اجتمعـت لجنة الإعلام والإتصالات النيابية أمس مجدداً حول مائدة الإتصالات، بما تضمّه من أطباق دسمة، شكّلت مضمون أسئلة كثيرة واستفسارات وتوضيحات طالبت بها اللجنة على مدى أشهر، من دون أن تتلقى أو يتلقى كل من نواب اللجنة الذين طرحوا الأسئلة، أجوبة شافية عليها.
هذا الأمر دفع برئيس اللجنة إبرهيم الموسوي إلى مخاطبة الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ووزارة الإتصالات في كتب ذكّرت بالملفات العالقة على طاولة البحث حول ملفات البريد، المحفظة الإلكترونية، ستارلينك، OTT، الكابل البحري للإنترنت، بالإضافة إلى أسئلة واستفسارات عديدة قدمت من قبل النواب عن مبنى «تاتش»، وشركة «أكواتيف» التي أثير ملفها إثر تعرض لبنان لاعتداءات على أمنه السيبراني، إلى طلب النائب نقولا صحناوي عرضاً مفصلاً لإستراتيجية الكابلات البحرية. جمعت هذه المسائل في ملف واحد، مع ما تمّ تلقيه من إجابات، ليوضع بين ايدي أعضاء اللجنة، قبل التداعي إلى طاولة بحث لبلورة الموقف الموحد، ذكر أنها ستعيد إحياء ملفات التلزيمات المطروحة وتلك المتأخرة، حتى بلوغها النتائج المطلوبة.
لم توجه الدعوة إلى وزير الإتصالات جوني القرم لحضور الإجتماع، ومع ذلك كانت «ملائكته» الحاضر الأبرز، ولا سيما في تقييم الإجابات التي قدمها على بعض الأسئلة، والتي اعتبر مقرر اللجنة النائب ياسين ياسين أنها مرفوضة بالشكل والمضمون، مؤكداً أنه يعبر بكلامه عن أغلبية آراء أعضاء اللجنة.
في الشكل
تمّ التوقف عند مخالفة وزارة الإتصالات للأصول في تقديم الإجابات على الأسئلة ضمن المهل المحددة التي يحددها النظام. هذا بالإضافة إلى ما ظهر من تخطّ لأصول المخاطبة عبر المؤسسات لدى الإجابة على بعض الأسئلة. وذكر منها على سبيل المثال، إخراج الوزير جوني القرم جوابه لياسين عن خدمة «الستارلينك» من جيبه ليعطيه إياه مباشرة، بدلاً من توجيهه عبر الأمانة العامة لمجلس النواب، فيما الإجابة على سؤال وجه عن تلزيم الـOTT تمت عبر رئيس لجنة الإتصالات، وتبين أنه جواب تلقاه الوزير نفسه من هيئة اوجيرو. وإذا كانت الإجابة على سؤال حول خدمة المحفظة الإلكترونية تمت عبر القنوات الرسمية، تبيّن بالمقابل أنّ الجواب هو مطالعة لشركة «ألفا»، التي تبدو كمن يحدد استراتيجة وزارة الإتصالات بالنسبة لتقديم هذه الخدمة.
في المضمون
عملياً شكّلت إعادة طرح خدمة الرسائل النصية عبر التطبيقات (A2P) للتلزيم مجدداً، بعد تحويل السؤال الذي وجّه إلى إخبار لدى ديوان المحاسبة، نموذجاً للقوة الرقابية التي تملكها اللجنة، وخصوصاً متى تكامل عمل مجلس النواب الرقابي مع عمل الهيئات الرقابية المتمثلة بهيئة الشراء العام وديوان المحاسبة، ومع الدور الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام. هذا الأمر جرى التأكيد عليه خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده ياسين بالإشتراك مع النائبين ملحم خلف وفراس حمدان.
وبعدما نشرت شركة «تاتش» عبر منصة هيئة الشراء العام في 14 أيار الماضي، إعلاناً عن توجهها لتلزيم خدمة الـ A2P، أكد ياسين الإستمرار بمتابعة هذا الملف إلى أن ينتج عنه ما يؤمن مصلحة الخزينة العامة، معرباً في تصريح لـ»نداء الوطن» عن توجس من إستنساخ تجربة البريد في إتمام الصفقة، إنطلاقاً مما أظهرته قراءة خبيرة لملف التلزيم، من خلط بين شروط التأهيل والشروط المالية، الأمر الذي قد يشكل في حال عدم تصحيحه سبباً لإحجام الشركات العالمية عن التقدم لهذه المزايدة.
وبانتظار مجريات عملية التلزيم التي يفترض إتمامها في شهر حزيران المقبل، لا تزال أربعة ملفات عالقة حتى الآن عند حدود الإجابات التي قدمها وزير الإتصالات على الأسئلة النيابية. وسط مراوحة تبقي الحال على ما هي عليه، ولا سيما بالنسبة لتلزيم قطاع الخدمات البريدية.
تلزيم البريد
تحوّلت تفاصيل صفقة تلزيم البريد إلى قضية رأي عام، إثر ثلاث محاولات فاشلة، إنتهت إلى الإنتصار للهيئات الرقابية في مجلس الوزراء، الذي طالب وزير الإتصالات جوني القرم بإطلاق مزايدة رابعة، وتعديل جداول الأسعار الواقعية لشركة بريد لبنان «ليبانبوست» إلى حين إتمام هذا التلزيم. وعلى رغم مرور أكثر من نصف عام حتى الآن على قرار مجلس الوزراء، فإنّ التلزيم وفقاً لأوساط اللجنة لا يزال عالقاً عند المربع الأول، أي وضع الدراسات المالية العلمية للسوق، والتي يقرنها وزير الإتصالات بضعف التمويل. وهذا ما اعتبر بأنه يتسبب بضرر للمصلحة العامة ولخزينة الدولة.
المحفظة الإلكترونية
لا تقل خدمة المحفظة الإلكترونية التي طرحت السؤال حولها النائب بولا يعقوبيان ووقّعه أيضاً النواب إبراهيم منيمنة، ياسين ياسين، ونجاة صليبا، عن أهمية ملف تلزيم البريد. ويكتسب هذا الملف أهميته من كون الخدمة باتت عنصراً أساسياً في التداولات المالية غير النقدية وفقاً للأوساط المتابعة، إلا أنه بمقابل الخطوات المتقدمة التي حققتها شركات تحويل الأموال في هذه الخدمة، يظهر إصرار لدى فريق وزارة الإتصالات وشركتي الإتصالات لتلزيم الخدمة إلى شركات تحويل للأموال أيضاً، خلافاً للرأي الأساسي لهيئة الشراء العام التي أوصت بتقديم الخدمة مباشرة عبر شركتي الإتصالات، وتبنى توصيتها عدد من النواب. هذا الأمر ظهر في المطالعة التي قدمتها شركة «ألفا» حول الملف، والتي اعتبرها الوزير القرم بمثابة إجابة نهائية على السؤال، فيما أكدت يعقوبيان لـ»نداء الوطن» أن النقاش لن يتوقف عند هذه الإجابة. مع الإشارة إلى أنّ يعقوبيان تغيبت عن إجتماع اللجنة بداعي السفر.
الإنترنت البديل
وإذا كان لبحث الملفات في لجنة الإتصالات تتمة، فإنه سيتطرق بعمق أيضاً إلى السؤال الذي طرحه النائب سعيد الأسمر حول سبب عدم البت حتى الآن بتشريع الإنترنت البديل عبر الاقمار الاصطناعية، والذي ضمّنه استفساراً عن المعوقات المطلوب تذليلها على صعيد الشروط الإدارية والأمنية، «لضمان عدم فصل لبنان عن العالم إلكترونياً، وإعطاء التطمينات للشركات لعدم البحث عن البدائل خارج لبنان لضمان استمرار عملها».
هذا مع العلم أنّ هذا الملف جمّد سابقاً إلى حين الإستحصال على الموافقات الأمنية، في وقت وضعت وزارة الإتصالات طلبها موافقة الحكومة على تشغيل مجموعة من التجهيزات التي حصلت عليها كهبة لتأمين خدمة الإنترنت عبر «ستارلينك»، في إطار تجريبي، بعدما أدرجتها من ضمن خطة لمواجهة تداعيات الحرب الواقعة في الجنوب على قطاع الإتصالات. وإعتبرت الوزارة في جواب على سؤال تقدم به النائب ياسين عن الخدمة أيضاً «أنه لو وافق مجلس الوزراء على خطة الطوارئ الموضوعة، لكنّا اليوم نناقش الخطة النهائية بناء للمرحلة التجريبية التي خضعت لها».
ملف آخر شكل طبقاً أساسياً على طاولة لجنة الإتصالات، وينتظر النواب كما المعنيون المباشرون به قرار ديوان المحاسبة حوله، وهو ملف تقديم خدمة الـOTT عبر منصة تابعة لهيئة أوجيرو. وكشف ياسين في هذا الإطار أن الملف تحوّل إلى إخبار لدى ديوان المحاسبة منذ شهرين، إلا أن الأخير لم يصدر قراره حتى الآن. ولذلك «طلب من رئيس الغرفة الثانية في الديوان أن يكون منحازاً للقانون والصالح العام كما عوّدنا، ولا يتأخر بإصدار التقرير، حتى يبنى على الشيء مقتضاه».
هذه الملفات وغيرها رأى ياسين في المؤتمر الصحافي أنه كان الأسهل التعاطي معها لو أن وزير الإتصالات تناغم عملياً مع دعواته المتكررة لتفعيل القوانين، ليبدأ أولاً بتفعيل الهيئة الناظمة للقطاع، التي هي موجودة ولديها بنيتها الإدارية، ويمكن أن تسهّل مهام الوزير في ما يتعلق بتطبيق قوانين الترخيص، والمراقبة، والمنافسة وغيرها. هذا بالإضافة إلى ما هو مطلوب على صعيد تنظيم العلاقة بين الوزارة وشركات الخليوي، والعمل على إرساء قواعد وقوانين جديدة تسمح بوضع نظام حوكمة سليمة ورشيدة لقطاع الاتصالات.