ثلاث سنوات و9 أشهر مضت على انفجار مرفأ بيروت، من دون أن يتم تحريك ساكن لاطلاق ورشة اعمار حقيقية له، باستثناء ما تم في 13 آذار الماضي حيث أطلقت وزارة الأشغال العامة والنقل العرض الخاص لمخطط إعادة إعمار وتطوير مرفأ بيروت، الذي أعدته فرنسا وتكلفة المخطط المذكور تتراوح بين 50 و100 مليون دولار بالحد الأقصى. وأكد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي حينها بأن «ورشة النهوض بمرفأ بيروت من جديد وإعادة إعماره ونفض غبار الحرب عنه، تبقى أولوية وطنية واقتصادية، لكون هذا المرفأ هو الشريان الحيوي الأبرز على البحر الأبيض المتوسط وإلى العمق العربي». منذ ذلك التاريخ عاد ملف اعادة المرفأ الى سبات عميق، على غرار ما يحصل في كل الملفات الاصلاحية المطلوبة للخروج من الازمة، إذ يشترط صندوق النقد الدولي على لبنان تنفيذ إصلاحات قبل التعاون معه. ورغم ما تداولته وسائل الإعلام منذ وقوع الانفجار عن سباق العروض العالمية لإعادة الإعمار من الروس والصينيين والأتراك والفرنسيين والألمان، إلا أن الحكومة نفت هذا الأمر وتقول بأن ذلك لا يتخطى مجرد إعلان نوايا من هذه الجهات، خاصة في ظل وجود الكثير من العقبات.
قرار سياسي
يشرح مصدر مختص أن «إعادة الإعمار قرار سياسي، فالميناء موقع ضخم تبلغ مساحته مليوناً و300 ألف متر مربع على واجهة بيروت البحرية، وهذا جزء مهم قبل أن نصل إلى التفاصيل المعمارية وإنشاء المباني. أما إعادة تأهيل المرفأ فيتصل بجزأين: محطة الحاويات التي لم تتضرر، أما الجزء الثاني، وهو المشكلة، الذي يشمل الموقع الذي سقط فيه الضحايا، ويضم مبنى المرفأ وصوامع القمح».
ويلفت المصدر الى «وجود تناقض في الرؤى بشأن شكل إعادة الإعمار، فالبعض يرى أن البعد الاقتصادي هو البعد الوحيد في تأهيل المرفأ، لكن جمعيات المجتمع المدني وتلك المعنية بتنظيم المدن والنقابات، تملك وجهة نظر ثانية تقول إن المرفأ ليس فقط موقعاً اقتصادياً لعبور السلع».
٣ عوائق
من جهته يشرح الامين العام لحركة «مواطنون ومواطنات في دولة» الوزير السابق شربل نحاس لـ»نداء الوطن» أن «هناك 3 عوائق تحول دون الانطلاق في اعادة المرفأ، الاول هي الانفجار الذي حصل والبعد الانساني للضحايا الذين سقطوا بالاضافة الى ايجاد بديل عن الاهراءات لتخزين القمح، والثاني هي الشهية المفتوحة للمنظومة السياسية واتباعها بتقليص المساحات التي يشملها، لأنه نظراً للاستخدام المتزايد للمستوعبات، صار تخزين البضائع يتم عمودياً مما يقلل من الحاجة الى مساحات واسعة للتخزين وبات فيها فائض غير مستعمل، وهناك شهية من المنظومة السياسية للحصول على أجزاء من أراضي المرفأ لتحويلها الى مشاريع عقارية».
يضيف: «العائق الثالث هو تغير وظيفة مرفأ بيروت، فبعد أن كان مرفأ المنطقة كلها، أي سوريا والعراق والاردن، فان البضائع الى هذه البلدان لم تعد تأتي من أوروبا الا بكمية محدودة، بل باتت تستورد بكميات أكبر من الصين وشرق آسيا الى مرافئ الامارات العربية المتحدة ومنها الى بلدان المنطقة، بالاضافة الى أن الاوضاع المتردية سياسياً وأمنياً في كل من سوريا والعراق تساهم أيضاً في تقليص حركة مرفأ بيروت على مستوى المنطقة».
ويختم: «يمكن اختصار العوامل التي تساهم في عدم انطلاق اعمار مرفأ بيروت بضمور موقعه الاقليمي واضطراب الاقليم ككل و»الشهية العقارية للأوادم» للاستيلاء على مساحات منه والبعد الانساني للانفجار، كل هذه العوامل متداخلة ببعضها البعض وتؤخر عملية اعادة الاعمار، وما تم الى الآن هو تلزيم الادارة لشركة CMA-CGM فقط».
غياب الرؤية
يشير الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فريدة لـ»نداء الوطن» أن «مسار التحقيقات في الانفجار لم ينته بعد. والى جانب الاسباب السياسية والتحاصص، هناك غياب للرؤية وللاستثمارات الكبيرة التي تحتاج اليها اعادة الاعمار. فمن غير الواضح اذا كان سيعاد اعمار المرفأ ليدار بالطريقة نفسها التي كانت قبل الانفجار، أي من دون هيئة ناظمة أو رؤية جديدة على صعيد الادارة والحوكمة، وفتح مساحات منه كساحات عامة»، لافتاً الى أن «هناك اسئلة كثيرة لم تتم الاجابة عليها كما هو الحال في ملفات كثيرة في البلد، اي غياب المقاربات الجدية والعلمية لتحسين المرافق العامة. من جهة أخرى كانت هناك محاولات من CMA لتولي اعادة اعمار جزء من المرفأ، وكان وزير الاشغال علي حمية يحاول البدء باعادة الاعمار ذاتياً من عائدات المرفأ، وهذا أمر صعب التحقيق. التالي، فان غياب الاتفاق على كيفية المحاصصة على «كعكة المرفأ» هو العائق وهذا هو اسلوب المنظومة في العمل». يجزم فريدة بأنه «يجب أن تكون هناك رؤية لدور المرفأ في المستقبل وكيف سيخدم المدينة (بالاضافة الى انهاء المسار القانوني). هذه المواضيع يمكن للحكومة ووزارة الاشغال فتح النقاش فيها لتكون بداية لجذب استثمارات، وحين يتم وضع هذه الرؤية وتأسيس الهيئة الناظمة لادارة المرفأ وتكريس مبدأ الحوكمة في ادارته، بدلاً من ادارته من لجنة معينة من السياسيين وتحويله الى مزراب للفساد، كل هذه الخطوات ستشجع المستثمرين الاجانب على تقديم عروض جدية لاعادة الاعمار». ويختم: «في الوضع القائم اشك ان يحصل أي تقدم ليس فقط في ما يتعلق بالمرفأ بل بكل ملفات البلد».
تجدر الاشارة الى أنه سبق للوزير حمية أن صرح بأن «إعادة النهوض بمرفأ بيروت لا بد أن تمر بمحطات ثلاث؛ التفعيل والإصلاح وإعادة الإعمار»، مؤكداً أن «المحطة الثالثة هي درة التاج في استكمال مسار النهوض بهذا المرفق الحيوي، حيث قاربنا هذه المحطة من خلال السير بين خطوط وطنية بامتياز تراعي دور المرفأ ونظرتنا الحالية والمستقبلية إليه، وتحاكي تاريخه وموقعه وجواره على حد سواء، فلم نكن لنقبل مطلقاً بأي مخططات تُخرج المرفأ من دوره وتاريخه وموقعه. ولم نكن لنرضى مطلقاً بأي مشاريع وتصورات لمخططات تجعل من المرفأ فاقداً لهويته التي هو عليها، أو أن تجعله متمدداً إلى خارج نطاقه الجغرافي نحو ممتلكات جيرانه، بل إن ما أردناه فعلاً أن يكون هذا المخطط مراعياً لكل ذلك، وعاملاً على خدمة الصالح العام على صعيدي الدولة والناس معاً».