يبذل القائمون على صناعة الشحن البحري حول العالم جهودا كبيرة من أجل الإسراع في التقليل من استهلاك الوقود أملا في خفض انبعاثات الكربون ضمن جهود مكافحة التحول المناخي، وسط تحديات كثيرة تواجه الشركات من أجل الانضمام إلى هذا المسار الطويل.
تعمل الهيئة التنظيمية العالمية للشحن على دفع الصناعة التي تحمل أكثر من 80 في المئة من التجارة العالمية إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية من الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي بحلول منتصف القرن الحالي.
ويقول المختصون إن الوصول إلى هناك يعني تحويل وجهة قطاع لا يزال يعمل بشكل شبه حصري بالوقود الأحفوري، ويمثل حوالي 3 في المئة من ثاني أكسيد الكربون من صنع الإنسان.
وفي حين تطلب الشركات السفن التي يمكن أن تعمل بالوقود البديل مثل الميثانول، وتغوص في تقنيات خفض الانبعاثات مثل الرياح والروبوتات لتنظيف الهيكل، فإن الغالبية العظمى من الأسطول لا تزال تحرق الكثير من النفط.
وأجبرت الهجمات التي شنها مسلحو الحوثي في اليمن في منطقة البحر الأحمر السفن التي تفرز الكربون على اتخاذ طرق أطول، مما أضاف ملايين الأطنان من التلوث.
كما دفعت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا والجفاف في قناة بنما شركات الشحن إلى الإبحار لمسافات أطول، الأمر الذي يرى البعض أنه يقوض جهود التقليل من الانبعاثات الملوثة للغلاف الجوي.
ويمكن أن ترتفع انبعاثات سفن الحاويات بنسبة تصل إلى 11 في المئة إلى 257 مليون طن في عام 2024 إذا استمرت الاضطرابات بما في ذلك في البحر الأحمر وقناة بنما، وفقا لشركة الاستشارات أليكس بارتنارز.
وقال نيلز راسموسن كبير محللي الشحن في جمعية مالكي السفن بيمكو لرويترز قبل فترة إن “المسار الأطول استلزم زيادة بنسبة 8 إلى 10 في المئة من استخدام سفن الحاويات، مقارنة بالعام السابق، مما أدى إلى زيادة مماثلة في الانبعاثات”.
ويجمع الخبراء على أن الحصول على صورة واضحة عن الانبعاثات من السفن ليس بالأمر السهل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى وجود طرق مختلفة لقياسها، بحسب ما أشار إلى ذلك تقرير لوكالة بلومبيرغ الخميس الماضي.
وقدرت المنظمة البحرية الدولية (آي.أم.أو)، وهي الجهة التنظيمية العالمية للصناعة، إجمالي انبعاثات الكربون في القطاع في 2018 بأكثر من مليار طن في أحدث دراسة لها عن غازات الاحتباس الحراري. كما تنشر وكالة الأمم المتحدة أرقاما تستند إلى استهلاك الوقود.
ويفترض أن تعمل شركات الشحن على تبني وقود نظيف ليحل محل الوقود القائم على النفط اليوم على خفض الانبعاثات، وأن يكون لديها ما يكفي من القوة لدفع السفن العملاقة حول العالم وأن تكون قادرة على المنافسة من حيث السعر.
وبالنظر إلى هذا المعطى، يحاول المنظمون دفع عملية إزالة الكربون، ففي يوليو 2023 حددت منظمة آي.أم.أو سلسلة من الأهداف غير الملزمة لخفض الانبعاثات.
ويعتقد الخبراء أنها خطوة كبيرة إلى الأمام من خطة سابقة قبل ست سنوات، لكنها لا تزال أقل من التوافق الواضح مع هدف اتفاقية باريس لعام 2015 المتمثل في تقييد الاحتباس الحراري العالمي إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
وتعمل آي.أم.أو على وضع قواعد جديدة في إطار السعي إلى تحقيق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات عبر خفض تدريجي لكثافة غازات الاحتباس الحراري في وقود السفن.
كما أنها تمضي في فرض أول رسوم إلزامية عالمية على الانبعاثات، والتي من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2027. وفي الوقت نفسه، أصبح الشحن الآن خاضعا لنظام تداول الانبعاثات التابع للاتحاد الأوروبي، والذي يتطلب الدفع مقابل انبعاثات الكربون.
كما يتم إحراز تقدم في ممرات الشحن الخضراء، وهي طرق محددة حيث يدعم القطاعان العام والخاص الشحن الخالي من الانبعاثات. وبحلول شهر يونيو المقبل، سيكون نحو نصف السفن المطلوبة، مقاسة بالطن الإجمالي، قادرة على العمل بالوقود البديل بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال، وفقا لجمعية تصنيف السفن (دي.أن.في).
وتعد ميرسك الدنماركية، أكبر ناقل بحري في العالم، واحدة من عدة شركات شحن طلبت سفن قادرة على العمل بالميثانول. وساعد المنتدى البحري العالمي، وهو منظمة غير ربحية، في تطوير مبادئ بوسيدون، وهو إطار لتقييم التوافق المناخي لمحافظ تمويل السفن. وفي أحدث تقرير للمنتدى، أظهر أن 29 مؤسسة من أصل 30 مؤسسة فشلت في تحقيق أهداف خفض الانبعاثات التي حددتها المنظمة البحرية الدولية.
وتقدر شركة بي.جي.سي الاستشارية أن الحصول على صافي الكربون في الشحن يتطلب 2.4 تريليون دولار من الاستثمار، وسيتعين أن يكون 70 في المئة من الوقود المستخدم تم إنتاجه من مصادر مستدامة. وبدأ كبار الزبائن في الصناعة في استخدام بعض نفوذهم، ففي العام الماضي، أصدرت شركات بما في ذلك أمازون وإيكيا مناقصة لخدمات شحن الحاويات باستخدام وقود خال من الانبعاثات تقريبا، وفازت بها شركة هاباغ لويد.
واختارت شركة ترافغورا العملاقة للتجارة نظام قياس الانبعاثات من شركة دافني تكنولوجي لنشره على ناقلة للغاز الطبيعي المسال، وكانت شركة كارغيل تجري تجارب على الأشرعة، ما يسمى بـ”أجنحة الرياح المصنوعة من الفولاذ والزجاج المركب”. وهناك أيضا إمكانية تزويد السفن بتكنولوجيا احتجاز الكربون. وقد تم تركيب نظام واحد على الأقل من هذا القبيل على ناقلة شحن تابعة لشركة إيسترن باسيفيك شيبينغ.
ولكن لا يزال أمام الصناعة طريق طويل لتقطعه، فأكثر من 90 في المئة من الأسطول العالمي يعمل بالوقود التقليدي، والذي يعتمد بالكامل تقريبا على النفط، عند قياسه بالطن الإجمالي، وفقا لجمعية دي.أن.في.
ومن المتوقع أن تواصل المنظمة البحرية الدولية العمل على التدابير الرامية إلى خفض الانبعاثات، حيث تجتمع لجنة حماية البيئة البحرية التابعة لها لمدة أسبوع من المحادثات في لندن ابتداء من الاثنين المقبل. وفي الوقت نفسه، يدخل قانون الاتحاد الأوروبي البحري، الذي يتطلب خفض الانبعاثات نسبة إلى استخدام الطاقة، حيز التنفيذ في عام 2025.
ومن المقرر أيضا أن يتزايد نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي ليشمل في نهاية المطاف غاز الميثان وأكسيد النيتروز. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، قدم أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي العام الماضي مشاريع قوانين تهدف إلى الحد من التلوث الناجم عن الشحن.