حيث تم حذف العبارات التي تعطي مهلاً تتعدى السنة احتراماً لمبدأ سنوية الموازنة، وتُعنى المادة 69 باستيراد السيارات الهجينة وتلك التي تعمل على الكهرباء والتي تطالها إعفاءات ضريبية تشجيعاً لكونها غير ملوثة للبيئة. وهذه الإعفاءات غير جديدة وكانت موجودة في قوانين الموازنات السابقة. اما المادة 86 فتتعلق بتخفيض كبير لمعدل الضريبة على أرباح التفرغ عن العقارات الى 1بالمئة فقط، وقد بقيت هذه المادة مع حذف للمهلة التي تتخطى مبدأ السنوية. مع أننا نسأل عن الجدوى من هذا التخفيض الكبير»، لافتة الى أن «المادة 93 حيث تم فيها حذف العبارة التي تنص على اعتبار «ضريبة صيرفة» من الأعباء القابلة للتنزيل بالنسبة للمكلفين على أساس الربح الحقيقي. تستوقفنا هذه المادة لأنها تنص على ضريبة بمقدار 17 بالمئة على الأرباح التي تفوق الـ 15 ألف دولار والتي حققها الأشخاص عبر منصة صيرفة، وقد ثبّت المجلس الدستوري هذه الضريبة. واصاب في اعتباره انّ هذه ضريبة استثنائية وليست غرامة استثنائية، سنداً الى الفقرة «د» من المادة الرابعة من قانون ضريبة الدخل والمبدأ العام في القانون الذي يُخضع أي دخل او ربح مهما كانت طبيعته للضريبة، الا إذا كان هنالك من استثناء او اعفاء منصوص عليه في القانون»، و تضيف «المهم انّ المجلس الدستوري اعتبر في قراره انّ هذه ضريبة استثنائية، فرضها المشرّع على أرباح جنيت من دون سبب وانه لا يجوز اعتبار هذه الأرباح غير المسندة الى أسباب قانونية سليمة من الأعباء القابلة للتنزيل».

ماذا عن تحفظ تفسيري أعطاه المجلس الدستوري حول عبارة «تحديد سعر الصرف الفعلي من قبل مصرف لبنان وعلى ماذا ينطبق؟

تجيب التيني: «في قانون موازنة العام 2024 عدة نصوص(15، 18 و45)، تنص على استيفاء الضرائب والرسوم والبدلات المتوجبة بالعملة الأجنبية، وفقاً لسعر الصرف الفعلي الذي يحدده مصرف لبنان. ولكن كي لا يُمنح البنك المركزي صلاحية مطلقة وغير مضبوطة، واحتراماً للمادتين 81 و82 من الدستور اللتين تجعلان الاختصاص الضريبي محفوظاً حصراً لمجلس النواب، حَرص المجلس الدستوري على إعطاء تحفظ تفسيري بخصوص عبارة «تحديد سعر الصرف الفعلي من قبل مصرف لبنان». ويفيد التفسير الذي أعطاه المجلس الدستوري انّ مصرف لبنان مكلف بإفادة الإدارة الضريبية، (مجرد افادة) بسعر الصرف الوسطي المتداول به في السوق الحرّة كي يتم الاستناد اليه في احتساب الضريبة والرسوم وسواها. وقد أصاب المجلس الدستوري في ذلك. وقانوناً فإنّ التحفظات التفسيرية التي يعطيها المجلس الدستوري هي ملزمة لكل السلطات العامة».

وتختم: «استند المجلس الدستوري بشكل كبير الى محاضر مجلس النواب في مناقشات الهيئة العامة، حول ما أدلى به الطاعنون من انتهاك لصدقية ووضوح المناقشات في الهيئة العامة وورود بعض المواد خلافاً لما قره المجلس النيابي، وانّ هذه المحاضر لا تُبيّن تغييراً ولا وجود فيها لاعتراضات على ما تم التصويت عليه. فضلاً عن انّ المجلس الدستوري اعتبر انّ الفوضى في إدارة الجلسة العامة لم تتناول القانون المطعون فيه برمته وردّ السبب لهذه الجهة. كما ردّ المجلس الدستوري الاسباب الكافية لإبطال القانون برمته، والتي تتعلق بعدم إقرار قطع الحساب وعدم دستورية الجلسة التشريعية لعدم جواز التشريع في ظل الشغور الرئاسي، وعدم التصويت على القانون بمجمله بالمناداة».

لا خوف على الإيرادات

على ضفة الحكومة يشير مستشار رئيس الحكومة سمير ضاهر لـ»نداء الوطن» الى أنه «لا يمكن تحديد تأثير قبول الطعن ببعض مواد الموازنة على إيرادات الخزينة بشكل دقيق. ولكن استناداً الى أرقام الموازنة 2023 ونتيجة رفع سعر صرف الدولار من 15 الف ليرة الى 89500 ليرة في رسوم الجمارك والضريبة على القيمة المضافة، هناك تحسن كبير في الايرادات»، لافتاً الى أن «أرقام جباية الرسوم وفقاً لمشروع قانون موازنة 2023 (التي لم تقر)، برهنت ان ليس هناك عجزاً بل حصل توازن بين ايرادات الدولة والمستحقات التي عليها دفعها، ونأمل أن يكون الامر على الحال نفسه في موازنة 2024، لأن الارقام تشير الى حصول تحسن في الايرادات ولكن يجب أن نأخذ بالاعتبار تأثير حرب غزة والجنوب على الاقتصاد، وهناك تراجع في الحركة السياحية قد يؤثر سلباً على الناتج المحلي». ويختم: «المجلس الدستوري لم يقبل الطعن في المواد المتعلقة بالضريبة على الارباح التي حققت من صيرفة والضريبة على الارباح المحققة من اموال الدعم، وهذا أمر جيد وله مردود إيجابي على الخزينة».

لا نعلم الشيء الكثير

من جهته يعتبر النائب ابراهيم منيمنة (احد النواب المشاركين في تقديم الطعون) لـ»نداء الوطن» أن «هناك مشكلة في تأمين مداخيل الدولة والمجلس الدستوري عطّل بعض المواد فيها، وعلى الحكومة ان تعوض عن هذه المواد في ايرادات اخرى»، جازماً بأن «كل ما حصل هو بسبب الطريقة غير الصحيحة التي تم وضع الموازنة فيها، علماً ان الحكومة وعدت اللبنانيين بوضع موازنة بصفر عجز وهذا مجرد وهم».

يضيف: «لا ارقام معينة لتراجع مداخيل الدولة نتيجة قبول الطعن بالمواد، لأننا اساساً لم نعرف على وجه الدقة كم تبلغ مداخيل الدولة. وخلال نقاش هذه المواد في المجلس النواب لم تعطنا الحكومة رقماً عن مداخيل هذه المواد الضريبية ولا نملك منها أي معطيات عن تراجع الايرادات نتيجة ابطال هذه المواد»، معتبرا أنه «لا خيارات امام الحكومة للتعويض عن هذه الايرادات بل هي امام حائط مسدود لأنها لا يمكنها فرض ضرائب جديدة، والمواطن اللبناني لم يعد يتحمل. وفي الوقت نفسه ليس هناك اصلاحات مالية تؤدي الى تكبير حجم الاقتصاد بسبب عدم وجود مصارف متعافية».

ويجزم بأن «كل البلد يعاني والتسويق لفكرة ان الموازنة هي خطوة الى الامام مجرد وهم كبير جداً، وسيتلاشى تدريجياً ويتظهر ان هذه المقاربات التي تقوم بها الحكومة هي مقاربات ترقيعية لا تقدم ولا تؤخر، بل العكس تخسرنا وقتاً ثميناً لمحاولة الاصلاح». ويختم: «بعد عدة شهور على الاكثر ستنكشف الحكومة وكذلك الوضع السيئ الذي ندور فيه».

مصدرنداء الوطن - باسمة عطوي
المادة السابقةسعر الصرف الثابت مُصطنع… ومصرف لبنان يستخدمه لشراء الوقت
المقالة القادمةمفاوضات صندوق النقد: لبنان في حالة موت سريريّ