لم تكن المستشفيات والمراكز الصحية وعموم المؤسسات المعنية بالقطاع الصحي بأفضل حالاتها قبل وقوع جريمة تفجير “البايجرز” الـPagers وسقوط عدد من الضحايا وآلاف الجرحى، فالقطاع الصحي كان منهكاً بفعل الأزمة المالية وشح الموارد ونقص الكوادر البشرية. ولكن على الرغم من المشهد المعقّد والوضع الضاغط على القطاع الصحي إلا أنه تمكّن بالأمس من الإستجابة إلى حد كبير والتعامل مع جريمة واسعة النطاق. تأهب القطاع بأكمله ونجح بتلقّف الكارثة الإنسانية، لكن يبقى السؤال هل لدى القطاع الصحي القدرة بالفعل على معالجة آلاف الجرحى وإجراء آلاف العمليات الجراحية وتلبية الحاجات من وحدات الدم والمعدات الطبية وغيرها؟ وهل سيتم إجراء العمليات الجراحية تحت الضغط الهائل على المستشفيات بالشكل اللازم كما لو كانت المستشفيات بوضعها الطبيعي؟
القطاع الصحي متأهب
لم تتردّد المستشفيات الخاصة والحكومية بالاستجابة لنداء وزير الصحة العامة فراس الأبيض باستقبال جميع المصابين، كما أن العشرات من المستشفيات باشرت باستقبال الجرحى الذين وقعوا نتيجة اختراق إسرائيل لأجهزة البايجرز وتفجيرها. باشرت المستشفيات أمس فوراً بتأمين العلاجات الطارئة للجرحى، وقد فاق عدد المستشفيات التي استقبلت جرحى الـ100 مستشفى موزعة في عدد من المناطق اللبنانية من بيروت والضاحية إلى الجنوب والبقاع والمتن وجبل لبنان، في حين أن الـ200 مستشفى المتواجدة على الأراضي اللبنانية بين خاص وعام أعلنت تأهبها وفتح أبوابها أمام المصابين.
من جهتها، استنفرت كافة أجهزة الإسعاف التابعة لمعظم الجمعيات وفي مقدّمها الصليب الأحمر اللبناني والهيئة الصحية الإسلامية ومعها كل أجهزة وزارة الصحة لنقل الجرحى إلى المستشفيات وتأمين علاجهم، وهنا بيت القصيد. فالعلاجات التي يحتاجها قرابة 3000 جريح ستتكفّل بها وزارة الصحة العامة بحسب ما أعلن الوزير الأبيض، وهو ما أقلق المستشفيات التي تعاني من علاقتها المالية السيئة مع الوزارة منذ ما قبل جريمة التفجير أمس.
وحسب مصادر وزارة الصحة فإن الدعم المالي للمستشفيات وتغطية كافة المصابين سيتم على أكمل وجه في المرحلة المقبلة، “فالوزارة ستسعى جاهدة إلى زيادة مخصصات المستشفيات التي استقبلت الجرحى. كما أنها تقوم بشكل يومي برصد الحالات وأرشفتها ومتابعتها على الأرض ولذا، فإن التكاليف التي تتحمّلها المستشفيات اليوم ستتم تغطيتها بالكامل”. وبالنظر إلى خطورة الوضع اليوم بعد ساعات على وقوع جريمة تفجير البايجرز، فإن الوزارة لا يمكنها الحديث بالأرقام. كما أنها تتلقى اليوم دفعات من الدعم الصحي والاستشفائي من عدد من الدول بينها العراق والأردن وإيران، ومن الصعب تحديد التكلفة المالية لما حصل، على ما يقول المصدر.
ماذا عن المستشفيات؟
لطالما ربطت المستشفيات الخاصة بوزارة الصحة علاقة متأزمة على المستوى المالي، إذ تعاني الثانية من نقص في موازنتها السنوية تجعلها عاجزة عن تغطية كامل علاجات مرضاها، فيما تعاني الأولى من ضعف الثقة بالوزارة، وبآلية سداد مستحقاتها المالية المتراكمة على مدار سنوات.
اليوم اخترق الحدث الأمني الإنساني تلك العلاقة المتأزمة. فالمستشفيات، حسب نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، تأهبت جميعها لاستقبال الجرحى. وقال في حديث إلى “المدن”: “نحن ملزمون باستيعاب الجرحى والقيام بواجبنا الإنساني وإجراء المقتضى، وهو ما حصل فعلاً”. وقد استقبلت المستشفيات الخاصة أكتر من 3000 جريح بحسب هارون “غالبيتهم يواجهون حالات صعبة تستلزم عمليات جراحية وعناية فائقة”.
وإذ يشدد هارون على توفر القدرات التقنية والبشرية والإستشفائية لتقديم العلاج لكل الجرحى، يذكّر بأن لدى المستشفيات حاجات مالية أيضاً تستلزم توفير المستلزمات الطبية سريعاً، لاسيما تلك الضرورية لإجراء عمليات بالعظام. إذ هناك الكثير من الحالات التي تحتاج عمليات جراحية باليدين والرجلين وعظام الورك.
ورغم تطمينات هارون باستجابة المستشفيات، يقول في المقابل “أن المستشفيات تحتاج الى دعم مالي في أسرع وقت، ونحن نقدّر أن الوقت غير ملائم اليوم للحديث بالماديات.. لكن لا بد من مراعاة الضغوط المالية التي تتلقاها المستشفيات، فهي بأمسّ الحاجة اليوم إلى الإمداد بالسيولة. وفي مطلق الأحوال عندما تهدأ الأمور سنقوم بالبحث مع وزارة الصحة بكيفية تغطية تكاليف معالجة الجرحى ودعم المستشفيات مالياً”، يقول هارون.
علاجات خارج لبنان
وكما المستشفيات، استجاب الصليب الأحمر وكافة الطواقم الإسعافية والطبية للحالة الخطرة التي خلّفتها عملية تفجير البايجرز، وقدّر وزير الصحة العامة عدد الجرحى في بيروت والضاحية بـ1850 و750 في الجنوب و150 في البقاع منهم 460 جريحاً أجريت لهم عمليات جراحية في الوجه والعيون واليدين.
وقام الصليب الأحمر اللبناني بالمساهمة في عمليات الاستجابة من خلال 134 سيارة إسعاف و450 مسعفاً، ووضع 150 سيارة إسعاف إضافية و450 مسعفاً في مناطق أخرى في حالة من التأهب، لتقديم الدعم. وعمل على نقل 177 مصابًا إلى المستشفيات القريبة، وكذلك من مستشفى الى مستشفى، لاسيما تلك الواقعة خارج العاصمة. وحسب بيان للصليب الأحمر اللبناني قامت طواقم الصليب الأحمر بنقل 50 وحدة دم من شمال لبنان إلى مستشفيات بيروت لتلبية الطلب المرتفع على الدم.
كما قامت مراكز نقل الدم التابعة للصليب الأحمر في مختلف أنحاء لبنان باستقبال المتبرعين وبتزويد المستشفيات بـ219 وحدة دم من مختلف الفئات. كما سجلت 309 متبرعين محتملين عند الحاجة. وإلى جانب الصليب الأحمر، فقد ضاقت المستشفيات بالمتبرّعين بالدم، والتحق أطباء وممرضون من كل المناطق اللبنانية بمراكز الإستشفاء، لاستيعاب العدد الهائل من الجرحى.
وحسب مصدر متابع، فإن الصليب الأحمر بحالة تأهب مستمر وعلى أتم الاستعداد لتغطية كافة الحاجات المسنودة إليه، لكنه في الوقت عينه يحتاج إلى دعم مالي، وإن كان من المبكر تقييم الوضع مادياً اليوم، فهذا الأمر يستلزم وقتاً. ويبقى الأهم بحسب المصدر، أن الصليب الأحمر لم يستنزف قدراته ولا يزال يسيطر على الوضع، وهو على استعداد لتقديم الدعم لمحتاجيه مهما بلغ.
وحسب معلومات “المدن”، فإن طائرة إيرانية بانتظار إجلاء عدد من الجرحى اللبنانيين على متنها لتلقي العلاج في إيران. وقد تم اختيار الجرحى بناء على خطورة أوضاعهم الصحية لاسيما في ظل الضغط الذي تتعرّض له المستشفيات اليوم، جراء كثافة العمليات الجراحية لاسيما منها مستشفيات البقاع، التي يفتقد عدد كبير منها للتجهيزات اللازمة ولأطباء متخصّصين لإجراء العمليات الجراحية المطلوبة.
وأفاد مصدر بأن عدد من الجرحى الذين سيتوّجهون إلى طهران لتلقي العلاج تعرّضوا للإصابة بالأعين وحالاتهم دقيقة.