صمود مفاجئ في قيمة الليرة اللبنانية رغم ضغوط الحرب

تتفاقم الهواجس بين اللبنانيين منذ تصاعد الأحداث في الشرق الأوسط وانعكاساتها على بلدهم، وخاصة في ما يتعلق بالعملة المحلية بعدما وصلت الهجمات الإسرائيلية إلى العاصمة بيروت، لكن المفاجأة كانت في صمود سعر صرف الليرة رغم كل هذه الضغوط.

ظل اللبنانيون منذ الانهيار الاقتصادي في أواخر العام 2019 يرددون يوميا خلال أحاديثهم كل ما يرتبط بسعر صرف الليرة التي انحدرت بفعل تتالي الأزمات، لينضاف إليها الآن تصعيد الحرب بين حزب الله وإسرائيل.

وعلى مدى خمس سنوات، كان هذا السؤال يشغل بال سكان البلاد، حيث كانت أسعار الصرف تتقلب بشكلٍ شبه يومي. ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية قبل عام بالضبط عقب هجمات السابع من أكتوبر، تزايدت المخاوف بشأن انهيار العملة اللبنانية.

ولكن رغم تعاظم ضراوة القتال إلى حدّ تدمير جزء من الضاحية الجنوبية لبيروت، بقي سعر الصرف مستقرا على مستواه منذ نهاية العام الماضي عند حدود 90 ألف ليرة للدولار.

ويشرح مسؤول مصرفي لبلومبيرغ الشرق مشترطا عدم الكشف عن هويته، أسباب هذا الاستقرار بسعر الصرف، بأنه منذ تسلم وسيم المنصوري مهامه كحاكم بالإنابة لمصرف لبنان المركزي، خلفا لرياض سلامة، أوقف عمليات شراء الدولار من السوق.

كما أوقف البنك المركزي المنصات التي كانت تُستخدم لتحديد سعر الصرف مثل منصة “صيرفة”، والتي تم استبدالها بمنصة أخرى تتبع لوكالة بلومبيرغ الأميركية.

ويضيف المصرفي أن الحاكم السابق، الملاحق قضائيا حاليا بتهم اختلاس مالي، كان يلجأ إلى السوق عند حاجته إلى الدولار، ما أفرز ضغطا كبيرا، لأنه أدخل البنك المركزي في منافسة مع القطاع الخاص على الدولارات المتاحة.

أما الآن فتغيّرت هذه الآلية، وبات المركزي يركز على بيع الليرة لمن يطلبها، خصوصا دافعي الضرائب التي ما زالت تُحصّل بالعملة المحلية، على الرغم من أن غالبية أركان الاقتصاد باتت “مدولرة”.

واعتبر المصرفي أن هذه الإجراءات أدّت إلى إنهاء الضغط على الدولار في السوق، وأطلقت عملية إعادة دمج الاقتصاد الشرعي في لبنان بالقطاع المصرفي، و”الأهم من ذلك أنها ساهمت في فصل الاقتصاد المدولر عن اقتصاد الليرة”.

وأدّى الانهيار الاقتصادي والمالي إلى انهيار سعر صرف العملة من 1500 ليرة إلى 90 ألف ليرة مقابل كل دولار، وسط تقييد القطاع المصرفي لحقوق أصحاب الودائع بالوصول إلى أموالهم.

وفي محاولة لحل الأزمة، التي أفقدت المواطنين والمودعين ثقتهم بالنظام المصرفي ككل، لجأ المركزي إلى إصدار تعميم يتيح لكافة المودعين الحصول على 300 دولار شهريا من أموالهم.

كما أصدر تعميما ثانيا يسمح لأصحاب الحسابات المفتوحة قبل نهاية شهر يونيو 2023، وغير المشمولين بالتعميم السباق، بالحصول على 150 دولارا شهريا.

وفي سبتمبر الماضي، طلب البنك المركزي من البنوك، وبصورة استثنائية، تسديد ثلاث دفعات شهرية للمستفيدين من التعميمين، على أن يعود العمل بالتعميمين في نوفمبر المقبل.

وهذا يعني أن المستفيدين من التعميم الأول يمكنهم الحصول على 900 دولار في أكتوبر الحالي، بينما يمكن لمستفيدي التعميم الثاني الحصول على 450 دولارا في الشهر ذاته.

وإضافة إلى ذلك، فإن البنك المركزي قرر في شهر أغسطس الماضي، دفع رواتب القطاع العام بالدولار الأميركي على سعر صرف يبلغ 85.5 ألف ليرة، وهو مستمر بهذا الإجراء حتى شهر نوفمبر القادم على الأقل.

ويُقدّر المسؤول المصرفي أن الطلب الاستثنائي بتسديد البنوك ثلاث دفعات شهريا بالدولار للمودعين، سيضخ نحو 200 مليون دولار في السوق بشكل فوري، بالإضافة إلى ما بين 120 و130 مليون دولار قيمة رواتب القطاع العام.

واعتبر أن كمية الدولار في السوق أكبر من حاجتها، في وقت لا توجد فيه ضغوطات كبيرة على العملة المحلية نظرا لكون الاقتصاد مدولرا بالكامل.

ومن المتوقع أن يبقى سعر الصرف ثابتا الفترة المقبلة، لاسيما مع تخفيض البنك المركزي للكتلة النقدية بالليرة لتصل إلى 53 تريليون ليرة من نحو 60 تريليونا في بداية الأزمة، ما أضعف قدرة المضاربين على التأثير في أسعار الصرف.

ويأتي ذلك بموازاة طلب الدولار من البنوك والحكومة التخفيف من ضخ السيولة بالليرة في السوق. وقال المصرفي إن “المركزي لا يزال في وضع يمكنه من التحكم بكمية الليرات التي ستضخ في السوق”.

كما يمكنه “وقف بيع الليرة” في حال ظهور ضغوط جديدة، ما “يجبر من يحتاجها على شرائها من السوق، وبالتالي سيزداد الطلب على الليرة بدلاً من الدولار، بما يسهم في استقرار سعر الصرف أو حتى خفضه”، بحسب المصرفي.

ويتفق جهاد الحكيّم، أستاذ الاقتصاد والأسواق المالية العالمية، مع ما أفصح عنه المسؤول المصرفي، لكنه لفت إلى أن سعر الصرف “لم يعد مهماً أبداً”، فالاقتصاد اللبناني اليوم أصبح “مدولرا بشكل تام، وفقدت الليرة دورها كوسيلة لتخزين القيمة أو للتداول”.

وأفاد في تصريح لبلومبيرغ الشرق أن كل “عملية دفع تفوق قيمتها 10 دولارات، باتت تتم بالدولار الأميركي حصرا”، خاصة بعدما سمحت الحكومة في مارس من العام الماضي للمؤسسات أن تسعر منتجاتها وتبيعها بالدولار.

وبات مشهد المنتجات المسعرة بالدولار على أرفف المتاجر مألوفا حتى أن عملية الدفع من قبل المستهلكين لبائعي التجزئة تتم بالعملة الأميركية، كما يمكن للمشترين أن يستردوا المبلغ المتبقي لهم بالدولار أيضا.

وتغلغلت الدولرة التي كانت تسود الاقتصاد جزئيا قبل أزمة 2019، في السوق والحياة اليومية، ما يقدّم تفسيرا إلى حد كبير لأسباب عدم انهيار الليرة بشكل أكبر رغم تزايد حدّة الأعمال العسكرية على لبنان يوميا، والتخوف من إمكانية تحولها إلى حرب إقليمية.

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةإنتاج الغاز يفتقد لقوة الدفع لمواكبة الطلب العالمي
المقالة القادمةبركات يفنّد التداعيات والآفاق الاقتصادية في ظل الحرب المستجدة