عند الحرب: تحرير “الشراء العام” من الرقابة المسبقة

تثير الليونة المطلوبة في تأمين الإنفاق بزمن الحرب بما يتلاءم مع توفير متطلبات الإغاثة، ورفع الأنقاض، وإنقاذ أرواح المواطنين وتأمين العلاجات اللازمة لهم، المخاوف من استغلال ظروف “الطوارئ”، للعودة بعقارب الساعة الى الوراء، فيما يتعلق بتطبيق معايير الرقابة المسبقة المحددة ضمن قانون الشراء العام.

وقد برزت هذه المخاوف تحديداً إثر جلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي ناقشت خطط الطوارئ الموضوعة من قبل كل من الوزارات المعنية، بالتزامن مع ما أثاره وزيرا الصحة فراس الأبيض والأشغال العامة علي حمية، من حاجة لتحرير النفقات التي يحتاجانها في وزارتيهما اللتين تحتكان مباشرة مع تداعيات الحرب. وهذا ما استدعى غوصاً في تفاصيل قانون الشراء العام خلال الجلسة، وصولاً لتظهير مادته السادسة والأربعين، بما تتيحه من إنفاق رضائي معلّل، رأت الحكومة فيه مخرجاً قد يحتاج الى مزيد من التنسيق مع هيئة الشراء العام لتوضيح الأمور وإزالة المعوقات.

كما بات معلوماً أقر قانون الشراء العام في حزيران من العام 2021، ونشر في الجريدة الرسمية في 29 تموز من العام نفسه. إلّا أنّ العمل به لم يبدأ إلا بعد عام بناء على إصرار من صندوق النقد الدولي. وشكّل بالتالي أحد الإلتزامات التي رضخت الدولة اللبنانية من خلالها لتطبيق الإصلاحات المطلوبة في إرساء الصفقات بناء لدفاتر شروط وعقود نموذجية متلائمة مع معايير الشفافية، النزاهة، والمساءلة.

إلتفاف على تطبيق القانون؟
خلال فترة تطبيق القانون، لم يكن البحث في تليين إجراءات قانون الشراء العام الأول الذي يُطرح على مستوى الوزارات والإدارات التي كان لها أكثر من محاولة للإلتفاف على تطبيق القانون. إلا أن الطرح هذه المرة مختلف كلياً وفقاً لما تؤكده المصادر الوزارية، ويجد مبرراته “الواقعية” في وقوف لبنان على شفير أحداث يخشى أن تنزلق الى مشاهد شبيهة بتلك الناتجة عن حرب غزة، وهذا ما يضعنا أمام نظرية الظروف الاستثنائية، التي لا يعود خلالها متاح تطبيق إجراءات الشراء التنافسية.

يؤكد وزير البيئة ناصر ياسين في حديث مع “المدن” أن “الحرب مدمرة والأساس تفاديها، ولكن لا بد لنا كمسؤولين أن نكون جاهزين للسيناريو الأسوأ، ومن هنا طرحت المواضيع على طاولة مجلس الوزراء كجزء من النقاش حول خطة الطوارئ الحكومية. وكانت الخلفية الأساسية لوزيري الصحة والأشغال التشارك بالرأي حول إمكانية الذهاب الى عقود رضائية، لتسريع بعض عمليات الإنفاق بما يتناسب مع حالات التدخل السريع التي تتطلبها الأمور”. ويشير ياسين الى “أن وزيري الصحة والاشغال يقولان، ولديهما كل الحق بذلك، أنه إذا توسعت الحرب لا يمكن أن ننتظر إكتمال إجراءات المناقصات لفتح طريق، ورفع أنقاض أو حتى تأمين المستلزمات الطبية، وفي هذه الحالات لا بد من تعاقد رضائي مباشر يكون معللاً بحالة طارئة وحالة كوارث معينة. وهذا بالتأكيد لا يشكل تعليقاً لقانون الشراء العام إنما تطبيقاً للمادة 46 منه.”

في مزيد من الإستيضاح للوزير الأبيض حول هذا الأمر إختزل رده برسالة واتساب ليؤكد “أننا ملتزمون حرفياً بقانون الشراء العام ولا سيما المادة 46”. هذا في وقت أكد ياسين أن مجلس الوزراء لم يكن في وارد إتخاذ أي قرار بهذا الشأن، إنما طرح المواضيع من قبل الوزيرين جاء من باب مشورة أعضاء المجلس ورئيسه، وقد توسع النقاش الى مضمون المادة 46 وما يتيحه القانون في هذا الإطار، وجرت التوصية بالتواصل مع الهيئة ورئيسها لتوضيح الأمور وإرساء قاعدة من التعاون.

المادة 46 من قانون الشراء العام
تناول المادة 46 على طاولة جلسة مجلس الوزراء، كان من خلال التوقف عند الفقرة الثانية منه والتي تنص حرفياً على أنه “في حالات الطوارئ والإغاثة من جراء وقوع حدث كارثي وغير متوقع، ونتيجة ذلك لا يكون استخدام أي طريقة شراء أخرى، (أي غير الإتفاق الرضائي) أسلوباً عمليا لمواجهة الحالات”. ولتحديد حالات الطوارئ والإغاثة يعود رئيس هيئة الشراء العام الدكتور جان العلية الى المادة الثانية من القانون، حيث تنص الفقرة 31 منه على أن حالة الطوارئ هي حالات الخطر الداهم والكوارث المعلنة، فيما تعرف الفقرة 32 الإغاثة بالحالة العاجلة التي تقتضي معها إنقاذ الأرواح وحماية الممتلكات إثر التعرض لخطر أو كوارث مفاجئة، على سبيل المثال لا الحصر البحث عن ضحايا وإجلائهم واتخاذ إجراءات الإيواء والحماية وضبط الممتلكات والمحافظة عليها.

من هنا يوضح العلية في اتصال مع “المدن” أن “تطبيق هذه المادة من القانون لا تحتاج الى قرار يتخذ في مجلس الوزراء. وبالتالي لا داعي للهلع ولا للخوف، ولا لاستصدار اي قرار، قانون الشراء العام واضح، والتعاطي مع القانون من قبل هيئة الشراء العام التي تتألف من أشخاص لديهم حس وطني وإنساني سيكون بمرونة، ولكن طبعاً من ضمن حدود الإحتياجات الناشئة عن الحدث الكارثي.”

ويضع العلية التعاون بين الحكومة والهيئة في إطار الحس الوطني والإنساني الذي يتطلب التكامل من أجل تأمين المصلحة العامة في أي حالة كارثة قد تنشأ عن تصعيد محتمل للعمليات العدائية. مضيفاً “حينها نكون أمام نظرية الظروف الاستثنائية، حيث لا يمكن تطبيق إجراءات الشراء العادية التنافسية في حالات الكوارث والإغاثة، فتصبح بعض طرق هذا الشراء كالإعلان عن الصفقة والإلتزام بالمهل وغيرها غير ملزمة”.

وإذ يؤكد العلية أن الأمر لا يعفي الجهة المتعاقدة بالتراضي من الرقابة، يذكّر بوجود مذكرة في حال تم تطبيق المادة 46 توجب النشر حول الصفقة على منصة الشراء العام بعد زوال حالة الكارثة. مما يعني أن رقابة الشراء العام في هذه الحالة تتناول تطابق عملية الشراء مع الوصف القانوني لها.

إذاً لا تقييد لدور الهيئة ولا رقابتها، وفقاً لرئيس هيئة الشراء العام بل سيكون عمل الهيئة كما يقول العلية “مراقبة الظروف التي أملت عقد اتفاقات رضائية سريعة وما إذا كانت بالفعل ظروف تجعل من المستحيل التقيد بالإجراءات العادية”. وإذا كان المتوقع دائماً هو الإلتفاف على القوانين والحالات الإستثنائية لتمرير صفقات من خارج الوصف القانوني، يتجنب العلية إستباق الأمور، ليؤكد بأن الهيئة جاهزة لدراسة كل حالة بشكل منفرد.

مصدرالمدن - لوسي بارسخيان
المادة السابقةالتضخّم محدود ولكن مستمر: كيف سيؤثّر التصعيد؟
المقالة القادمةبيروتي يُنهي الموسم السياحي: الخسائر تفوق 3 مليار دولار