لن يُشكّل وقف إطلاق النار إذا تمّ في وقتٍ قريب نهاية لمأساة اللبنانيين، لأنّ منهم من خسر أحبّة ومنهم من خسِر منزله أو مؤسّسته التجاريّة أو الصناعيّة. لكن، في نظرة سريعة على “الخراب” الذي لحق بالأبنية في الجنوب والضاحية والبقاع، إضافة إلى مناطق أخرى متفرّقة، يتبيّن أن حجم التدمير يفوق الوصف. الدمار، استناداً إلى تقديرات الخبراء الأولية، لا يقتصر على المباني التي سويت بالأرض بل يطاول الأبنية المُحيطة بها والتي باتت مُهددة بالسقوط.
تُوضح رئيسة “الهيئة اللبنانية للعقارات” المحامية أنديرا الزهيري أنّ “عدد الأبنيّة المدمرّة تخطّى ما يُقارب الـ 40 ألف مبنى، كما أنّ هناك حوالى 37 قرية جنوبيّة سوّيت بالأرض”. وعليه، رجّحت الزهيري بأن “يفوق عدد الأبنية المدمرّة الـ 200 ألف” ، لافتةً إلى أنّ “هذه التقديرات يتمّ تداولها في الوكالات الدوليّة والمحليّة وهي قريبة إلى الواقع بل في تزايد مُستمرّ”.
لا أرقام رسميّة
وتؤكّد الزهيري لـ “نداء الوطن”، أنّ “لا أرقام رسميّة ولا إحصاءات مؤكّدة أو نهائيّة حتى يومنا هذا في ما يتعلّق بعدد وقيمة الأبنية المهدّمة وحتى المُتضرّرة بضرر جزئي أو كلي”، لافتةً إلى “أنّنا قبل الحرب كنا نُشدّد ونُطالب البلديّات بالقيام بعمليات مسح للأبنية التي تقع في نطاقها”.
وأوضحت أنّه “كان لدينا رقم تقريبي قبل الحرب على جميع الأراضي اللبنانيّة يتراوح ما بين 16 ألفاً إلى 18 ألف مبنى مُهدّدة بالسقوط، إضافةً إلى المسح الجزئي الذي قام به الجيش اللبناني ونقابتا المهندسين في بيروت والشمال في منطقة المرفأ والمناطق والأحياء المحيطة بها،بعد حادثة تفجير المرفأ في 4 آب حيث نتجت عنها أرقام تُقارب 83 ألف وحدة وهي تشمل عدداً من عقارات متنوّعة هدّمت أقسام منها، كليّاً أو جزئيّاً، بما فيها المؤسسات والبيوت والشقق والمدارس والمستشفيات والأبنية التراثيّة، وبالإضافة إلى محافظة الشمال وطرابلس بعد تأثّر الأبنية من جرّاء الزلزال الذي ضرب تركيا، لا سيّما أنّها أبنية قديمة وذات طابع تراثي وأثري، فقد أعطت البلدية رقماً أوليّاً أنّ هناك حوالى 4000 مبنى مُهدّدة بالسقوط”.
أَضرار الحرب
وتُشير إلى ما تسبّبت به الحرب من دمار وأضرار إضافية، وإلى “هول الحرب المدمرّة والتي استخدمت فيها أسلحة ممنوعة و”محرّمة” دوليّاً، حيث لم تفرّق بين أهداف مدنيّة أو تراثيّة أو أثريّة أو صحيّة أو تربويّة وغيرها. في الجنوب تضرّر أو دُمّر ما لا يقل عن 5868 مبنى، نصفها تقريباً بلغت أضراره ما يُقارب الـ 80%، ناهيك عن نحو 29 قرية ومدينة تمتدّ على طول 120 كيلومتراً من الناقورة غرباً إلى شبعا شرقاً، دُمّر معظمها بشكل كلي، لا سيّما عيتا الشعب، وكفركلا، والعديسة، وحولا، والضهيرة، ومروحين، ومحيبيب والخيام”.
“آلية عمل”
وتُشدّد الزهيري على “ضرورة وضع آلية عمل من أجل إعادة مسح الأبنيّة وتحديد وإظهار الحدود وإعادة النظر بالكشف الحسي والدقيق لجميع الأبنيّة في المناطق الحدوديّة الجنوبية المدمرة بعد أنْ محا العدوان الغاشم حدود العقارات الممسوحة وغير الممسوحة، وأخفى معالم حدود كل عقار ومساحته الواقعية على الخرائط الرسمية، بالإضافة إلى ذلك إعطاء أولويّة الكشف على الأبنية المحيطة والموازية للمناطق المُتضرّرة من جراء العدوان والأقدم منها حرصاً على سلامة الناس وتفادياً للقنابل الإسمنتيّة الموقوتة وتجنبّاً لانهيارها على رؤوس الشاغلين الآمنين منهم والهاربين من القصف والعدوان. مع توصيف حالة ووضع البناء من الأخطر إلى الأقلّ خطورة ليسمح بعد ذلك في تحديد الأبنية القابلة للترميم أو التدعيم أو الهدم وهذا سيُساهم بشكلٍ كبير في عودة الناس إلى منازلهم”.
أزمة عقارية معقدة
وسط كل هذه الأزمات والأجواء، تشير الزهيري إلى أنّ “لبنان يُواجه أزمة عقارية مُعقّدة، لا سيّما في ظلّ الدمار الهائل الذي يتطلّب سنوات لإعادة الإعمار، في وقت يغيب فيه دور المؤسّسة العامة للإسكان وغياب قروض الإسكان المُنظمّة”.
نزاعات وتوتّرات؟
وفي هذا الإطار، أعربت عن “تأييدها لمقترح وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين بشأن البيوت الجاهزة”، مشيرةً إلى أن “الهيئة تناولت هذا الحلّ منذ بداية مشكلة انهيار الأبنية”، مؤكّدة أنّه “إذا لم تضع الدولة خطة إنقاذ شاملة على كافّة الأصعدة، فإنّنا سنُواجه نزاعات وتوتّرات على الصعيد العقاري لجهة إظهار الحدود والتحديد والتحرير المتبعة في المساحة، خاصة في ظلّ سياسة الأرض المحروقة التي يُمارسها العدوّ وتلاشي معالم القرى والمدن من بنيتها التحتية وفقدان كل منطقة عقارية مكانها الجغرافي”.
ولفتت الى أنْ “انتهاك الحق والاعتداء على الأرض يشكّلان جريمة في حق الإنسانية”، معتبرةً أنّ “التهجير والنزوح القسري وغيْر المنظم سيفاقمان الأزمة، وقد يؤديان إلى الاستيلاء على البيوت المُغلقة والأبنية المهجورة، واستغلالها من قبل عصابات العقارات التي تستغل أيّ ثغرة أو شائبة في وضع أيّ عقار لتستولي عليه والتصرّف به من دون علم أصحابه، وهذا مُقلق وهو شكل آخر من أشكال الإحتلال والتعدّي على الملكيّة الفردية المصانة في الشرعات الدولية والدستور”.
وختمت الزهيري حديثها، مُشدّدة على “ضرورة إيجاد حلول سريعة للحدّ من تفاقم الوضع الراهن وقبل أن تصل الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه”.