منذ عام 2019 تشهد لجنة الرقابة على المصارف على ارتكابات المصارف وتجاوزاتها واستغلالها للمودعين وعموم العملاء، من دون أن تحرّك ساكناً. ومن ملف الدولار الطلابي وتعنّت المصارف مروراً بعمليات تهريب الأموال إلى الخارج وسداد كبار المقترضين قروضهم بملايين الدولارات على سعر صرف 1500 ليرة، ووصولاً إلى المستفيدين من أموال الصيرفة ومليارات الدعم وغير ذلك.. تشهد لجنة الرقابة على المصارف على كل تلك الملفات ومنها ما أعدّت تقاريراً بها وبأسماء المرتكبين لكنها لم تتحرّك، ولم تقم بأي إجراء يصيب في خانة الرقابة التي تشكّل صلب مهامها.
فمن هي لجنة الرقابة على المصارف، ولماذا تلعب دور المتفرّج على كل المخالفات المصارف؟
اللجنة “المتواطئة”!
منذ أكثر من 4 سنوات من الأزمة المصرفية، وبالرغم من تعسّف المصارف بحق المودعين بشتى الطرق لم تتحرّك لجنة الرقابة على المصارف، ولم تُقدم على أي خطوة باتجاه ضبط ممارسات المصارف أو محاسبتها. شهدت اللجنة التي تكلّف خزينة الدولة مئات آلاف الدولارات سنوياً على رواتب أعضائها، ولا تزال شاهدة على عملية تذويب الودائع وعلى سنوات من تهريب الأموال إلى الخارج والتصرف بها بشكل استنسابي، ولم تمارس دورها الرقابي على المصارف. حتى أنها لم تتحرك باتجاه القضاء أو حتى باتجاه الأجهزة الرقابية الأخرى كهيئة التحقيق الخاصة، على الرغم من هزالة دورها ومصادرته من قبل السلطة السياسية.
وكلّما واجه أحدهم رئيس لجنة الرقابة على المصارف مايا دباغ بأسباب تهاون اللجنة مع ارتكابات المصارف وتخاذلها بتحصيل حقوق المودعين، أتى الجواب بحسب ما نُقل عن دبّاغ أكثر من مرة بـ”أن لا علاقة لها بقضية المصارف واحتجازهم الودائع والموضوع عند حاكم مصرف لبنان”.
تتنصّل رئيسة اللجنة مايا دبّاغ من المسؤولية المناطة بها بموجب القانون والمتمثلة بـ”حسن تطبيق النظام المصرفي والتدقيق الدوري في جميع المصارف الخاصة ورفع توصيات محاسبتها”. بالنتيجة ما الذي يمكن أن ينتظره المودع من لجنة يتم تعيين أعضائها بالتنسيق والتعاون بين السلطة السياسية وجمعية المصارف.
فآلية تعيين رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف تتم وفقاً للحصص السياسية لكل فريق في السلطة، وعلى أساس طائفي. وأكثر من ذلك تملك جميعة المصارف الحق بتعيين عضو في اللجنة، لكنها في واقع الحال تقوم بتعيين أعضاء في كافة الهيئات الرقابية التابعة لمصرف لبنان من لجنة الرقابة على المصارف إلى هيئة التحقيق الخاصة والهيئة المصرفية العليا.
وليس هذا فحسب، فرئيسة لجنة الرقابة على المصارف التي لم تلتفت إلى معاناة المودعين منذ بداية تعيينها عام 2020، ولم تتعرّض لمصرف واحد بالمخالفات المُرتكبة، هي أيضاً عضو في المجلس المركزي لمصرف لبنان، وعضو في هيئة التحقيق الخاصة. وهي الهيئة المعنية بالتحقيق في عمليات وشبهات تبييض الأموال.
لا شيء يبرّر صمت لجنة الرقابة على المصارف وتغاضيها عن مخالفات وجرائم المصارف، لكن لا بد من الإشارة إلى أن هيكلية اللجنة تساهم بشكل أو بآخر بتقييد عملها وقراراتها وتعزّز ارتهان أعضائها. إذ لا تتمتع اللجنة باستقلالية مالية عن مصرف لبنان، ولا باستقلالية عن السلطة السياسية، وهو ما يعزّز علاقة المصالح بين لجنة الرقابة والمصارف والسياسيين الذين تعاونوا على طمر الحقائق على مدى أكثر من 4 سنوات من عمر الأزمة.
رئيسة لجنة وأعضاء مرتهنون
وكيف لا تكون لجنة الرقابة على المصارف برئيستها وأعضائها متلازمين مع قرارات السلطة السياسية والمصارف، وهم يدورون في فلك الأحزاب السياسية والمصارف. فمايا دباغ كانت قبل تعيينها على رأس لجنة الرقابة، عضو مجلس إدارة غير تنفيذية في بنك البحر المتوسط Bank Med منذ أيلول 2017، وقد سمّاها التيار الوطني الحر. إذ أنها تدور في المحيط الضيق لرئيس التيار جبران باسيل.
وانطلاقاً من موقعها، نجحت بالإفلات من القضاء حين تم ربط اسمها بجرائم عدة متعلّقة بالمسؤولين المباشرين عن انهيار القطاع المصرفي، نتيجة التقصير بالرقابة على المصارف والتواطؤ على حساب حقوق المودعين. كما تمنّعت دبّاغ عن التعاون وتقديم معلومات حين تم استدعائها في إطار التحقيقات بملف تبييض أموال وجرائم أخرى.
وما كانت دبّاغ لتتمتع بالحماية على الرغم من سكوتها عن جرائم المصارف ووقوفها موقف المتفرّج، لو لم تكن شريكة المصارف ومن ورائها السلطة السياسية بشكل أو بآخر.
وليس مسؤولية أعضاء لجنة الرقابة على المصارف بأقل من مسؤولية دبّاغ، فهؤلاء أيضاً يساهمون بحماية المصارف من خلال تهاونهم بتنفيذ صلاحياتهم على الرغم من أنها ليست صلاحيات مطلقة.
فالأعضاء أيضاً تم تعيينهم كما كافة الأجهزة الرقابية بناء على تقاسم الحصص بين الأفرقاء السياسيين وليس لكفاءتهم في مجال النقد أو المال. ومن بين الأعضاء الأربعة عادل دريق مدير أحد فروع ببنك سوريا ولبنان، وهو متخصّص في إدارة الأعمال. تم اختياره من قبل تيار المردة، ومروان مخايل (تقدم باستقالته بعد تعيينه بعدة أشهر) شغل منصب كبير الاقتصاديين ورئيس قسم البحوث في مصرف Blominvest وتم تعيينه بناء عل دعم من التيار الوطني الحر. كما كان مطروحاً من قبل جمعية المصارف نفسها. وبذلك يكون لجمعية المصارف حصة وازنة بلجنة الرقابة على المصارف تتمثل برئيستها وعضوين اثنين.
أما العضوان الآخران وهما جوزيف حداد وكامل وزنة، فلم يتم تعيينهما لكونهما استاذين جامعيين، إنما لكون الأول محسوب على التيار الوطني الحر، أما الثاني فعلى الثنائي الشيعي تحديداً حركة أمل وقد شغل كمحلل اقتصادي معتمد في قناة NBN.
ولا تقتصر حال التعطيل للجنة الرقابة على المصارف على تواطؤ وارتهان رئيستها وأعضائها، إنما أيضاً على صلاحياتها غير الواسعة. فالقانون الذي أنشأ اللجنة حصر مهمتها بالحسابات الدائنة وليس المدينة. ما يعني أنها تستطيع الاطلاع على حسابات المقترضين فقط وليس حسابات المودعين. كما أن مصرف لبنان هو من يمول كل نفقاتها ويسدد رواتب أعضائها، ما يجعل قراراتها مرهونة برضا الحاكم. أيضاً من هنا نرى لجنة الرقابة على المصارف مساهماً أساسياً بالتعتيم على كل ما يجري في القطاع المصرفي، وهي التي تمتنع عن نشر أي تقرير تماشياً مع ما يقتضيه مبدأ الشفافية والنزاهة.