بسردٍ للظروف الصعبة التي تمرّ بها المنطقة بفعل العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني وعلى قطاع غزّة، افتتح وزير الطاقة وليد فيّاض مؤتمره الصحافي المخصّص لشرح بعض تفاصيل دخول شركتيّ توتال وقطر للطاقة إلى مشروع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، عن طريق بناء معمل ينتج 100 ميغاواط.
والظروف الأمنية تتكامل مع الظروف السياسية الداخلية لتزيد الضغوط، إذ أن “الفراغ في كرسيّ الرئاسة الأولى وفي الإدارات والمؤسسات الرسمية، يصعِّب علينا القيام بمهام التشريعات والقرارات والتعيينات والتمويل”، وفق ما أكّده فيّاض الذي اعتبر أن “هناك فراغاً كبيراً على مستوى القطاع المالي، إذ لم يجد أصحاب النفوذ أيّ حل منذ 5 سنوات إلى اليوم”، وذلك بفعل وقوع لبنان تحت “حصار مالي محلّي ودولي يحجب عنّا الاستثمارات”. وبرأيه، فإن تحالف شركتيّ توتال وقطر للطاقة، وعبر نيّتهما الاستثمار في مشروع إنتاج الطاقة، كسرتا ذلك الحصار. لكن هل ينجح ذلك وحده في إيصال المشروع إلى خواتيمه والبدء بإنتاج الطاقة؟.
تحضير الأرضية السياسية والقانونية
دخلت دولة قطر إلى قطاع الطاقة في لبنان من باب التنقيب عن الغاز، ضمن تحالف يضمّ شركتيّ توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، بعد خروج شركة نوفاتك الروسية من التحالف. لكن وجود قطر في لبنان من بوابة الاستثمار ليس مستغرباً، سيّما “في هذه الظروف. إذ تبقى قطر وفيّة للبنان وشعبه”، على حدّ تعبير فيّاض. ومن هنا يضع فيّاض رغبة قطر بالاستثمار في مجال الطاقة “مساهَمة بفكّ الحصار على الاستثمار في لبنان. ولذلك، نحن مدينون لها ولشركة توتال لوقوفهما مع لبنان”.
متابعة التحضيرات المتعلّقة بدخول توتال وقطر للطاقة إلى ملفّ بناء معمل إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، يبيِّن أن الأرضية السياسية جاهزة. أما الأرضية القانونية، فيتمّ تحضيرها تباعاً. فبدل طرح تراخيص جديدة وفتح مناقصة رسمية، تفاوض شركة توتال لشراء رخصة من إحدى الشركات الـ11 التي تملك الترخيص مسبقاً. لأن السير بتراخيص جديدة “يحتاج إلى تشريع من مجلس النواب”، على ما يؤكّده فيّاض لـ”المدن”، ولذلك كان الخيار هو شراء التراخيص الموجودة حالياً.
لكن التراخيص الحالية محصورة بإنتاج 15 ميغاواط لكل رخصة، ومعمل توتال وقطر للطاقة سينتج 100 ميغاواط، وبالتالي يتعيَّن توسيع السعة وهو ما قد يتمّ من خلال “قرار تنفيذي عبر الحكومة”. ويتفاءل فيّاض حيال إنجاز المشروع، ويدعو إلى إيجاد الحلول للنقاط الأساسية الثلاث التي يقوم عليها المشروع، وهي “مسألة إعطاء حقّ الإنتاج، ومسألة بيع الطاقة ومسألة سعر المبيع. وهذه النقاط تحتاج لمخرج تشريعي وتنفيذي”.
بالتوازي مع البحث عن المخارج القانونية، يلفت فيّاض النظر إلى أهمية “إيجاد أرض مناسبة لبناء المعمل، والمطلوب أرض بمساحة نحو 1 مليون متر مربّع، وربما أكثر إذا كان هناك احتمال لتوسيع المعمل”.
العقبات التقنية والمالية صعبة
يمكن للحكومة ووزارة الطاقة إنجاز المسائل القانونية بسرعة، إذا توفر التوافق السياسي على دخول توتال وقطر للطاقة إلى القطاع. لكن الترحيب السياسي والنوايا الإيجابية التي تحملها قطر تجاه لبنان، وكذلك رغبة توتال في الاستثمار في قطاع الطاقة اللبناني، يبقيان على الضفة النقيضة من واقع مؤسسة كهرباء لبنان على الصعيدين المالي والتقني تحديداً. فإذا أرادت قطر وتوتال إنتاج الكهرباء، كيف ستُوَزَّع عبر الشبكات المتهالكة للمؤسسة؟ وإذا قَبِلَت الشركتان بإعطاء لبنان تسهيلات تتعلّق بالضمانات المالية المطلوبة، فمَن يضمن ارتفاع نسبة الجباية وانتظامها لتأمين ثمن الكهرباء المنتَجة من المعمل المنتظر؟ علماً أن مدّة العقد مع تحالف الشركتين سيكون 25 سنة، وهي مدة زمنية طويلة لا يضمن فيها لبنان استقراره وانتظام العمل في إداراته ومؤسساته الرسمية، وهو ما نشهده منذ 5 سنوات.
هذه التحديات والعقبات “ليست مزحة”، وفق ما تقول مصادر متابعة للملف في حديث لـ”المدن”. وتنطلق المصادر من واقع مؤسسة كهرباء لبنان وواقع الدولة عموماً لتؤكّد أنه من الضروري أن تعالج مؤسسة كهرباء لبنان العوائق التقنية لمواكبة إنتاج 100 ميغاواط، فعملية ربط هذه الكمية من الطاقة ليست كعملية ربط 15 ميغاوطا على الشبكة وتوزيعها على المحطات، وقد لا تستوعب الشبكة والمحطات بوضعها الحالي، هذه الكمية.
وترفع المصادر منسوب الاهتمام بالعقبة المالية، إذ أن “الشركات الـ11 التي فازت بالتراخيص، كانت تطلب ضمانات مالية لأكثر من 6 أشهر. وفي ظل المعطيات الحالية في لبنان والمنطقة، من الطبيعي أن تطلب توتال وقطر للطاقة ضمانات مالية لأكثر من 6 أشهر”. لكن فيّاض أوضحَ أنه سيصار إلى إيجاد صيغة يتمّ خلالها تجهيز مبلغ معيّن من حساب مؤسسة الكهرباء في مصرف لبنان، يغطّي المهلة الزمنية للضمانة، وفق ما تحدّده الشركتان.
إلاّ أن المصادر تقفز فوق المهل الزمنية وضمان توفير الأموال في المصرف المركزي، لتقف عند عقبة تحصيل المؤسسة لكلفة الطاقة التي ستبيعها للمواطنين. فمن المعروف أن جباية فواتير الكهرباء المنتجة من المعامل الحالية، لا تزال متأخّرة، ولذلك “حتى لو تمّ إنجاز كافة الجوانب المتعلّقة بالمشروع، وبدأت مرحلة الإنتاج، فهل تضمن المؤسسة تحصيل جباية كافية لسد كلفة الطاقة التي ستشتريها من المعمل الجديد؟”. تستبعد المصادر ذلك. ولهذا “يجب دراسة المشروع وعوائقه بشكل معمّق”. وترجّح المصادر أن “تطول مهلة تنفيذ المشروع لأن توتال وقطر للطاقة ستدرسان المعطيات. ولن ينتقل الطرفان إلى المرحلة الإجرائية قبل التأكّد من ضمان استثماراتهما التي لن تكون قليلة، خصوصاً وأن عليهما الاستثمار في الأرض التي سيبنى عليها المعمل، سواء بشرائها أو استئجارها، إلاّ إن أرادت الدولة تقديم الأرض، فهذا بحث آخر، لكنّه يزيد العبء المالي على الدولة، وهي غير مستعدة لهذا العبء في الوقت الحالي”.
هذا المشروع “يساهم في حلّ مشكلة الكهرباء“، وفق فيّاض. لكن عقباته كثيرة وقد تمتد تأثيراتها إلى مرحلة “قد لا يبصر بها المشروع النور”، تقول المصادر.