للأسبوع الثالث على التوالي، واظبت سندات اليوروبوندز اللبنانيّة على تسجيل القفزات المتتالية في أسعارها، لتناهز قيمة السند السوقيّة بحلول نهاية هذا الأسبوع حدود الـ7 سنت للدولار، أي 7% من قيمة السند الأسميّة التي كان يُفترض تسديدها عند الاستحقاق.
وبهذا الشكل يكون سعر السند قد سجّل زيادة بقيمة 0.15 سنت خلال الأسبوع الأخير، بعدما اقتصر سعره على 6.85 سنت للدولار في نهاية الأسبوع السابق. وفي النتيجة عكس سعر سند الحالي ارتفاعًا كبيرًا بنسبة 23%، مقارنة بسعره في بداية العام الحالي، والذي لم يتجاوز عتبة 5.7 سنت للدولار (أو 5.7% من قيمة السند الإسميّة).
ارتفاعات لا تعكس أي تطوّر اقتصادي إيجابي
يصعب العثور على أي تطوّر اقتصادي إيجابي شهدته الأسواق خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، لتبرير هذه الارتفاعات في قيمة السند. بل وخلال هذا الفترة بالتحديد، شهد لبنان زيارة بعثة صندوق النقد الدولي، التي أفضت إلى خلاصة مفادها أنّ لبنان مازال بعيدًا عن تحقيق المطلوب لدخول برنامج الصندوق، الذي يفترض أن يتوازى مع مفاوضات إعادة هيكلة الدين العام. مع الإشارة إلى أنّ الدخول في هذه المفاوضات بشكل جدّي يقتضي أن تُمسك الدولة اللبنانيّة باتفاق نهائي مع الصندوق، ليكون الاتفاق ضمانة أو شهادة ثقة دوليّة بالخطّة الماليّة التي ستسير عليها البلاد خلال السنوات المقبلة.
عمليًا، تشير بعض المصادر المتابعة لحركة بيع وشراء السندات في السوق إلى أن حجم التداولات الأخيرة يمكن أن يلامس الثلاثة مليارات دولار، خلال الأسبوعين الماضيين، وهذا ما توازي قيمته 9% من إجمالي قيمة السندات المتداولة في الأسواق. وتشير المصادر إلى أنّ أكثر من ثلثي هذه القيمة جرى بيعها خلال الأسبوع الماضي، بينما تم تداول الثلث الآخر خلال هذا الأسبوع. وهذه الحقيقة لا تنفي إمكانيّة وجود تداولات إضافيّة جرت بعيدًا عن الأضواء.
وفي جميع الحالات، يبقى من المهم الإشارة إلى أنّ هذه القيمة تمثّل القيمة الإسميّة للسندات، أي قيمة السداد المفترضة عند الاستحقاق. أمّا القيمة السوقيّة لهذه السندات -أي ثمن الشراء الحالي- فقد لا تتخطّى 210 مليون دولار أميركي، وفقًا لأسعار السوق الحاليّة، المتأثرة بموازين العرض والطلب.
وفي الوقت الراهن، باتت العوامل المؤثرة في حجم التداولات ومستوى العرض والطلب مرتبطة بالأسواق الدوليّة إلى حد بعيد، بعدما بات حجم حيازات المصارف اللبنانيّة من سندات اليوروبوندز ضئيل وهامشي، وبما لا يتخطّى حدود 2.19 مليار دولار.
تقرير و”تفاؤل” غب الطلب
إحدى مؤسسات الخدمات الماليّة والاستثماريّة الدوليّة المرموقة، لفتت الأنظار الشهر الماضي بتقرير يشير إلى أنّ “بعض المؤشّرات الاقتصاديّة في لبنان تُظهر بعض علامات الاستقرار”. وذهبت المؤسسة إلى المبالغة في الحديث عن أثر تحسّن أرقام ميزان المدفوعات، رغم علم معظم المتابعين بأن الأرقام التي يفصح عنها مصرف لبنان حاليًا –بخصوص ميزان المدفوعات بالذات- تفتقر للشفافيّة والدقّة، وبأن هذه الأرقام تعكس أثر بعض الإجراءات المحاسبيّة الدفتريّة فقط، من دون أن تعبّر عن حجم التبادلات الماليّة بين لبنان والخارج. ببساطة، كانت نبرة التقرير المتفائلة بعيدة عن الواقع إلى حد بعيد، وهذا ما يفترض أن يعرفه أي اقتصادي متابع لتفاصيل الشأن اللبناني.
ما لا يعرفه كثيرون، هو أن هذه المؤسّسة بالذات كانت إحدى الأطراف المساهمة في شراء نسبة من سندات اليوروبوندز اللبنانيّة المتداولة في السوق، وبقيمة تُقدّر بمئات ملايين الدولارات. وبهذا المعنى، كان لهذه المؤسسة مصلحة مباشرة في تسويق تقارير اقتصاديّة تعكس تطوّرات إيجابيّة في السوق، للمساهمة في تحسين أسعار السندات، أو خلق ظروف تعطي البائعين قوّة تفاوضيّة أعلى عند تحديد السعر. بذلك، ما قامت به هذه المؤسسة الاستثماريّة العالميّة لم يكن سوى “تفاؤل غب الطلب”، أو تفاؤل مدفوع بمصالح استثماريّة لا أكثر.
عوامل زيادة الأسعار
ثمّة العديد من العوامل التي تفسّر استمرار زيادة الأسعار حتّى نهاية الأسبوع الراهن. وأولى هذه العوامل تتمثّل في اقتراب انتهاء المهلة الممنوحة للدائنين لتقديم المطالبات القانونيّة بقيمة الفوائد المستحقّة لمصلحة، والمُحددة في شهر آذار المقبل، أي بعد خمس سنوات من تعليق دفع السندات.
وهذا ما دفع بعض الأطراف للتخلّي عن حيازاتها من السندات، إما لتفادي الكشف عن هويتها أو تجنّب الدخول في مطالبة قانونيّة في وجه الدولة اللبنانيّة. وفي مقابل هذا الاتجاه، كان هناك مجموعة من الصناديق الاستثماريّة الراغبة بزيادة حيازاتها من سندات اليوربوند، باعتبار أن السعر المتداول اليوم منخفض قياسًا بما يمكن تحصيله من عمليّة إعادة الهيكلة.
تفسّر هذه العوامل الزيادة الكبيرة في حجم التداولات، التي حصلت خلال الأسبوعين الماضيين. أمّا ارتفاع قيمة السند، فيرتبط بإعادة تقييمه وفقًا لميزان العرض والطلب و”قيمة الاسترداد” المتوقّعة، بعدما شهدت أسعار السندات انخفاضًا مبالغ فيه في الربع الأخير من العام الماضي، بعد اندلاع الحرب في الجنوب اللبناني.
وفي المقابل، ساهمت في زيادة الأسعار –طوال الأسابيع الثلاثة الماضية- الأنباء التي تم تسريبها عن اتجاه الحكومة لشراء نسبة من السندات المتداولة في السوق، بسعر يفترض أن يتجاوز بهامش محدود سعر التداول الحالي. ورغم أن الحكومة اللبنانيّة لم تفصح هذه اللحظة عن تفاصيل هذه الخطّة، أو كيفيّة تنفيذها، ساهمت هذه التسريبات في تحسين سعر السند، على اعتبار أن هناك معالجات جديدة يتم العمل عليها، بعد الجمود الذي طغى على الملف على مدى السنوات الأربع الماضية.
أخيرًا، يبقى من الواضح أن كل ما يجري اليوم لا يتجاوز حدود المراوحة خلال الوقت الضائع. إذ أن المحطّة المقبلة الأهم والأكثر تأثيرًا، التي يفترض ترقّبها وانتظار تداعياتها، ستكون انتهاء مهلة تلقي المطالبات القانونيّة بالفوائد. كما سيتأثر هذا الملف حتمًا بإمكانيّة نجاح الحكومة في شراء نسبة من السندات المتداولة في السوق، وفقًا للخطط التي جرى الحديث عنها مؤخراً، والتي لم يتبيّن بعد مدى جديّتها أو نضوجها.