منذ سنوات، يعاني اللبنانيون من أزمة كبيرة على مستوى الدواء والإستشفاء، نتيجة الإنهيارين المالي والإقتصادي الذي بدأ في العام 2019، لا سيما مع تراجع قيمة التقديمات لصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، من دون الذهاب إلى بحث جدّي حول ما يمكن القيام به لإعادة إحياء هذه المؤسسة.
في الأسبوع الماضي، وافق مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي على الدراسة المقدّمة من اللجنة الفنّية في الصندوق، لإعادة تغطية الدواء كما كانت عليه قبل الأزمة، أي 80% من كلفة معظم الأدوية، و95% لنسبة محدودة من الأدوية، بعد جلسة عرضت فيها مختلف السيناريوهات التي وضعت من قبل اللجنة الفنّية، قبل أن تتمّ الموافقة على ما يعرف بالسيناريو الرابع.
في تلك الجلسة، قرّر المجلس إحالة القرار إلى المدير العام للصندوق محمد كركي، بغية إتخاذ كل التدابير والإجراءات التنفيذيّة لتطبيق الدراسة، في حين تكشف مصادر مطلعة، عبر “النشرة”، عن دراسة أخرى يجري العمل عليها بالنسبة للإستشفاء، من المفترض أن يعلن عنها عند الإنتهاء منها، لكن ما هي تفاصيل السيناريو الرابع من الدراسة، الذي تم إقراره من قبل مجلس إدارة الصندوق؟.
خلال الفترة الممتدّة من العام 2013 إلى العام 2018، قدم الصندوق مساهمة كبيرة في فاتورة الدواء خارج المستشفى، حيث بلغ متوسطها السنوي حوالي 300 مليار ليرة (200 مليون دولار)، لشراء متوسط سنوي يقدر بـ12.9 مليون وحدة دواء، بمتوسط سنوي 524888 ليرة لكل مضمون. أما خلال الفترة من العام 2019 إلى العام 2023، بلغ متوسط المساهمة السنوية حوالي 175 مليار ليرة (50 مليون دولارا)، لشراء متوسط سنوي يقدر بـ5.4 مليون وحدة دواء، بمتوسط سنوي 300 ألف ليرة لبنانية (86 دولارا) لكل مضمون.
أما بالنسبة إلى أسباب هذا الإنخفاض في المساهمة، فهي تعود بشكل أساسي إلى تقلّص نسبة التغطية الفعلية للدواء، إلى جانب تراكم المعاملات غير المصفاة وغير المدفوعة. فمساهمة الصندوق بالدولار بدأت بالتراجع فعلياً إعتباراً من العام 2020 لتصل إلى دولار أميركي واحد لكل مضمون في العام 2023 بدلاً من 16 دولاراً في العام 2019، ما دفع بالمضمونين إلى عدم تقديم معاملاتهم، بسبب تخطّي تكلفة تقديم المعاملة قيمة المساهمة المتوقّعة.
في هذا السياق، تفيد المصادر بأنّ السيناريو الرابع الذي أقرّ يجمع بين سيناريوهين، الثاني والثالث، أي بين إعتماد أقل سعر دواء في كل تركيبة علميّة، وتعديل مساهمة الصندوق، وتخفيض نسبة تغطية أدوية العلاج الحادّ إلى 50% مرحلياً، وتشير إلى أن هذا السيناريو من المقدّر أن يؤمّن وفراً بقيمة 2.6 ألف مليار ليرة (29.2 مليون دولار). وتوضح أن الدراسة كانت قد قدرت إشتراكات فرع ضمان المرض والأمومة سنوياً بحوالي 21.5 ألف مليار ليرة (240 مليون دولار)، وبعد اقتطاع المصاريف الإدارية وهامش الأمان بنسبة 10%، قدّر إجمالي الاشتراكات بحوالي 19.3 مليار ليرة (216 مليون دولار).
أما بالنسبة إلى الواردات المقدّرة سنوياً من الإشتراكات، تعتمد الدراسة متوسط اجر شهري للأجير هو 30 مليون ليرة (335 دولار)، أي مرة ونصف الحدّ الأدنى للأجور، وبالتالي يكون الاشتراك السنوي لكل مضمون 35.4 مليون ليرة (395 دولار)، أما إجمالي الاشتراكات (بعد إقتطاع المصاريف الإدارية وهامش الأمان 10%)، فيكون 19.3 ألف مليار ليرة (216 مليون دولار)، على أساس أنّ عدد المضمونين هو 606893.
وتكشف الدراسة أنّ بيانات الصندوق التاريخيّة تشير إلى أنّ حصة الفاتورة الدوائيّة (خارج المستشفى) تمثّل حوالي 40% من إجمالي نفقات فرع الضمان والأمومة، أيّ أنّ عامل تمويل الفاتورة الدوائية في الصندوق يساوي 2.5%، وتؤكد أن السيناريو الرابع، أي الذي تم إقراره، قابل للتطبيق حالاً، حتى بعد رفع الدعم كلياً من قبل وزارة الصحة العامة.
في تفاصيل ما تم إقراره، تشرح المصادر المطلعة أن التسعير، بحسب السيناريو الرابع، يجب أن يكون على أساس التركيبة الدوائيّة الأرخص، على أن يتمّ إعتماد جميع الأدوية المرخّصة من قبل وزارة الصحة العامة، حيث تشير إلى أنّ هذا الأمر يساهم في تحقيق العدالة الإجتماعيّة بين المضمونين، وتوضح أنه في الماضي كان يغطّي الصندوق نسبة واحدة من سعر الدواء الذي يكون من التركيبة نفسها بغض النظر عن سعره، أي أنه يغطي النسبة نفسها سواء كان سعر الدواء الذي من التركيبة نفسها 100 دولار أو 10 دولار، وتذكّر في هذا المجال بما كان يحصل بين الشركات وبعض الأطباء، لناحية الإتّفاق على التسويق لأدوية معينة.
من وجهة نظر هذه المصادر، إعتماد السيناريو الرابع سيفتح باب المنافسة بين شركات الأدوية نزولاً، أي أن تلك الشركات ستعمد إلى تخفيض أسعارها، لكنها توضح أنّ هذا لا يعني وجود أدوية ستكون مفروضة، بل تلفت إلى أن المقصود قبول كل دواء، لكن التسعير أو التغطية ستتم على أساس سعر التركيبة الأرخص، وتضيف: “هذا الأمر يساهم في إعادة تغطية الدواء كما كانت عليه، مع ترشيد ومحاربة الفساد في هذا الحقل”.
في المحصّلة، هو قرار واعد على صعيد عودة الضمان الإجتماعي لتغطية الدواء، كما كانت عليه قبل الأزمة، يصب في صالح جميع المضمونين، إلا أنّ السؤال يبقى حول موعد التنفيذ الفعلي لهذا القرار، بعد إحالته إلى المدير العام للصندوق، بغية إتخاذ كل التدابير والإجراءات التنفيذية؟!.