لا شكّ أن سقوط النظام السوري، مساء السبت الماضي، شكّل صدمة حقيقية بالنسبة للمجتمع العربي، الذي لم يتوقّع أن تضع بضعة أيام حداً لحقبة كاملة، حكم فيها آل الأسد سوريا على مدى أكثر من خمسين عاماً، ولا شكّ أيضاً أن سوريا، منذ بدء الحرب في العام 2011، بدأت تعاني إقتصادياً وإستكملت تلك المعاناة، في العام 2016، مع اقرار قانون قيصر..
مع سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد، بدأت الانظار تتجه إلى المرحلة الجديدة التي لا تزال حتى الساعة مجهولة. وتشرح مصادر مطلعة أن سوريا متجهة إما إلى دولة مركزيّة فيها إنفتاح، أو إلى دولة فيديرالية وكل منطقة لديها من يحكمها، ولكن بالمطلق واياً يكن نوع النظام القادم، فإذا لم يسيطر الجيش السوري والقوى الامنية الشرعية على أرضه، فإن هذا سيشكّل مشكلة كبيرة ولن يفتح باب الاستثمارات. وبالتالي السؤال الأبرز المطروح اليوم: ماذا ينتظر سوريا من الناحية الاقتصادية بعد سقوط الأسد؟.
طبيعة النظام القادم
الأمر له علاقة بطبيعة النظام السوري الذي سيأتي، فإذا كان هناك قبولا دوليًّا على المستقبل فإن سوريا ستنتعش حكماً، أما إذا لم يكن كذلك فستبقى كما هي. ويلفت الخبير الإقتصادي جاسم عجاقة إلى أن “القوانين السوريّة بحاجة في البداية إلى السماح بالإقتصاد الحرّ، مثلاً في لبنان إذا كان هناك من شخص لديه 100 الف دولار واستثمرهم في البلد لا يُمكن لأحد أن يمسّه، أما في سوريا حالياً لا يُمكن أن يحصل ذلك”. ويضيف: “هناك مخاوف من موضوع الفصائل المسلّحة، وبحسب ما يبدو فإن هناك التوجه الدولي لأن الجيش السوري لم يقاتل، ولكن ورغم ذلك فهذا المشهد يخيف المستثمرين”، ويشير إلى أن “العامل الثالث هو نزع الالغام وإلا كيف يمكن العمل”.
بدوره، يلفت الخبير الاقتصادي ميشال فياض إلى أن “الاختفاء المفاجئ لهياكل الدولة قد يؤدي إلى فراغ إداري، ينسحب إلى تعطيل القطاعات الأساسية، مثل الطاقة والنقل والأمن الغذائي، ومن الممكن أن تؤدي حالة عدم اليقين السياسي إلى تسريع هجرة المستثمرين ورجال الأعمال والمهنيين المؤهلين”، مشيراً إلى أن “عدم الاستقرار الذي طال أمده قد يدفع إلى مزيد من انهيار الليرة السورية، وتفاقم التضخم وزيادة تكلفة الواردات”.
سوريا بين 2000 و2010
ويعود عجاقة إلى مسألة إنعكاس الارتياح على الوضع الاقتصادي، ويشير إلى أن “بشار الأسد، من العام 2000 ولغاية 2010، إنفتح على الأسواق، الأمر الذي أدّى إلى إرتفاع الناتج المحلّي من 20 مليار دولار إلى 60 مليار دولار في العام 2010، أي قبل اندلاع الحرب في سوريا، وهذا نموذج بسيط عن أن الاستثمارات يُمكن أن تعطي مفعولها فوراً”.
“ولا يُمكن أن ننسى التنافس الجيوسياسي بين الدول الذي سيؤثّر حتماً، لأنهم جميعاً يريدون الدخول في موضوع إعادة الإعمار”. هنا بحسب عجاقة، فإنه “لدينا المموّل الطبيعي لاعادة الاعمار وهو الخليج، يليه الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، أما الصين وإيران روسيا فهناك فيتو عليهم”. وبالتالي يلفت عجاقة إلى أنه “في حال عدم وجود اتفاق دولي على النظام السوري المقبل، فستسوء الأحوال في سوريا مما سينعكس على الوضع في لبنان الّذي لن يكون جيّداً، لأن عمليات التهريب ستبقى قائمة والعقوبات لن ترفع”. هذا ما يشير اليه فياض أيضاً، لافتاً إلى أن “أي حالة من عدم الاستقرار في سوريا، قد تؤدي إلى تعطيل طرق التجارة البرية”.
التأثير على الاقتصاد اللبناني
وللبنان حصّة من الذي سيحصل في سوريا. حسب المصادر الّتي تشرح أنه “في حال رضي المجتمع الدولي عن النظام السوري الجديد وبقي وضع لبنان على حاله، أي لم يتمّ إنتخاب رئيس للجمهورية ومحاربة الفساد أو القيام بالاصلاحات، ستحصل عملية ضخّ عشرات المليارات في سوريا ولن يستفيد لبنان والعكس صحيح”، لافتة إلى أنه “عند خروج عدد من السوريين سمعنا الكثير من الكلام عن إمتنان السوريين للبنانيين، وبالتالي فإن قسما من المشاريع المستقبلية ستكون لشركات لبنانيّة، ما يعني أن إعادة الاعمار يمكن أن تشكّل رافعة”.
وتوضح المصادر أنه “في حال بدأت مرحلة البناء فإن الموانئ السورية لن تكفي، حيث ستكون بحاجة لللاستعانة بالموانئ اللبنانية، وهنا يجب التذكير أن قانون قيصر الّذي يطال بالعقوبات على من يتعامل مع النظام السوري، لم يعد هناك من منطق على ابقائه”، معربة عن اعتقادها أنه “ورغم ذلك لن يُزال قانون قيصرحتّى تتّضح معالم الصورة المقبلة”.
إذا لا تزال المرحلة القادمة في سوريا ضبابية، ويبقى الأساس رضا المجتمع الدولي على النظام السوري المقبل، ومعه يتقرر مصير الاقتصاد: الازدهار أو مزيد من الإنهيار…