صولات وجولات قامت بها جمعية مصارف لبنان، بالتشاور والتعاون مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، تستهدف كيفية متابعة تقديم الخدمات المصرفية في المناطق المعرّضة للقصف الإسرائيلي، وتأمين أكبر قدر منها للمواطنين. ولكن أي خدمات تتقدّم على استيفاء المودعين جزءاً من ودائعهم؟ وأي تسهيلات تفوق أهمية تعزيز قيمة السحوبات المصرفية؟
ولا تُنسي مخاطر الحرب وتداعياتها التي يتعرّض لها المواطنون على مساحة لبنان، قضية المودعين التي وضعتهم بمواجهة مع القطاع المصرفي منذ 5 سنوات. وقد فاقمت الحرب حاجة المودعين للحصول على أموالهم أو جزء منها، وهي التي تم الاستيلاء عليها منذ سنوات من قبل المصارف برضى وقبول من مصرف لبنان والسلطة السياسية. وحين فتحت الحرب الباب على حاجة المودعين للسيولة سارع مصرف لبنان إلى اتخاذ قرارات “خجولة” تحسّن من عمليات سداد الودائع، بشكل من شأنه أن يقطع الطريق على مطالبات المودعين من جهة، ولا يشكّل عبئاً على المصارف من جهة ثانية. فكانت قرارات المركزي بتعديل التعاميم وتوسيع دائرة المستفيدين منها. ولكن هل يشكّل ذلك فعلاً منفذاً أو متنفساّ للمودعين في ظل حرب شرسة يتّسع نطاقها بشكل تدريجي؟
حاول مصرف لبنان فتح منافذ للمودعين من خلال توسيع شريحة المستفيدين من تعاميمه، وزيادة المبالغ المتاح سحبها لمرة واحدة فقط، تحت عنوان “الإحساس بهم وبما يواجهونه من مخاطر ومصاعب معيشية في ظل الحرب والنزوح”. غير انه لم يفرج عن ودائعهم ولم يُنصفهم بسعر صرف السحوبات المحدّد بـ15000 ليرة حتى اللحظة، ما يجعل من الإجراءات المتخذة مجرّد محاولة إرضاء للمودعين وحماية المصارف من مطالباتهم المحتملة.
3 دفعات للمستفيدين من التعميمين
روّج مصرفيون ومقرّبون من مصرف لبنان وبعض “المطبّلين لسياساته”، لقراره المتّخذ مؤخراً والقاضي بسداد 3 دفعات للمستفيدين من تعاميمه، على أنه ترك ارتياحاً وترحيباً في أوساط المودعين الذين حصلوا مطلع الشهر الحالي (الأول من تشرين الأول) على دفعتين إضافيتين للدفعات المًستحقة بموجب التعاميم. فحصل المستفيدون من التعميم رقم 158 على 1200 دولار بدلاً من 400 دولار أو 900 دولار بدلاً من 300 دولار نقداً، بحسب العقد الموقع من قبل المودع مع المصرف. كما حصل المستفيدون من التعميم رقم 166 على مبلغ 450 دولاراً بدلاً من 150 دولار.
هذه الدفعات تم إقرارها وصرفها من قبل مصرف لبنان لمرة واحدة فقط، باعتبار أن المودعين المتضرّرين من الحرب أو المهجّرين من منازلهم بحاجة ماسّة إلى المال. ولكن أي مال هذا الذي من المفترض أن يغطي بعض احتياجات المودع النازح أو المتضرر من الحرب بـ450 دولاراً أو حتى 900 دولار؟ ويقول العديد من المودعين إن ما أقره مصرف لبنان أي الدفعات الـ3 من التعاميم، خصوصاً من التعميم 166، لا يمكن أن تغطي أكثر من التكاليف الغذائية على مدار أسبوعين بالحد الأقصى. ومن المودعين مواطن نزح من مدينة صور إلى بيروت ولجأ إلى أحد مراكز الإيواء حيث تفتقد عائلته للكثير من احتياجاتها، حالها كحال مئات الآلاف من النازحين. أما الـ”صدقة” التي تصدّق بها مصرف لبنان على المودعين، فلم تكف سوى أيام قليلة، حسب قول المودع.
توسيع مروحة المستفيدين
ومن بين التدابير المستجدة التي أقرها مصرف لبنان لتحسين ظروف المودعين، حسب تعبير أحد المصرفيين، تعديل التعميم 166، الذي شمل المودعين الذين قاموا بتحويل ودائعهم من الليرة إلى الدولار بعد شهر تشرين الأول من العام 2019 وحتى تاريخ محدّد. ويقتضي التعميم المذكور بسداد دفعة شهرية للمودع المستفيد بقيمة 150 دولاراً فقط. وحسب التعديلات الجديدة، بات بإمكان كافة المودعين الذين قاموا بتحويل ودائعهم من الليرة إلى العملات الأجنبية بعد تاريخ 30-10-2019 مهما بلغت قيمتها الاستفادة من أحكام التعميم المذكور. ما يعني أن شريحة المستفيدين اتسعت ولكن حجم الاستفادة لا يزال على حاله عند 150 دولاراً.
وفي السياق نفسه قام مصرف لبنان بتعديل التعميم الأساسي رقم 147 حيث فرض على المصارف قبول إعادة الشيكات الصادرة عنها وغير المستعملة، إلى جميع الحسابات، مما يفسح المجال للمودعين بإعادة قيد أموالهم في حساباتهم. ومن ثم الاستفادة من تعاميم مصرف لبنان التي تنطبق على الحساب.
السحوبات خارج إطار التعاميم
تلك الإجراءات المذكورة أعلاه لم ولن تحسّن ظروف المودعين، في ظل حجب ودائعهم ومنعهم من إتمام عملية السحوبات خارج إطار التعاميم. فلا يمكن للمودع اليوم أن يقوم بعملية سحب نقدي من وديعته في حال كان يستفيد من أحد التعاميم. بمعنى آخر، لا يمكن للمستفيد من التعميم 166 على سبيل المثال سوى سحب 150 دولاراً حتى وإن أراد سحب مبلغ مالي بالليرة اللبنانية من حسابه الدولاري على سعر الصرف المعتمد حالياً 15000 ليرة. وتقول مديرة أحد المصارف أنه يمكن للمودع التقدّم بطلب خطي من إدارة المصرف يوضّح فيه أسباب رغبته بسحب مبلغ مالي يفوق ما يتيحه له التعميم الذي يستفيد منه، وعلى الإدارة أن تقرر بالقبول أو الرفض. ومن دون ذلك، لا يمكنه سحب أي مبلغ من حسابه سوى المبلغ المحدّد بالتعميم.
أما عن السحوبات مع اقتطاع أكثر من 83 في المئة من قيمة الدولار، أي باحتسابه على سعر 15000 ليرة بدلاً من 89500 ليرة للدولار، فالمصارف تستمر بتسعير دولار الودائع مع اقتطاع 83 في المئة وتحجبه كلّياً عن المستفيدين من “الفتات” الذي تقره التعاميم. ثم يخرج مصرف لبنان ليُفاخر بـ”الشعور مع المودعين الذين يعانون الحرب والتهجير والعاجزين عن الحصول على اموالهم”!