مع وضع نقطة النهاية للحرب التي استنزفت البلد على مختلف الأصعدة البشريّة والاقتصاديّة، التربويّة والإستشفائيّة، يعود الاهتمام بالجانب الاقتصادي والمالي إلى الواجهة مع ما يحتاجه الوضع الراهن من متطلّبات إضافيّة لإعادة الإعمار والنهوض. وبالتالي أصبح من الملح الالتفات إلى الموازنة التي أقرّتها الحكومة قبل بدء العدوان الإسرائيلي والتي لم تعد صالحة بأرقامها كافة. فهل تستعيد الحكومة الموازنة لتصحيح الأرقام؟ وكم سيبلغ العجز؟ والأهم من أين سيتمّ سدّ العجز المتوقّع؟
“هذه الموازنة هي بمثابة تقرير محاسبة جاء عن نفقات الدولة ووارداتها المقدّرة لعام 2025 دون الأخذ بعيْن الاعتبار عند تقدير أرقامها وضع لبنان في ظلّ الحرب. بهذه الخلاصة تصف عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائبة غادة أيوب لـ “نداء الوطن”، مشروع الموازنة. وتضيف: “هي أيضاً كما العام 2024 وما قبل، لم تعتمد أيّ رؤية اقتصاديّة أو خطّة اقتصاديّة – اجتماعيّة تُساعد على وقف الانهيار وتُحفّز النمو الاقتصادي”.
لا اعتمادات مُرتبطة بالواقع!
وإذْ تلفت أيوب إلى أنه “صحيح أنّها جاءت مُغايرة، لأنها تضمنت فقط 50 مادّة ولم يتمّ حشوها بفرسان موازنة كثيرة، كما جاءت ضمن المُهلة التي يسمح لمجلس الوزراء بأن يصدرها بمرسوم في حال لم يقرّها مجلس النواب خلال العقد العادي والعقد الاستثنائي”، لكنّها تأسف أنّه “بالرغم من كل هذه الإيجابيّات، هذه الموازنة خلت من أيّ اعتمادات مرتبطة بالواقع، والواردات المُقدرة وهميّة. وتؤكّد وزارة الماليّة أنّها لن تستطيع تحصيل أكثر من نصف وارداتها المقدرة. إذْ تُقدّر الواردات في مشروع موازنة 2025 بحدود 4.08 مليارات دولار، بينما التوقّعات تُشير إلى تراجع هذه التقديرات بسبب الحرب إلى رقم يتراوح بين 2.4 إلى 2.8 مليار دولار كإيرادات محتملة في العام 2025″.
لا تشمل نفقات الإغاثة
تضيف: “بالتالي نفقات موازنة 2025 التي لا تشمل نفقات الإغاثة والنازحين والخسائر التي حصلت نتيجة هذه الحرب، تشمل النفقات الأساسيّة الجارية للدولة اللبنانية، والتي لا يُمكن تغطيتها. من هنا بالطبع لدينا عجز. وللأسف الدولة اللبنانيّة غير قادرة على الاستدانة لا من الداخل ولا من الخارج لتغطيته، وهنا السؤال، ماذا سيكون مصير هذه العجوزات وإلى أيّ مدى سيبقى مصرف لبنان صامداً في وجه إقراض الدولة”.
لذلك، ترى أيوب أنّه “يجب تخفيض النفقات بحدود الإيرادات المتوقّعة وعدم القبول بزيادة أعباء ضريبيّة على اقتصاد تأثر سلباً بالحرب خاصة أنّ الكلفة الاقتصادية للحرب كبيرة”.
أموال “الإيواء والتعويضات”
تختم أيوب: “تجدر الإشارة إلى أنّ الموازنة الوهميّة أفضل من اللاموازنة، لكن هذه الموازنة بالرغم من أنها وهميّة وتقديرات النفقات والواردات فيها لا تعكس الواقع الحقيقي للماليّة العامّة في الدولة، لكنها أفضل من أنْ نعود إلى الإنفاق وفق القاعدة الإثنتيْ عشرية، خاصة في ظلّ الحرب التي كانت دائرة على الأراضي اللبنانية، لأنه عام 2006 كنا في ظلّ موازنات إثنتيْ عشرية واستمرّت الدولة دون موازنات من العام 2006 حتى 2017. لذلك، كي لا يتكرّر السيناريو نفسه، وحتى لا نعود إلى عدم وجود موازنات، أنا مع أنْ يكون لدينا موازنة ولو كانت لا تعكس الأرقام الحقيقيّة، لكنّنا على الأقل نحدّد سقفاً للإنفاق ونتمكّن من القيام برقابة فعليّة على كيفيّة صرف هذه الأموال ومصدرها.
وتلفت الى “أننّا في المرحلة المُقبلة أو في اليوم التالي للحرب، سيكون لدينا صندوق خاصّ لإعادة الإعمار كما أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ليستقبل كل الهبات والمساعدات والقروض التي ستُساعد في إعادة الإعمار. من هنا، يجب فصل كل أموال الإيواء والنزوح والهبات والتعويضات عن الموازنة العامّة كي يكون هناك شفافيّة لجهة أين ذهبت الأموال وهل ذهبت إلى أصحاب الحقوق، كي لا ندخل مُجدّداً في النتائج التي شهدناها على مدى 12 سنة من بعد الـ2006. هذه نقطة يجب أنْ ننبّه لها لأنهم على ما يبدو يُريدون العودة إلى الانفاق وفق القاعدة الإثنتيْ عشريّة وهكذا يتحجّجون بأن النفقات لا تكفي ويفتحون الإنفاق على قدر ما يُريدون، وهذا ما يجب أنْ نتصدّى له”.
“نسخة عن عام 2024”
من جهته، المدير العام السابق للمحاسبة العموميّة في وزارة المالية د. أمين صالح يعتبر أن “مشروع موازنة عام 2025 هو نسخة طبق الأصل عن موازنة 2024. فليست موازنة إصلاح أو إنقاذ أو تطبيق قوانين أو تنفيذ لخطّة تعافٍ اقتصادي واجتماعي. هذه الموازنة هي فقط عبارة عن زيادة للضرائب والرسوم، والتي تصل إلى حدود 428 ألف مليار، بالتالي زيادة حوالى 120 ألف مليار على موازنة 2024″.
حجم الواردات 410 آلاف مليار
ويُوضح صالح لـ “نداء الوطن”، أن “حجم واردات السنة الماضية كان حوالى 308 آلاف مليار، أمّا اليوم فوصل إلى حوالى 410 آلاف مليار وبالتالي هذه الزيادة هي في الضرائب والرسوم التي سيتحملها الشعب”، متطرقاً إلى نسبة الضرائب غير المباشرة “التي وصلت إلى 82% وهي تضمّ الرسوم الاستهلاكيّة على السلع، ورسوم الجمارك والاستيراد والزيادة في الضريبة على القيمة المُضافة التي ارتفعت بحوالى 40% من 100 ألف مليار إلى 140 ألف مليار. هذا إلى جانب الزيادة في الرسوم الجمركيّة والإداريّة لا سيّما في الجامعة اللبنانية التي زادت حوالى 4000 مرة. هذه الرسوم غير المُباشرة تُوازي حوالى 312 ألفاً و296 ألف مليار ونسبة الزيادة 1587%.
أمّا الزيادة في الضرائب المباشرة فيلفت إلى “أنها وصلت إلى حوالى 63 ألفاً و768 ملياراً مع زيادة بنسبة 745% مُقارنةً مع عام 2022”.
إذاً يرى صالح أن “الموازنة الجديدة فيها حوالى 17 ألفاً و500 مليار ليرة قيمة الواردات الاستثنائية. ما يعني العودة إلى عجز الموازنة والاستقراض، وبالتالي العودة إلى إفقار الشعب بعد أكثر”.
ويُشير إلى أن “الزيادة في الضرائب والرسوم وقيمتها حوالى 110 آلاف مليار دولار أي 110 تريليون ليرة لبنانية، ليست ناتجة عن زيادة في معدلات الضرائب ولا عن زيادة في ضرائب جديدة أو فرض ضرائب جديدة، والسؤال هنا كيف ستُحصّل الدولة هذه الزيادة؟ نتحدث عن إعداد مشروع موازنة حصل قبل توسع الحرب، وكان مضمراً أنّ الحكومة ستأتي بهذه الزيادة عن طريق زيادة سعر صرف الدولار على الليرة اللبنانية. وهذا الموضوع شديد الخطورة في ظلّ انعدام النمو الاقتصادي ما قبل الحرب، أمّا بعد هذا التدمير الهائل على ما بقي من الاقتصاد اللبناني كيف ستتمكّن الحكومة من تأمين هذه الإيرادات؟”.
“موازنة القهر”
يختم صالح: “موازنة 2025 بالأساس كان يجب أن تكون شفّافة، فيها على الأقلّ حدّ أدنى من البعد المالي والاقتصادي مترجم بخطّة. أما الآن فلا يجوز أبداً أن تقدم السلطة على إقرارها… إنها موازنة القهر وإذلال المواطن”.