“لبنان شركة ش.م.م. شركة من دون مسؤولية”

لبنان بات يُشبه شركة كبيرة بدلاً من أن يكون وطناً حقيقياً، يا للأسف الشديد، إضطررنا أن نعطي هذه التسمية، وهي بالفعل أصبحت «شركة م. م.»، وهي شركة من دون مسؤولية، وأيضاً شركة من دون مسؤولين، وبعد أكثر، هي شركة مع مصالح مختلفة.

بعد نحو 5 سنوات من أكبر انهيار مالي، نقدي، اقتصادي واجتماعي في تاريخ العالم، بحسب مرصد صندوق النقد والبنك الدوليَّين، وهي في الحقيقة أكبر عملية نهب، لا يزال لبنان في حالة متردية، ولا يزال يتراجع يومياً بطريقة دراماتيكية.

إنّ المسؤولين اللبنانيِّين هم المسؤولون المباشرون عن هذه الأزمة التي صُنّفت بالأزمة المتعمّدة، وقد صُنعت هذه القنبلة النووية الإقتصادية داخلياً. فيما كان المسؤولون أسوأ في إدارة الأزمة وطمر رؤوسهم في التراب كالنعامة، وعدم اتخاذ أي قرار، أو إصلاح أو إقرار قوانين، أو رسم أي خطة أو استراتيجية إنقاذية لهذا البلد المنكوب وهذا الشعب المنهوب والمطعون.

إنّ المسؤولين اللبنانيّين عندما اتفقوا في ما بينهم، فإنّهم اتفقوا على المحاصصة والمغانم، وعلى توزيع المشاريع وعلى تقسيم الفساد، والمقاعد والمناصب، ولم يتفقوا يوماً على مصلحة الوطن والشعب. وعندما اختلفوا، فقد كان اختلافهم على غنائم الحرب، وعلى بعض التسميات، كما اختلفوا على مصالحهم الشخصية الضيّقة حيال بعض المشاريع، لكن لم يختلفوا يوماً لمصلحة البلد، أو على مشاريع بنّاءة لإعادة النهوض.

بعد نحو عامين على الفراغات الدستورية، وخصوصاً في أعلى منصب وهو رئاسة الجمهورية، لا نيّة حقيقية من أجل ملء المناصب الشاغرة، لا بل هناك نيّة حقيقية لمتابعة التدمير الذاتي، وتدمير كل مؤسسات الدولة، وجرّنا من جديد إلى حكم المافيات والفوضى من دون أي مسؤولية ولا مسؤولين. فهناك عملية مبرمجة وممنهجة لطعن الدستور وعدم احترام مواعيده، وخلق منصّات حوار جديدة عوضاً عن المنصّات الدستورية للحوار، لكن أيضاً لاحترام وتنفيذ الديموقراطية والتصويت واحترام رأي الآخر.

لسوء الحظ، عندما انتهت الحرب الأهلية في لبنان، نتمنّى أن تُذكر ولا تُعاد، نذكّر بألم وغضب أنّ الحرب انتهت، لكن باتفاق وليس بسلام، فبدّل أُمراء الحرب ملابسهم بالبدلات وربطات العنق.

ومن خلال هذا الاتفاق، تقاسموا الحصص والمناصب والمشاريع، وخلقوا هذه الشركة التي أصبحت شركة ش.م.م، أي شركة من دون مسؤولية، عوضاً عن بناء وطن حقيقي مع رؤية موحّدة واستقلالية في الآراء، وتنافس في المشاريع، عوضاً عن التنافس في الفساد. فعوضاً عن بناء السلام، بنوا شراكات مبنية على المصالح الشخصية والحزبية والطائفية، وأوصلونا إلى ما نحن عليه اليوم.

فلبنان لم يَعُد يُحكم بحسب الدستور، إنّما يُحكم كشركة غير شرعية، بعيدة عن دولة القانون، يحكمها أصحاب المصالح الضيّقة، وبعض الحيتان، ويتابعون مصّ دماء شعبهم واقتصادهم من دون أن يرفّ لهم جفن، فهذه الشركة السوداوية تُحكم بعيداً من الشرعية الدستورية، لا بل مبنيّة على بعض المصالح الضيّقة، وتُحكم أيضاً من الخارج، بأهداف إقليمية.

في المحصّلة، إنّها شركة ش.م.م. هي أيضاً شركة مع مصالح مختلفة، لكن شركة بعيدة من مؤسسات القطاع الخاص المنتجة التي تحاول أن تصمد وتتطوّر، وحتى أن تنمو في هذه الأوضاع الكارثية.

إنّ شركة لبنان ش.م.م. هي شركة سوداوية مبنية على السوق السوداء والاقتصاد الموازي، وتجذب المبيّضين والمروّجين والمهرّبين، وتطعن بالمستثمرين والرياديِّين والمبتكرين.

إنّ هذه الشركة تُدار بعيداً من الدستور والديموقراطية، ومن الأيادي السود التي تستفيد من الإنهيارات والحروب، حيث تبني على حساب الشعب المنهوب أرباحاً باهظة. لبنان لم يَعُد يُشبه وطناً حقيقياً، لكن أصبح شركة سوداوية ش.م.م، شركة من دون مسؤولية، من دون مسؤولين، مع مصالح مختلفة.

مصدرالجمهورية - د. فؤاد زمكحل
المادة السابقةكريدية ينفي اختراق شبكة أوجيرو
المقالة القادمةخرق إلكترونيّات الحزب وتداعياته على الاقتصاد