في 4 حزيران الحالي، أصدرت وزارة المالية القرار647/1 لتحديد دقائق تطبيق المادة 93 من القانون رقم 324 تاريخ 12/2/2024، أي قانون الموازنة العامة للعام 2024. وتضمن 10 مواد شرحت فيها آلية احتساب الضريبة الاستثنائية التي يجب أن تفرض على المكلفين الذين استفادوا من عمليات منصة صيرفة بدءاً من العام 2021.
وفصلت هذه الآلية كيفية تكليف الشخص الطبيعي او المعنوي الذي تتناوله المادة 93، بعد جمع قيمة كافة العمليات التي نفذها ذلك الشخص على منصة صيرفة، استناداً إلى التعميم رقم 161 تاريخ 16/12/2021 الصادر عن مصرف لبنان خلال سنة 2021، والعمليات التي نفذها خلال سنتي 2022 و 2023. ويعتبر مشمولاً بهذه الضريبة كل شخص تجاوز مجموع قيمة مشترياته من الدولارات الأميركية على سعر المنصة الإلكترونية (صيرفة) خلال تلك السنوات، مبلغ 15000 دولار أميركي.
في حين أن المادة الثالثة من القرار تلزم المصارف التجارية العاملة في لبنان ومؤسسات الصيرفة، التي تم تنفيذ عمليات وفقاً للتعميم رقم 161/2021 من خلالها، أن تزود الإدارة الضريبية الكترونياً بالمعلومات عن عمليات الصيرفة التي تمت لدى كل منها ضمن مهلة شهر من تاریخ نشر هذا القرار، على أن تشمل المعلومات الإسم الثلاثي للشخص الطبيعي ورقمه الضريبي في حال وجوده وعنوانه، اسم الشخص المعنوي ورقمه الضريبي عدد العمليات التي قام بها، قيمة كل عملية وتاريخ تنفيذها. أما باقي المواد فتصب في تفصيل كيفية تحديد الربح للشخص الطبيعي أو المعنوي، وغرامة التأخر في تقديم التصريح المنصوص عليها في المادة 109 المعدلة من قانون الإجراءات الضريبية، وكذلك غرامة التأخر في التسديد المنصوص عليها في المادة 55 المعدلة من قانون الإجراءات الضريبية. أما المادة الثامنة فتستثني من هذه الضريبة الإستثنائية الإضافية الفروقات المرتبطة بالرواتب والأجور التي نتجت عن عمليات شراء الدولارات وفقاً للتعميم 161/2021، وكذلك تستثنى منها الفروقات التي حققها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون، غير الخاضعين للضريبة على الأرباح ما عدا شركات الهولدنغ والأوف شور.
بدأت بمزايدات
يشرح الأستاذ المُحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، الدكتور كريم ضاهر لـ «نداء الوطن» ماهية هذا القرار بسلبياته وايجابياته، على جري عادته، كونه من اصحاب الاختصاص في تفصيل الاجراءات الضريبية ومعرفة الثغرات التي تعتريها، فيقول: «خلال مناقشة موازنة 2024 حصل جدل كبير حول مادتين، وسجلت مزايدات حول ضرورة فرض ضرائب على الذين استفادوا من منصة صيرفة واموال الدعم. ودخلت هاتان المادتان في قانون الموازنة وأقرّت، لكن تمّ الطعن فيهما امام المجلس الدستوري لاحقا لاسباب متعددة، وصادق المجلس الدستوري على المادة 93 المتعلقة بفرض ضرائب على المستفيدين من منصة صيرفة. ولكن حذف منها امكانية تنزيلها من الارباح، معتبراً أنها ناتجة عن ربح غير شرعي ولا يمكنها ان تتساوى مع باقي المصاريف».
ضريبة استثنائية
أضاف: «أبقى المجلس الدستوري على مبدأ فرض ضريبة استثنائية على الذين استفادوا من منصة صيرفة، وبهذه الخطوة ثبّت مبدأ مهم جداً وهو نفسه المبدأ الذي اعتمدت عليه شخصياً، حين طالبت بفرض ضريبة على القروض التي سددت على سعر 1500 ليرة للدولار، وذلك وفقاً للمادة الرابعة من الفقرة «د» من قانون ضريبة الدخل، اي اذا لم يكن هذا الايراد خاضعاً لضريبة أخرى على الدخل، يتوجب عليه حكما ضريبة ومن المفروض ان تسدد».
يوضح ضاهر أن «الفرق بين نظريته ونظرية المجلس الدستوري، هو أنه يعتبر أن هذه الضريبة من المفروض أن تكون مترتبة على السنة المذكورة. ويمكن لوزارة المال، وضمن مهلة مرور الزمن أن تستدرك حقها من ضمن العمليات والارباح المحققة والمدفوع عليها ضريبة، بمعنى أنه اذا كان هناك مكلفون حققوا ارباحاً ودفعوا الضرائب المتوجبه عليهم فلا مشكلة، أما من لم يصرح عن ارباحه فيمكن لوزارة المال ان تدقق في اعماله وفرض ضريبة عليه»، مشيراً الى أن «نظرية المجلس الدستوري تعتبرها ( الضريبة الاستثنائية) ضريبة تضاف الى الضريبة التي يدفعها المكلف في سياق أعماله، أي انها تكلف وتجبى بصورة منفصلة عن الارباح السنوية التي تم التصريح عنها ودفع الضريبة عنها بموجب نماذج جديدة مرفقة بالقرار وتسدد ضمن مهلة شهرين».
توسيع قاعدة المكلفين
يرى ضاهر أنه «في القرار 647 /1 هناك موضوعان مهمان جداً كونهما يساعدان على توسيع قاعدة المكلفين، لأنه من خلال هذا الاجراء، فان وزارة المالية لن تستحصل على ضرائب فقط، بل ستتمكن ايضاً من التدقيق ودرس دفاتر مكلفين يخالفون القوانين ويتهربون ضريبياً. وبهذه الطريقة في حال قامت وزارة المالية بالتدقيق في اعمالهم، يمكنها فرض ضريبة»، آملاً «ان تكون ضمن القوانين والاصول وليس من ضمن عمليات الفساد والتجاوزات التي تبعد المكلف عن الدولة بدل تقريبه، أي استعمال هذه المادة لتحفيز الفساد بدلا من وضع حد للفساد ومحاربة التهرب الضريبي «.
ويشير الى أن «القرار 647 /1 يطلب من المصارف والمؤسسات الصيرفية تحويل كل المعلومات التي يملكونها حول عمليات صيرفة الكترونياً وحصلت عبر مؤسساتهم وهذا امر مهم، لأنها سترفد المالية بمعلومات عن اشخاص استفادوا من صيرفة ومنهم غير مسجل في وزارة المالية، مما سيسمح للوزارة بتتبع أثر اشخاص كثر لم يصرحوا للمالية. ويمكنها بذلك اخضاعهم للضريبة وشملهم بالقاعدة الضريبية. وهذا امر مهم لتوسيع القاعدة ومحاربة الاقتصاد الخفي او غير الشرعي».
في المقابل يسأل ضاهر: «اذا لم تلتزم المصارف والمؤسسات المالية بارسال هذه المعلومات لوزارة المالية كيف يمكنها التأكد من ذلك؟»، موضحاً أن «هناك قانون 306 /2022 الذي عدّل قانون السرية المصرفية، وتحديدا المادة 23 من قانون الاجراءات الضريبية، ونصّ على انه حتى تتمكن وزارة المالية من طلب المعلومات من المصارف، يجب ان يصدر مرسوم بمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية، وهذا التعديل صدر في شهر 11 /2022 اي مر نحو سنتين على صدوره ولم يصدر المرسوم لتطبيقه بعد. وهذا يعني أن المالية لا يمكنها ان تفرض على المصارف والمؤسسات المالية، اعطاءها اي معلومات كون هذه الاخيرة لا تزال محمية بالسرية المصرفية».
ويعتبر أنه «كي لا يكون هذا القرار تدبيراً لا فائدة منه، يجب على وزارة المالية استصدار هذا المرسوم الذي يسمح لها بطلب المعلومات تلقائياً ولذلك هذا الامر يجب ان يتبعه موجب ثانٍ»، جازماً أن هذا القرار «بات يسمح ايضاً بتطبيقه على القروض المسددة بأقل من قيمتها وبالنسبة للمستفيدين من الدعم. اذ أن هناك مشروع قانون اقره مجلس الوزراء وارسله الى وزارة المالية وستجيب عليه لارساله الى مجلس النواب وهو متعلق بالقروض التي سددت على 1500. وهناك اقتراح قانون ستتقدم به كتلة نيابية يتعلق بفرض ضرائب على المستفيدين من سياسة الدعم ليكون التكليف نفسه الذي الزم به المستفيدين من صيرفة».
يؤكد ضاهر أن «الهدف من هذا الايراد الضريبي الاستثناني، الذي يحدد في هذه القوانين هو تخصيصه لرد اموال للمودعين، وليس لخزينة الدولة. لان اموال الدعم وصيرفة هي في الاساس اموال الاحتياطي في المصرف المركزي، ومن تأثر سلباً بعمليات الدعم واعادة القروض بأقل من قيمتها وبعمليات صيرفة هم المودعون اي اموال الاحتياطي، وبالتالي الهدف من هذه الضرائب جميعها هو ان يستصدر المشرّع قانوناً لتخصيص الحصيلة لصندوق اعادة تسديد الودائع في مصرف لبنان». تجاوز حد السلطة
في المقابل يشير ضاهر الى أن هناك مادتين في القرار، حصل فيهما تجاوز حد السلطة من قبل وزارة المالية، مما يعرض هذا القرار للابطال اذا تم الاعتراض عليه ضمن مهلة شهرين وفقاً للمادة 105 من نظام مجلس شورى الدولة. وهما المادة الثانية لأن المادة 93 من قانون الموازنة تنص «على انه تخضع الارباح التي حققها المكلف نتيجة العمليات التي نفذها على منصة صيرفة، استناداً الى تعميم مصرف لبنان القاضي بهذا الشأن والتي تفوق مبلغ 15 الف دولار اميركي. اي ان الارباح التي تخطت 15 الف دولار وليس حجم او قيمة العمليات التي تجاوزت 15 الف دولار»، معتبرا أن «الوزارة تجاوزت في هذه المادة وفسّرت النص بصورة توسعية، وبما يخالف نية المشرّع. ولذلك ليس من المفروض ان يكون رقم الاعمال 15 الف دولار بل الارباح 15 الف دولار. وفي المادة الثامنة من القرار تستثني من الاجراء والضريبة الرواتب والاجور، ولكن هذا الامر لم يتحدث عنه المشرّع في المادة 93، ولذلك لا يمكن لوزارة المالية من تلقاء نفسها أن تقول انها استثنت الرواتب والاجور وهذا مخالف للمواد 81 و 82 من الدستور اللبناني».
ثم يشرح ذلك بالتفصيل فيقول: «نسبة للمادة الثانية: اعتماد رقم الأعمال بدل معيار الأرباح لإحتساب الـ15,000 د.أ، وبالنسبة للمادة الثامنة: إستثناء الرواتب والأجور من الضريبة الإستثنائية. من غير الجائز تخطي الإدارة حدود صلاحياتها وقيامها بتفسير النصوص القانونية المرعية الإجراء بصورة إستنسابية وتوسعية (interpretation extensive) وبشكل مخالف لنية المشترع، بحيث تكون الإدارة قد شرّعت ونظمت تدابير قانونية دون وجه حق؛ الأمر الذي يشكل، إضافة إلى خرق قواعد الصلاحية، مخالفة واضحة للقانون؛ وهذا ما من شأنه المساس بالأوضاع المالية والمادية للشركة المستدعية، مما يجعل منها أعمالاً وقرارات قابلة للطعن بالإبطال لتجاوز حد السلطة في ما لو مسّت بأوضاع المكلفين القانونية والمادية».موازاة الصيغ والأصول
يضيف: «أن الإدارة الضريبية تكون قد شرّعت، في الحالة المعروضة أعلاه، أصول ومبادئ قانونية، خلافاً لمبدأ موازاة الصيغ والأصول المتعارف عليه والمكرس قانوناً (Parallélisme des formes et des competences)، ناهيك عن مخالفة المادتين 81 و82 من الدستور اللبناني، كون القانون لم يولِ الإدارة سلطة التصرف بالتكليف الضريبي أو بالإعفاء أم عدمه بل أناط الأمر بالمشترع وفي حالات معينة محصورة جداً بالسلطة التنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء مجتمعاً؛ وبالتالي تكون النتيجة فرض تدابير ضريبية جزافاً من شأنها أن تؤدي، بالإستناد إلى تفسير إداري مجازي وإعتباري وكيفي وغير شرعي وغير دستوري يقتضي الرجوع عنه، لتجاوزه حد ّ إستعمال السلطة».
ويتابع: «وبما أن عدم الإختصاص الموضوعي يكون، كما هي الحال راهناً، بقيام مرجع إداري بعمل يخرج موضوعه عن دائرة إختصاصه وهو قد يتم باعتداء سلطة إدارية دنيا على اختصاص سلطة إدارية عليا؛ مما يجعل الأعمال والإجراءات الصادرة عن وزارة المالية وفقاً لما جرى توصيفه، أعمالاً وإجراءات صادرة عن مرجع إداري غير ذي صلاحية وبالتالي مخالفة لقواعد الإختصاص الموضوعي ولمبدأ التدرج الهرمي للقواعد القانونية (Hiérarchie des Normes) على حد سواء؛ مما يقتضي القول بعدم شرعيتها و استخلاص النتائج بالنسبة للتعديل والتكليف المعترض عليهما ككل. وقد كثرت قرارات مجلس شورى الدولة لهذه الجهة والتي أبطلت تدابير مماثلة نذكر منها على سبيل البيان لا الحصر (شورى رقم 634/2009-2010 ورقم 635/2009-2010 تاريخ 29/6/2010 ورقم 593/2010-2011 تاريخ 12/4/2011؛ وشورى رقم 383/2012-2013 تاريخ 18/3/2013 ورقم 387/2012-2013 تاريخ 20/3/2013 ورقم 389/2012-2013 تاريخ 21/3/ 2013».