الاقتصاد الاجتماعي للحرب… هل ينجو من الاحتكار والتربّح؟

لم يكد لبنان يُدخِل أنفه من باب الحرب حتى تزايدت المخاوف من انقطاع المحروقات والمواد الغذائية والطبية، لكنها لم تهدأ نهائياً على رغم من محاولة وزير الاقتصاد أمين سلام التطمين خلال مؤتمر صحافي بعد ظهر الثلاثاء، إنّما الأرقام يمكن أن تؤشّر إلى عامل اطمئنان في حال لم تدم حال النزوح والحرب لأشهر.

وبحسب مصادر لـ«الجمهورية» من وزارة الاقتصاد وبعض الأرقام الصادرة عن الجمارك ووزارات المال والاقتصاد والزراعة والتجارة، أنّ نسب الاستيراد في العامَين 2023 و2024 ارتفعت عمّا سبق وصولاً إلى نحو 3,5 مليارات دولار، مع دخول البلاد في حال الدولرة الشاملة وارتفاع أعداد السيّاح الوافدين، ما زاد الطلب على المحروقات والمواد الغذائية.

أهم السلع المستوردة

لا شكّ في أنّ الحبوب، خصوصاً القمح، تُعتبَر السلعة الأساسية التي يستوردها لبنان بنحو رئيسٍ من أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة، بنحو 700,000 طن عام 2023 مقابل 500 مليون دولار، مع ارتفاع بسيط هذه السنة. علماً أنّ القمح وحده يشكّل ربع واردات الغذاء، إذ يُعتبَر النزوح السوري عاملاً أساسياً في هذه النسبة المرتفعة.

بالنسبة إلى الزيوت النباتية (خصوصاً زيت دوار الشمس) فكلّفت لبنان نحو 280 مليون دولار عام 2023 ونحو 295 مليون دولار هذه السنة، من أوكرانيا وروسيا. فيما يستورد السكر مقابل 220 مليون دولار من البرازيل والهند.

أمّا في شأن منتجات الألبان، فيستورد لبنان كميات كبيرة تصل كلفتها إلى نحو 350 مليون دولار، وهي منتجات مصدرها الرئيسي من الدنمارك وألمانيا. فيما تصل قيمة اللحوم (دواجن وغنم وأبقار) المستوردة من البرازيل والهند إلى 150 مليون دولار، بزيادة ملحوظة عن الأعوام السابقة نتيجة طلبات المطاعم في فصلَي الصيف والشتاء.

وأخيراً تبقى المواد المعلبة والوجبات السريعة التي لم تصل المصانع اللبنانية الى مرحلة تسدّ حاجة السوق المحلية، لكن انخفضت نسب استيرادها تدريجاً الى ما دون 500 مليون دولار في 2023، وغالبيّتها من المعكرونة (من إيطاليا)، والمعلبات اللحومية واللحوم المثلجة من تركيا وماليزيا.

بهذه الأرقام، يؤكّد مصدر في وزارة الاقتصاد، أنّ هذه النسب شبه مكتلمة حتى نهاية السنة الحالية ومطلع السنة المقبلة، لكنّ هناك شحنات إضافية يتوقّع وصولها إلى مرفأي بيروت وطرابلس، في حال لم تشتدّ الحرب.

وعن الشكوك في اختفاء سلع غذائية من المحلات وتوقّع ارتفاع أسعارها، تقول مصادر وزارة الاقتصاد إنّ «فرق الرقابة في الوزارة تركّز الآن، خصوصاً في هذه المحنة التي يمرّ فيها اللبنانيِّون، على مراقبة الـStocks (أي المخازن والمستودعات للموزّعين والمستوردين والمحال)، ومراقبة الأسعار. لكنّ أعداد المراقبين ليست كافية لتغطّي كل لبنان في آنٍ، خصوصاً مناطق القصف في الجنوب والبقاع، التي يجب أن تصل إليها المواد الغذائية بالكميات والأسعار المماثلة لبقية المناطق اللبنانية.

وتُسَيطر بضع شركات على النسب الأكبر من سوق استيراد وتوزيع المواد الغذائية في لبنان، وأبرزها:

– Transmed (مواد من Nestlé وUnilever)

– Liban Lait (للألبان والأجبان)

– Sannine Flour Mills وSehnaoui Flour Mills (للحبوب، خصوصاً القمح)

– Obegi Consumer Products (للمعلبات)

– «هولدينغز» اللحوم وزهران للدواجن

– أبو فيصل للتصدير، والخليل للفواكه

وتشير المصادر إلى أنّ التخوّف الأكبر يصبّ عند المواد العضوية، أي الخضروات والفواكه، لأنّ هذه الأخيرة تعتمد على سلاسل توريد بحرية من مصر والسعودية وإفريقيا وأوروبا، وبرّية عبر سوريا. ويفصّل المصدر أنّ «الاستيراد البحري إذا ما تعرّض لتحدّيات في مرفأ بيروت، يمكن الاعتماد على مرفأ طرابلس، فبضعة أيام لن تربك السوق، لأنّنا في أتمّ الجهوزية والتنسيق الدائم مع بقية الوزارات والمؤسسات الحكومية. لكنّ الاستيراد البري هو المعرّض للخطر لأنّ الضربات الإسرائيلية تهدّد أمن الطرق وعبور الشاحنات».

وفي شأن الأسعار، يتوقّع المصدر في وزارة الاقتصاد ثباتاً نسبياً في أسعار غالبية السلع المستوردة في الأسابيع القليلة المقبلة، آملاً في «ألّا يتهافت اللبنانيّون على السوبرماركت، لأنّ الكميات كافية، ويمكن تأمين وصول المزيد بأسعار مماثلة للسوق الدولية، لكنّ اسعار الخضر والفواكه في مناطق القصف مرشحة للارتفاع، ونعمل على تجنّب ذلك يوماً بعد يوم، عبر تأمين مرور شاحنات البضائع والتواصل مع التجار والمراقبة للأسعار قدر الإمكان».

الواردات النفطية

تُعَدّ واردات النفط أحد الأعمدة الرئيسة للاقتصاد اللبناني، الذي يعتمد بنحو شبه كامل على الاستيراد لتلبية احتياجاته من الطاقة ووسائل النقل، لتصل قيمة الحاجات السنوية إلى 6,2 ملايين طن مقابل نحو 6 مليارات دولار (عام 2023) مع توقعات بزيادة هذه القيمة هذه السنة ما بين 6,2 و6,4 مليارات دولار نتيجة تقلّبات السوق في أسعار النفط العالمية.

وتسيطر شركتَا Liquigas وCoralLiquigas على 80% من السوق، وتوزّعان الكميات المستوردة على الشركات الأخرى، مع وجود لاعبَين رئيسيَّين آخرين مثل MedcoApec، وWardieh، وTotal IPT/Uniterminals، وHypco/United Petroleum، وZR Energy. وتهَيمن هذه الشركات الأربع على 55% من المحطات المرخصة و68% من أسطول النقل (الصهاريج).

على مستوى الأسعار، تشير المصادر إلى أنّها لا تتوقع زيادة إلّا في حال ارتفاع الأسعار عالمياً.

الواردات الطبية

على رغم من الضغط الذي تعيشه المستشفيات نتيجة مجزرتَي «البيجر» واللاسلكي ومئات الغارات الإسرائيلية على الجنوب والبقاع وبيروت، فأنّ مصادر نقابية تؤكّد الاكتفاء في المستلزمات الطبية لهذه الفترة، خصوصاً مع وصول شحنات من المساعدات من الدول المجاورة.

وتؤكّد مصادر وزارية أنّ أجهزة الرقابة لا تزال تقوم بجولاتها الرقابية على الصيدليات والمستشفيات لمتابعة تنفيذ القوانين ومنعاً لتفلّت الأسعار، ضمن خطة الطوارئ الحكومية التي نجحت في معالجة الجرحى، ولا تزال تقوم بواجبها بفضل الكادر الطبي والتمريضي في المستشفيات.

وتُشكّل الأدوية المستوردة نسبة كبيرة من إجمالي الواردات الطبية، إذ بلغت قيمتها نحو 400 مليون دولار من دول الاتحاد الأوروبي والهند وتركيا في عام 2023، ولم تتدنّ هذا العام. وأبرز الشركات التي تستورد الأدوية إلى لبنان هي Algorithm Pharmaceuticals وPharmaline، اللتان تتعاونان مع شركات عالمية مثل Pfizer

وGlaxoSmithKline. فيما تبلغ قيمة استيراد المعدات الجراحية وأجهزة التشخيص نحو 100 مليون دولار من ألمانيا والصين، ولا تزال هذه النسب تصل من دون أن تتأثر، علماً أنّ مصادر وزراة الصحة تشير إلى توقّعات بارتفاعها بنحو ملحوظٍ، بسبب الحاجة إليها مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية.

مصدرالجمهورية - شربل البيسري
المادة السابقةاستراتيجيات مصرفية داخلية تُحاكي الحرب الإسرائيلية..
المقالة القادمةفياض توقع ارتفاع مخزون الغاز أويل في لبنان إلى 110 آلاف طن بحلول منتصف تشرين الأول ما يكفي 45 يومًا