تسعى الشركات الخليجية إلى ترسيخ وجودها في أفريقيا عبر قطاعات الطاقة والبنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية، مع التوسع في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية الرقمية، بالإضافة إلى مشاريع التصنيع والخدمات المالية.
ويؤكد جورج أسانتي، رئيس قسم الأسواق الأفريقية في مجموعة سيتي غروب الأميركية، أن المستثمرين يتوجهون إلى دول مثل كينيا لتعزيز الأمن الغذائي في الخليج، وإلى جنوب أفريقيا لإبرام صفقات في مجالات الصناعة والطاقة المتجددة لتنويع اقتصادات بلدانهم بعيدا عن النفط.
وأوضح أسانتي في مقابلة مع بلومبيرغ “توجد صفقات قيد التنفيذ”، دون الكشف عن التفاصيل، لكنه أشار إلى أن مجموعته، التي تعمل في 15 دولة أفريقية مع أكثر من 70 متخصصا في أقسام المبيعات والتداول، منشغلة بتسهيل الاستثمارات العالمية إلى القارة.
وينضم المستثمرون الخليجيون إلى شركات أميركية وصينية في البحث عن صفقات في أفريقيا، التي تعد موطنا للمعادن شديدة الأهمية للتحول إلى مصادر طاقة أنظف ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية المنتجة للحبوب وغيرها من المواد الغذائية.
وتعهدت شركات من منطقة الخليج باستثمارات بقيمة 53 مليار دولار خلال العام الماضي فقط، مقابل قيمة الاستثمارات البالغة 100 مليار دولار خلال 10 سنوات، حسب المنتدى الاقتصادي العالمي.
ويتوقع المنتدى في تقرير منشور على منصته الإلكترونية واطلعت عليه “العرب” أن تنمو قيمة الشراكة الاقتصادية الجديدة بين دول الخليج والقارة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.
وفعليا، بدأ القطاع الخاص السعودي في تنفيذ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار في القارة، ضمن استثمارات إجمالية من المتوقع أن يضخها بقيمة 25 مليار دولار في القارة خلال السنوات العشر المقبلة، بحسب تصريح سابق لوزير المالية محمد الجدعان.
وأصبح الاهتمام السعودي بالاستثمار في أفريقيا واضحا منذ أشهر، بعد أن خصصت الحكومة للقارة أكثر من مليار دولار ضمن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الإنمائية. وعلى سبيل المثال تجري مجموعة الزاهد السعودية ضمن مستثمرين آخرين محادثات في جنوب أفريقيا لشراء شركة بارلوورلد التي تقوم بتوزيع معدات كاتربيلر في أسواق القارة.
بدورها تكثف دولة الإمارات جهودها لتحقيق أهدافها من خلال القطاعين العام والخاص، فسارعت قبل أشهر إلى إنقاذ الاقتصاد المصري بصفقة رأس الحكمة التي تبلغ قيمتها 35 مليار دولار، ما يمثل 7 في المئة من الناتج الإجمالي لأكبر بلد عربي من حيث السكان.
كما تعتزم الإمارات استثمار مبلغ مشابه في دول أفريقية أخرى إذا سنحت فرصة جديدة، وفق ما يؤكده المسؤولون طيلة الفترة الماضية.
وفي مجال الطاقة تتنافس شركة أدنوك الإماراتية مع أرامكو السعودية لشراء أصول شركة شل للطاقة لدى قطاع التكرير والتسويق والكيماويات في أكثر دول القارة نموا، حسبما ذكرت بلومبيرغ في وقت سابق.
ورغم أن بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر تحتسب المبالغ المتعهد بها وليس المنفقة بالضرورة، يبدي الخبراء ثقتهم بأن الإمارات ستصبح أحد أكبر مصادر الاستثمار الأجنبي في القارة خلال السنوات الخمس المقبلة، بناء على الصفقات التي شهدتها.
ووفق وحدة أبحاث إيكونوميست البريطانية، وصلت استثمارات دول الخليج في أفريقيا إلى مستوى قياسي خلال العامين الماضيين قدره 113 مليار دولار، منها 60 مليار دولار في عام 2022، ما يجعلها تفوق بكثير استثمارات آسيا وأميركا الشمالية وأوروبا.
ويعتقد أسانتي أن الانخفاض “الهائل” في قيم الأصول لدى دول مثل مصر ونيجيريا وأنغولا يوفر فرصة مربحة للمستثمرين، إذ إن الاستثمارات الوافدة من الولايات المتحدة آخذة في الارتفاع أيضا، وخاصة في قطاع المعادن شديدة الأهمية.
وخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024، سهلت الحكومة الأميركية إبرام أكثر من 400 صفقة بقيمة 32.5 مليار دولار، حسب أحدث البيانات الصادرة عن بروسبر أفريكا.
لكن المخاطر السياسية مثل النزاع في موزمبيق الغنية بالغاز قد تثني بعض المستثمرين. كما أن احتجاز المديرين التنفيذيين الأجانب في نيجيريا ومالي يمثل مصدر قلق آخر للشركات.
واعتقلت الحكومة الخاضعة لسيطرة الجيش في مالي أربعة موظفين من شركة بايرك غولد مع تصاعد النزاع حول عملياتها التعدينية المحلية، في حين اعتقلت نيجيريا المسؤولين التنفيذيين في شركة بينانس هولدنغز.
وتواجه بلدان القارة فجوة تمويل سنوية تبلغ حوالي 402 مليار دولار حتى عام 2030، وهي مبالغ ضرورية “لتسريع التحول الهيكلي واللحاق بالدول النامية عالية الأداء في مناطق أخرى من العالم”، حسب البنك الأفريقي للتنمية.
وتُساعد تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الدول الأفريقية على تنويع مصادر تمويلها بعيدا عن طرح السندات الدولية والتمويل التفضيلي بشروط ميسرة، وقد تكون فرصة للدول لتقليل اعتمادها على التمويل بالدولار.
ويؤكد أسانتي أن أسواق السندات الدولية بدأت تفتح أبوابها أمام العديد من الدول الأفريقية مثل الكاميرون وكينيا وبنين والكوت ديفوار. ولكنه أشار إلى أنه بعد حالات التخلف عن السداد التي شهدتها بعض الأسواق في الماضي، أصبحت الدول أكثر حذرا عندما يتعلق الأمر بإدارة التزامات الديون.
وتتعرض دول القارة للكثير من المخاطر عند تراكم ديونها بالعملات الأجنبية، ونتيجة لذلك، يتجه العديد منها إلى تحويل ديونها من العملات الأجنبية إلى عملات أخرى يسهل عليها التحكم بها وإدارتها لتقليل تلك المخاطر.
وأوضح أسانتي أن الحكومات والقطاع المصرفي والمؤسسات الكبرى مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ينبغي أن تعمل على الحد من اعتماد أفريقيا على العملات الأجنبية لتمويل الديون.
وتتزايد المطالبات الداعية إلى ضرورة بناء حكومات القارة الأطر والأدوات اللازمة للتعامل مع مخاطر الديون على وجه السرعة، ومواجهة الأزمات التي تطرأ على ميزانيتها العمومية بسبب تقلبات العملات الأجنبية.
كما يرى الخبراء أن تقليل الاعتماد على القروض المقومة بالدولار يجب أن يكون أولوية لهذه الدول، إذ تواجه خطرا بأن تقع في أزمات ديون محتملة كل بضع سنوات حال عدم إيجاد حلول بديلة تنقذها من مشاكلها المتراكمة بفعل الصدمات سواء الخارجية أو الداخلية.