اقتصاديون يطلقون ورقة -موقف حول التداعيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة للحرب

أطلق عدد من المتختصّصين في السياسات العامّة والاقتصاديين اللبنانيين في إطار، “مجموعة العمل المستقلّة من أجل لبنان”، ورقة موقف تتناول التداعيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة للحرب على لبنان، بهدف توفير الاستشارات والتوصيات المستقلّة والفعّالة للتعامل مع هذه التداعيات. وتركّزت خلاصات الورقة على ضرورة “تركيز الأولويات على وقف الحرب بالتوازي مع تأمين الاحتياجات الإنسانية، ورفض أي محاولات مباشرة أو غير مباشرة للتأقلم مع العدوان الاسرائيلي على لبنان، حيث كل يوم إضافي من العدوان يؤدي الى أكلاف إنسانية واقتصادية واجتماعية هائلة وتأثيرات طويلة المدى على إمكانية النهوض والتعافي”.

ووقّع الورقة كل من رشا أبو زكي (صحافية اقتصادية)، جاد شعبان (أستاذ اقتصاد جامعي)، جوان حداد (باحثة اقتصادية، جامعة بروكسل الحرة)، كريم ضاهر (محام وأستاذ محاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، الجامعة اليسوعية)، كنج حمادة (اقتصادي، حلول التنمية الاقتصادية)، رولان رياشي (أستاذ اقتصاد، جامعة باريس)، كريم صفي الدين (باحث في جامعة بيتسبرغ)، علي شلق (أستاذ اقتصاد، الجامعة الأميركية في بيروت)، منير يونس (صحافي اقتصادي، لوريان لوجور)، والزميل في “المدن” علي نورالدين (صحافي اقتصادي).

تداعيات الحرب الاقتصاديّة والاجتماعيّة
في ما يخص تداعيات الحرب الاقتصاديّة والاجتماعيّة، أشارت الورقة إلى أنّه “من المتوقع أن تتخطى الأكلاف الاقتصادية للحرب العشرون مليار دولار، مع توقف النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات في منطقتي الجنوب والبقاع (اللتين تشكلان ثلث سكان لبنان وقوة العمل فيهما)، مع توقع خسائر كبيرة في دخل الأسر وتباطؤ النمو الاقتصادي”. وذكّرت المجموعة بأنّ التقديرات تشير إلى أن “الحرب ستكلف اقتصاد لبنان 70% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 13 مليار دولار، فيما توقف نحو مليون نازح لبناني عن العمل، ما يكبد الاقتصاد خسائر إضافية تتراوح بين 500 مليون دولار إلى مليار دولار.”

وفي الوقت نفسه، ذكّرت الورقة ببلوغ “تكلفة تلبية احتياجات النازحين من إيواء ودواء وطعام وغيرها حوالي ملياري دولار، في حين أن الانكماش وتقلص النمو سيكلف الاقتصاد بين 3 و4 مليارات دولار. إلا أن هذه التوقعات تزيد سوءاً في حال استمرت الحرب أكثر من ذلك.” كما توقّعت أن يزيد “النزوح الكبير للأشخاص من الجنوب ومنطقة البقاع من ضغوط الأسعار على جانب الطلب، مما يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الإيجارات وكذلك أسعار السلع والخدمات الأساسية. كما ستؤدي ضغوط الأسعار إلى تضخيم تأثير التكلفة المرتفعة بالفعل للسلع المستوردة، بسبب ارتفاع تكلفة الشحن الناتجة عن اضطرابات البحر الأحمر.”

ونتيجة لذلك، من المرجح الآن أن “التضخم السنوي سيتجه نحو الارتفاع في الربع الرابع من عام 2024 ليصل في نهاية العام إلى 54%، مقابل توقعات سابقة بأنه سينخفض إلى 26.7% في ديسمبر 2024. ويمكن أن يرتفع التضخم إلى أعلى من ذلك إذا بدأ النقص في السلع الأساسية في الظهور إذا تم تقويض القدرة على تمويل الواردات بشدة.”
ومن المرتقب أن تؤدّي الحرب “إلى تعطيل حاد وطويل الأمد للنشاط في جميع القطاعات، بما في ذلك البناء وتجارة الجملة والتجزئة والفنادق والمطاعم والتعليم الخاص والعام وخدمات الأعمال الأخرى. وقد تأثرت هذه القطاعات، التي تمثل عادة حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني، بالفعل بضعف القدرة الشرائية للسكان منذ بداية الأزمة الاقتصادية والمالية في عام 2019، والآن تسببت الحرب بإيقاف النشاط في المناطق المتضررة.”

وتشير التقديرات التي تستند إليها الورقة إلى أن القطاع الصناعي وصادراته سيشهدان “انكماشاً كبيراً قد تصل نسبته إلى أكثر من 50% خلال الأشهر الـ 12 الممتدة بين تشرين الأول 2023 وأيلول 2024، وتقدر قيمته بمليارَي دولار، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم مع توسع الحرب لتشمل مساحات جديدة خارج المنطقة الحدودية”.
وبشكل عام، واستناداً إلى الوتيرة الحالية للضربات الإسرائيلية منذ أيلول/سبتمبر، فإن الأضرار المادية من جراء قصف المباني قد تصل إلى نحو مليار دولار أميركي شهرياً، مما يجعل إجمالي الأضرار المادية المباشرة في عام 2024 يقترب من 5 مليارات دولار، أي ما يعادل نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي.

توصيات إلى الدولة اللبنانيّة والجهات المانحة
بعد شرح التداعيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المباشرة للحرب، عددت الورقة بعض التوصيات للجهات المانحة والدولة اللبنانيّة، ومنها على سبيل المثال:

– استصدار قانون يعفي كل المساعدات النقدية والعينية المقدمة إلى النازحين أو الجهات التي ترعاهم من أية ضريبة على الهبات (رسوم الإنتقال بموجب المرسوم الإشتراعي رقم 146 تاريخ 12/6/1959) على غرار ما جرى مع إنفجار المرفأ والقانون رقم 194 تاريخ 16/10/2020.

– تشديد رقابة مصرف لبنان على المصارف التجاريّة، للامتثال للتعاميم الصادرة بشأن تنظيم العلاقة مع المودعين، وخصوصًا بالنسبة للمصارف الممتنعة عن تأمين السحوبات الشهريّة بحسب هذه التعاميم. كما يجب رفض بيع أصول الدولة في أي خطة نهوض محلية ودولية.

– الاستفادة من الزيادة في الاحتياطات لدى المصرف المركزي لزيادة السحوبات الشهريّة، وخصوصًا لأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسّطة، لتسهيل التعامل مع الأزمات الناتجة عن الوضع الراهن.

– وضع خطط ملائمة لإدارة سلاسل توريد السلع الحسّاسة، وخصوصًا أدوية الأمراض المزمنة ومستلزمات الأطفال والمواد الغذائيّة الأساسيّة، لمواءمة عمليّات التوزيع مع التغيّر في الطلب الناتج عن أزمة النزوح، والأخذ بعين الاعتبار المخاطر الأمنيّة المحيطة بعمليّات النقل والتوريد.

– دفع بدلات الايجار للعائلات النازحة لتتمكن من الانتقال من المدارس الرسمية إلى السكن في الشقق الفارغة والغرف الفندقية والمفروشة المتوفرة، على أن تتحمل الدولة بدعم من الجهات المانحة كلفة الإيجارات في هذه الشقق.

– تعديل آلية حوكمة وتوزيع المساعدات لتتضمن ممثلين عن ضحايا الحرب والهيئات المحلية والأهلية، على أن يتم وضع الأولويات للمساعدات وطريقة توزيعها بالتشاور والتنسيق مع المستفيدين ومن يمثلهم.

– توجيه برامج دعم مخصّصة للمنتجين المحليين، وخصوصًا في مجال الصناعات الغذائيّة والقطاعات الزراعيّة والأدوية، لتقليص المخاطر التي تحيط بآليّات الاستيراد من الخارج.

وخصلت الورقة بالتذكير بضرورة وضع إحصاءات أوليّة للأسر المتضررة وتلك الموجودة في المناطق التي يُحتمل أن يشملها توسّع الاعتداءات في المستقبل، لتحضير خطط الإجلاء وإيواء النازحين المحتملين، وتفادي تكرار سيناريو النزوح من الضاحية وجنوب لبنان. كما لفتت إلى أهميّة تقديم الدعم التقني للدولة اللبنانيّة، لتفعيل الجباية الضريبيّة، وخصوصًا بالنسبة للقطاعات والمناطق غير المتأثّرة بالاعتداءات، لتمكينها من تغطية أكلاف الاستجابة للأزمة.

مصدرالمدن
المادة السابقةالبنك الدولي: توقّعات حول الاقتصاد والفقر في لبنان
المقالة القادمةاستمرار ارتفاع أسعار المحروقات