قد تكون غريبة على القارئ عبارة «لبنان يُصدّر معدناً خام». فمن المعروف أن الأرض اللبنانية لا تختزن ثروة معدنية. إلا أن الواقع يقول إن لبنان مُصدّر فعلي للرصاص الخام، وهو يُعد أحد أكبر صادراته. يحتلّ تصدير الرصاص الخام، المركز الثامن بين الصادرات لجهة القيمة، إذ بلغ حجم تصديره نحو 50.5 مليون دولار في 2023، وقد صدّر لبنان نحو 22.5 ألف طن من هذه المادّة.
بطبيعة الحال، لا يُنتج لبنان الرصاص الخام المستخرج من الأرض، لذا فما يُصدّره البلد هو عبارة عن كميات تنتج من عمليات إعادة التدوير. بشكل عام هناك مصادر إعادة تدوير عدّة قد ينتج منها هذا المعدن، منها خردة المعادن حيث يمكن الاستحصال على الرصاص الخام من الأنابيب المصنوعة من الرصاص، أو من أغلفة الكابلات الكهربائية ومنتجات صناعية أخرى تحتوي على الرصاص. كما يمكن الحصول على الرصاص عبر إعادة تدوير بعض الكهربائيات مثل التلفزيونات وشاشات الكمبيوتر القديمة، التي يحتوي زجاجها على الرصاص. ولكن المورد الأهم في حالة لبنان هو إعادة تدوير بطاريات الأسيد التي تعتمد على الرصاص، التي تُستخدم بشكل كبير في السيارات وفي أنظمة الطاقة الاحتياطية. هذه البطاريات تحتوي على نسبة عالية من الرصاص، ولذلك ينتج من إعادة تدويرها كميات كبيرة من هذا المعدن.
يُلاحظ بشكل كبير أن صادرات لبنان من الرصاص الخام ارتفعت فجأة في سنة 2019. وحافظت على مستوى مستقرّ في السنوات التي تلت. بعد الأزمة، اتجه الكثير من اللبنانيين إلى البحث عن أعمال يمكن أن تُسهم في درّ إيرادات بالعملات الأجنبية، وأحد هذه الأعمال هو إعادة التدوير والاستفادة من المواد الموجودة في المنتجات المرمية. ومن أهم هذه الأمور هي البطاريات، التي استغلها اللبنانيون لاستخراج الرصاص الخام منها. وما زاد من وتيرة هذا الأمر هو الانهيار في قطاع الطاقة الرسمي، حيث انخفضت التغذية من نحو 12 ساعة يومياً قبل الأزمة إلى نحو 4 ساعات حالياً، لذلك لجأت الكثير من الأسر للاعتماد على أنظمة الطاقة البديلة، خصوصاً أنظمة الطاقة الشمسية، التي يأتي ضمنها نظام بطاريات لحفظ الطاقة واستخدامها في الأوقات التي لا يُمكن الاستفادة فيها من الطاقة الشمسية. هذا الأمر زاد عدد البطاريات المُستهلكة في البلد، وبالتالي جعل سوق إعادة تدوير البطاريات أكبر، ما انعكس على ارتفاع حجم الرصاص الخام المُصدّر إلى الخارج. ففي سنة 2018 بلغ حجم صادرات الرصاص الخام نحو 10.5 ملايين دولار، وقد ارتفع هذا الرقم إلى نحو 50 مليون دولار في 2019، وبقي مستقراً على هذه الحال حتى سنة 2023. تبلغ نسبة الارتفاع في تصدير الرصاص الخام بين سنة 2018 و2023 نحو 385%، وقد أصبحت هذه السلعة أساسية بين الصادرات اللبنانية.