تشير الإحصاءات الجمركية المتعلقة بصادرات لبنان، إلى أن غالبية قيم الصادرات اللبنانية تعود إلى سلع غير مُنتجة، أو بمعنى أدقّ سلع لا ينتج منها قيم مضافة كبيرة. إذ إن أكبر عشرة أنواع من السلع التي يُصدّرها لبنان، هناك فقط أربعة أنواع فيها أعمال إنتاج ذات قيمة مضافة مرتفعة، أو يمكن تسميتها بإنتاج حقيقي، وهي تُمثّل نحو 27% فقط من قيمة صادرات أكبر 10 سلع والتي تبلغ قيمتها 1.244 مليار دولار وفقاً للإحصاءات الجمركية لعام 2023.أكبر ثلاث أنواع من السلع المُصدّرة التي لا تتضمّن أي نوع من عمليات الإنتاج، وإذا تضمّنت فهو إنتاج فيه قيمة مضافة صغيرة جداً، ويبلغ حجم التصدير من هذه السلع الثلاثة نحو 800 مليون دولار، هي:
1) الذهب (بما في ذلك الذهب المطلي بالبلاتين)، بأشكال خامية أو نصف مشغولة، أو بشكل مسحوق.
2) ماس، وإن كان مشغولاً، ولكن غير مركب ولا مفصّص (مركب ضمن قفص أو إطار مثلاً).
3) خردة وفضلات، من حديد صب أو حديد أو صلب؛ سبائك من خردة ناتجة من إعادة صهر الحديد أو الصلب.
في المقابل السلع الأربع المُصدّرة التي تضم نسبة من الإنتاج والقيمة المضافة، فهي:
1) حلى و مجوهرات وأجزاؤها، من معادن ثمينة أو من معادن عادية مكسوة أو ملبسة بقشرة من معادن ثمينة. وهذه سلع تحتاج إلى تحويل وتصنيع وتحتاج أعمالاً فيها قيمة مضافة ولو قليلة.
2) مجموعات توليد الكهرباء. وهي سلع تحتاج إلى عمل تحويلي في تجميع القطاع المستوردة وينتج منها قيمة مضافة.
3) صلصات محضرة ومحضرات للصلصات؛ توابل مركبة؛ دقيق خردل وخردل محضر. وهو نوع من السلع يقوم على تحويل مواد أوّلية إلى هذا المنتج النهائي وفيه قيمة مضافة أيضاً.
تُمثّل السلع الإنتاجية نحو 27% فقط من قيمة صادرات أكبر 10 سلع مُصدّرة التي تبلغ قيمتها نحو 1.244 مليار دولار
4) أثاث. وهو أكثر السلع التي ينتج من تصنيعها قيمة مُضافة، لأنه يبدأ من المنتج الخام ويحتاج إلى التصنيع والتحويل ليصبح منتجاً نهائياً يُصدّر إلى الخارج.
بما أن لبنان ليس منتجاً لأي مواد خام، مثل النفط والغاز والمعادن، هذه الأرقام والوقائع تعني أن التصدير، بجزئه الأكبر، يعتمد على استيراد السلع (سواء أكانت سلعاً خام أم نهائية) وإعادة تصديرها. وهذا مؤشّر على أن جزءاً كبيراً من العملات الصعبة التي تُستخدم للاستيراد غير الاستهلاكي، لا تُستثمر بشكل يُنتج مردوداً كبيراً. فهناك فرق، بين أن يستورد البلد حديداً «خام» ويحوّله إلى منتج نهائي ويبيعه للخارج بسعر أكبر يشمل القيمة المضافة التي أسهم بها الإنتاج الذي حصل محلياً، من قيمة العمل والماكينات التي أسهمت في الإنتاج، وبين أن يستورد البلد سبائك ذهب خام، لا يُستخدم بأي عمل إنتاجي، بل يُعاد تصديره كما هو، أو بعد إضافات تحويلية بسيطة نسبياً، وبالتالي يجلب قيمة مضافة قليلة. بالطبع، الحالة الأولى هي التي تخدم الاقتصاد بشكل أكبر، لأنه من جهة فيها عائد أكبر للاقتصاد، ومن جهة أخرى فيها تغذية للدورة الاقتصادية المحلية إذ تنتج منها أجور للعمّال يعود جزء منها إلى السوق عبر الاستهلاك وما إلى ذلك.
ليس المقصود هنا تبسيط الأمور، فمن الواضح أن كل من لديه مؤسسة أو شركة يقوم بما هو متاح له من أجل تحقيق الأرباح، ولا شيء يحدّه عن فعل ذلك. هذا الأمر هو نتيجة النظام الاقتصادي اللبناني «الحرّ»، وهو كان أصلاً نظاماً يدفع نحو الهروب من الإنتاج. لكن الإضاءة على هذا الأمر مهمة لقراءة المشهد الاقتصادي العام في البلد، ولمعرفة أن ما يتم تصديره ليس فيه استفادة قصوى من الموارد المستخدمة. وهذا النقاش لا يُلقي اللوم على المؤسسات والشركات التي تقوم بتصدير ما هو مذكور سابقاً، بل يحث السلطة السياسية بما يمثّلها من سلطات تشريعية ومالية ونقدية، على الأخذ في الحسبان كيف يمكن إعادة توزيع الموارد بما يُتيح الاستفادة الأكبر للاقتصاد الوطني، وبالتالي تحسين وضع الإنتاج في البلد.
أيضاً، تجب الإشارة إلى أن أهمية الصادرات أنها تعيد تحويل نسبة من الأموال بالعملات الأجنبية التي يستهلكها لبنان بكثرة، إلى الداخل، وبالتالي إن مساهمتها في تعزيز الحساب الجاري وميزان المدفوعات تعد ثمينة. فاقتصاد لبنان الذي ينتج القليل القليل، يعتمد على تدفقات العملة الأجنبية من الخارج الآتية بطرق مختلفة أهمها تحويلات المغتربين والمساعدات الأممية والاستثمارات المباشرة. فإذا أتيح للبنان أن يزيد قدراتها الإنتاجية والتصديرية، فإن الصادرات سيكون لها مساهمة أكبر في هذه التدفقات، وإذا حصل ذلك، فإن عجز الميزان التجاري سينخفض، وسينعكس ذلك على صافي حاجات لبنان بالعملة الأجنبية، كما أنه سيكون محفّزاً أكبر للدورة الاقتصادية التي تخلق فرص العمل المحلية، وعلى حركة الاستهلاك التي يفترض أن تستبدل الإنتاج المستورد بالإنتاج المحلّي.