الدفعات الشهرية للمودعين… هذه دوافعها

منذ نحو 3 أشهر حتى اليوم، جرت العادة أن يصدر مصرف لبنان بياناً يعلن فيه نيته تسديد أكثر من دفعة شهرين للمودعين المستفيدين من التعميمين 158 و166. هذه الدفعات يضعها البعض في إطار مساعدة الناس خلال الحرب. هذا الكلام صحيح، لكن ثمة دوافع أخرى لمصرف لبنان، لاتّباع هذا النهج.

للمرة الثالثة على التوالي، يقر المجلس المركزي في مصرف لبنان دفعات إضافية للمودعين المستفيدين من التعميمين 158 و166، وذلك على هامش الحرب المدمّرة بين إسرائيل و”حزب الله”، والتي انتهت باتفاق بين الطرفين بوساطة غربية.

هذه الدفعات لا تأتي من عبث، ولكنّها تحمل أهدافاً وكذلك إشارات حول الوضع النقدي في البلاد، والتي يمكن اختصارها كلّها بالنقاط التالية:

1- الهدف من هذه الدفعات لم يعد من أجل دعم المودعين المستفيدين من التعميمين المذكورين أعلاه في ظلّ الحرب، بقدر ما أمست “حاجة” للمصرف المركزي من أجل ضبط سعر صرف الليرة، وبثّ الطمأنينة في نفوس اللبنانيين. خصوصاً خلال الحرب الإسرائيلية (منذ شهرين حتى اليوم) التي خلقت “صدمة نفسية” لدى الناس، ولو كانت طفيفة إلاّ أنّها دفعت ببعضهم نحو الإحجام عن دفع الضرائب إلى حين استبيان مسار الحرب، وكذلك التخلّي عن الليرات لصالح الاستحواذ على الدولارات. وقد استمرت هذه الحال قرابة أسبوعين قبل أن تنحسر ويعود الأمر إلى ما كان عليه قبل أيلول، وذلك بحسب ما تؤكد مصادر مصرف لبنان لـ”نداء الوطن”.

2- الدفعات الشهرية بموجب التعميمين، تأتي في ظلّ التزام مصرف لبنان بسياسة عدم التدخل في السوق من أجل ضخ الدولارات بواسطة المصارف شبه المشلولة والمعطلة اليوم. وبالتالي، فإنّ “المركزي” يلتزم بضخّ تلك الدولارات بطريقة غير مباشرة، وبواسطة قناتين، هما: الدفعات الشهرية للمودعين، وموظفي القطاع العام.

3- حجم هذه الدولارات يصل إلى نحو 340 مليون دولار، وهو مقسّم كالتالي: دفعتا المودعين بقيمة 200 مليون دولار (100 مليون عن كل دفعة شهرية) ورواتب موظفي القطاع العام والمقدّرة بدورها بحوالى 140 مليون دولار. المدقّق في هذا الرقم يكتشف سريعاً أنّه أكثر من نصف الكتلة النقدية بالليرات اللبنانية الموجودة في السوق حالياً. فتلك الكتلة مقدّرة بما يعادل 550 مليون دولار (نحو 62%). وهذا بدوره يؤشر إلى أنّ هذه الدفعات التي تُبصر النور مطلع كل شهر، تُغرق السوق بالدولارات… وهو ما يؤدي إلى استقرار سعر الصرف.

4- لا يخسر مصرف لبنان هذه الدولارات. بل على العكس فإنّه يعود إلى امتصاصها مجدداً، وذلك من خلال “خلق” طلب على الليرة اللبنانية من خلال الضرائب والرسوم. نتيجة شحّ الليرات في أيدي اللبنانيين، يلجأ جميع المستوردين والمواطنين العاديين إلى صرف الدولارات لدى الصرافين من أجل دفع الضرائب والرسوم لدى شبابيك الصناديق في وزارة المالية. هذا بدوره يخلق طلباً مصطنعاً على الليرة يمكّن المصرف المركزي من امتصاص دولاراته نفسها التي سبق وضخّها مطلع الشهر.

هذه السياسية ليست مثالية بالتأكيد. لكّنها “الحدود الدنيا” التي يستطيع مصرف لبنان التدخل من خلالها من أجل ضبط سوق القطع، والحفاظ على ما تبقّى من قيمة وسُمعة الليرة اللبنانية التي سنعود إلى استخدامها وحدها يوماً ما… متى يأتي هذا اليوم؟

الجواب يتعلّق بهمّة السلطة وإرادتها لإعادة تكوين نفسها مجدداً وخصوصاً العمل على السير بالإصلاحات بجدية.

مصدرنداء الوطن - عماد الشدياق
المادة السابقةلاغارد للقادة الأوروبيين: اشتروا المنتجات الأميركية لتجنب حرب تجارية مع ترمب
المقالة القادمةموازنة 2025 تترنّح: ما البديل؟