يسلط قرار “مجموعة حبتور” بإغلاق فنادقها في بيروت مؤقتاً، الضوء على واقع فنادق لبنان عموماً، والتي شهدت نسبة إشغال استثنائية في أولى أيام العدوان الإسرائيلي، مردها إلى طواقم الصحافيين الأجانب، وموفدي وسائل الإعلام العالمية ومنظمات وهيئات غير حكومية، وأيضاً نازحين لبنانيين من الطبقة الميسورة.
إلا أن الفنادق التي شكّلت ملاذاً آمناً لميسوري بلدات وقرى الجنوب اللبناني أو حتى البقاع وبيروت المستهدفة، لم تكن سوى محطة انتقالية مريحة، تراجعت قدرة الكثيرين منهم على تحمل أعبائها المالية، وخصوصاً مع تمدد الحرب لأكثر من شهر حتى اليوم.
تدقيق بهوية نزلاء الفنادق
استقرت نسبة إشغال الفنادق منذ النصف الثاني من تشرين الأول وفقاً لما تؤكده مصادر أصحاب الفنادق على أرقام متدنية مجدداً، لا يبدو أنها مرشحة للإرتفاع، خصوصاً أن معظم الفنادق استدركت مخاطر عشوائية استقبال أعداد النازحين في الأيام الأولى على توسع العدوان، وقررت أن تقدم الحسابات الأمنية على تصيّد فرصة إشغال الغرف المتاحة.
وإذا سئل موظفو الحجوزات في الفنادق عن غرفة في أي فندق، سيكون الجواب التلقائي أن لا غرف شاغرة، ولكن هذا ليس واقع الحال فعلياً، بل يأتي من ضمن إجراءات احترازية تتخذها إدارات الفنادق، التي تطلب تزويدها بأوراق ثبوتية، يجري التدقيق بها من قبل الأجهزة الأمنية قبل استقبال أي نزيل.
وتأتي هذه الإجراءات وفقاً لما تؤكده مصادر من أصحاب الفنادق بتوافق ضمني بين معظم أصحابها، تجنّباً لخضات أمنية قد تلحق بالفندق وتصيب مناطق تواجدها، خصوصاً أن لا أحد قادر على معرفة من هي شخصيات حزب الله المستهدفة بالعدوان، بينما إسرائيل تلاحق هؤلاء أينما حطوا على الأراضي اللبنانية، وحتى خارجها.
الإشغال الفندقي
في المقابل يؤكد نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر للـ”المدن” أن نسبة الإشغال في بعض الفنادق الصغيرة او “البنسيون” قد تكون مرتفعة قليلاً، ولكن هذه النسبة لا تتجاوز الـ20 في المئة في الفنادق المصنفة ثلاثة نجوم وأكثر. علماً أنه حتى في الفنادق الصغيرة تكون الإقامة مؤقتة بانتظار أن يعود النزلاء الى منازلهم أو يجدوا لهم مكاناً أكثر استقراراً.
تعتبر الأشهر الأخيرة من السنة، كما الأولى، باستثناء فترة الأعياد، موسما ميتاً بالنسبة للفنادق. وهي كانت في الماضي تستقبل السواح الأوروبيين الذين يستفيدون من كلفة السفر المتدنية. إلا أن هؤلاء كما المغتربين الذين يطيلون إقاماتهم الصيفية، اختفوا تماماً هذه السنة، حيث يؤكد الأشقر أن حركة إشغال الفنادق كانت من الأسوأ حتى في عز الموسم، ولم تتجاوز الـ70 في المئة. ومع ذلك أحدثت عملية انعقاد ورش العمل والمؤتمرات في الفنادق بعض النشاط وقد ساهمت بصمودها، إلى أن أخفتها الحرب بشكل نهائي.
من هنا يقول الأشقر “نحن اليوم في حالة حرب، ونواجه تحدياتها”، وهو لا يعتبر أن حركة النزلاء المحلية يمكن أن تشكل سنداً يعوض عن الخسائر، متحدثاً عن أعداد كبيرة من الفنادق التي تعطلت كلياً في مناطق العدوان بدءاً من بيروت وحتى الجنوب، وهذا ما يجعل القطاع بحال كارثية.
طبقية الإيواء
لا شك أن الحركة التي شهدتها الفنادق الفخمة في أيام الحرب الأولى كرست نوعاً من الطبقية التي لا ينفيها نزلاؤها من النازحين. فالحديث هنا عن كلفة إقامة ليوم واحد لا تقل عن المئة دولار، ولا تتضمن سوى وجبة فطور يمكن ان يستفيد منها كافة أفراد العائلة، بينما العدد الأكبر من النازحين الذين إستقرّوا في مراكز الإيواء لم يعودوا قادرين حتى على تأمين قوتهم اليومي، خصوصاً أن قسماً كبيراً منهم فقد مصدر رزقه في المناطق التي نزح منها أو في غيرها من المناطق التي تتعرض لعدوان.
تقول نور، وهي أم لطفلين نزلت في أحد الفنادق مع مساعدتها المنزلية، “أننا خرجنا من بيتنا من دون قطعة ثياب، ظناً منا أننا عائدون في اليوم التالي أو بعده على أبعد تقدير، ولكن اليوم التالي تمدد الى شهر حتى الآن، وبات علينا تأمين احتياجاتنا بابتياعها، هذا بالإضافة الى نفقات الطعام والشراب اليومية، والتي تعتبر باهظة إذا لم تعتمد على مونة البيت وحواضرها”. وبالتالي تقدر نور كلفة نزولها في الفندق لمدة شهر بنحو خمسة ألاف دولار حتى اليوم. يتحمل زوجها المغترب أعباء هذه الإقامة الآمنة مع أشقائها كما تقول، وهذا حال عدد آخر من نزلاء الفنادق، وخصوصاً من المتقدمين في السن، الذين حجزت لهم الغرف مع مساعدين منزليين، ويؤكدون أنهم ما كانوا سيغادرون البيت لولا إلحاح أولادهم الذين يعملون في الخارج، وعلى نفقتهم.
يشير الدكتور ياسين وهو صاحب صيدلية ببلدة تمنين التي تتعرض لقصف يومي، إلى أن النزول في فندق لم يكن المخطط النهائي، وأن عائلته التي تضم طفلين بالإضافة الى زوجته ووالدتها، أرادت منذ اليوم الأول أن تستأجر منزلاً. وتضيف زوجته أنهم قوجئوا “بأجرة خيالية يطالب بها أصحاب المنازل، بمقابل بيوت لا تصلح لسكن الفئران”. ويقول ياسين “بيوتنا في قرانا من أجمل البيوت وأفخمها، ونعم نحن معتادون على نمط حياة يصعب تبديله، ومع ذلك إذا طالت الحرب لأسابيع وحتى أيام إضافية سنقبل بما توفر، لأن إقامة الفندق، رغم كل الإمتيازات التي توفرها أرهقتنا الى أبعد الحدود”.
تبدو سيدة أخرى ممتنة لكون عمل زوجها لم يتأثر بالحرب، وبالتالي هي لا تزال تملك رفاهية الإقامة بالفندق، ولكنها تقول بأن أولادها يسألونها يومياً عن غرفهم في المنزل، وعن الأصدقاء بالمدارس. لذلك وإن كانت تعترف بأنها أكثر حظاً من أقرباء لها وأصدقاء استقروا في مراكز الإيواء، إلا أنها ترى أن “أثار الحرب مدمرة لنا جميعاً، وأعباؤها كبيرة ولم نعد متأكدين من قدرتنا على تحملها.”