بعد السابع من أكتوبر في عام 2023، راهن القطاع السياحي في لبنان على حركة من العراق ومصر والأردن، فيما سجلت السياحة الأجنبية صفراً في الحضور. وظلّ الثقل الأساسي متّكلاً على اللبنانيين المغتربين الذين يزورون بلدهم وينفقون فيه. وبعد 14 شهراً، ومع توقف الحرب الواسعة على لبنان، يجمع القائمون على النشاط السياحي وأصحاب المؤسسات السياحية على أنّ الموسم السياحي «شبه معدوم». ويقول معنيّون منهم لـ»الاخبار» إنه «لم يردنا اتصال واحد من أجل الحجز في فترة الأعياد»، كما يقول نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر في حديث تلفزيوني. أما حركة الوافدين، الذي بلغ عددهم حوالي 6 آلاف زائر، فلا يمكن أن يعوّل عليها اقتصادياً. وتعود للمغتربين الذين تبدّلت دوافع زيارتهم للبنان وتفضيلاتهم في الإنفاق من التسلية والترفيه إلى زيارة العائلة وتفقّد المنازل والأرزاق وترميم الأضرار، عدا الظروف النفسية بعد 66 يوماً من الحرب الهمجية على لبنان.
بلغة الأرقام، يقول الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية، جان بيروتي، إن نشاط القطاع السياحي تراجع بنسبة «تتراوح بين 50% و60% عمّا كان عليه في الفترة نفسها من العام الماضي»، وحيث لم ترحم الحرب جميع مفاصل الحياة السياحية، يضيف بيروتي «لا تتعدى نسبة إشغال الفنادق 20% داخل بيروت و10% خارجها، ويعمل قطاع تأجير الشقق المفروشة بنسبة 10% فقط، أما مكاتب تأجير السيارات فتعمل بنسبة 15%، غير أنّ معدل الحجوزات في قطاع المطاعم والسهر المتدني يشير إلى أنّه هو الآخر نال نصيباً وافياً من الضرر». كما يشير نقيب مكاتب السياحة والسفر جان عبود الى «تراجع عائدات سوق قطع تذاكر الطيران إلى الربع، وقد انخفضت من مليونَي دولار الى ما بين 500 و600 ألف دولار»، وبذلك، تراجعت مساهمة القطاع السياحي في الناتج الوطني الإجمالي من «نحو 10 مليارات دولار سنوياً في «أيام العزّ» قبل عام 2018، إلى 6 مليارات دولار في العام الماضي، إلى ما دون المليارَي دولار هذا العام».
يحاول القطاع السياحي أن يلملم نفسه، وقد زاد عدد رحلات الطيران اليومية إلى لبنان بمعدل 45 رحلة، بالتوازي مع عودة خطوط الطيران العربي والأجنبي إلى مطار بيروت تدريجياً، بعدما تركت جميعها الساحة لشركة طيران الشرق الأوسط «الميدل إيست» بسبب الحرب. وبحسب عبود، «عادت الخطوط الجوية القطرية وشركة الاتحاد للطيران الإماراتية وإن بعدد رحلات محدود، مقارنة بالفترة السابقة حيث كانت تيسّر أكثر من رحلة في كلّ يوم، كما تعاود الخطوط الجوية العراقية والأردنية والمصرية والأثيوبية رحلاتها تدريجياً إلى بيروت. أما الخطوط الجوية الأوروبية مثل «إير فرانس»، و«لوفتهانزا» الألمانية، و«صن إكسبرس» الألمانية وغيرها كذلك «شركة طيران الجزيرة» الكويتية، فتتريّث في إعادة تفعيل حركة طيرانها مع لبنان».
ويعيد عبود «ترنّح» شركات الطيران في العودة إلى لبنان إلى «حالة عدم الاستقرار الأمني التام جراء الخروقات الإسرائيلية المتكررة لقرار وقف إطلاق النار، وتفضيل كثيرين انتظار انتهاء مهلة الـ 60 يوماً». وإلى جانب الأسباب الأمنية، يرى عبود أن «هناك أسباباً تجارية تجعل خط الطيران إلى بيروت غير مربح حالياً بالنسبة إلى بعض الشركات، وأخرى لوجستية تتمثل بنظام التشبيك والحاجة إلى تعديل برنامج خطوط الطيران الذي يستغرق فترة زمينة قد تصل إلى 3 أشهر بحسب الشركة ونظامها».
الحرب انتهت من دون أن تترك بصمة تذكر على المؤسسات السياحية، التي لم تتعرض أغلبها للقصف، باستثناء عدد من المطاعم والشاليهات في بيروت والجنوب والبقاع التي تضرّرت كلياً أو جزئياً. لكن الأمان والاستقرار مفقودان في لبنان، وهما سبب رئيسي لجذب السياح. وإذا كان المواطنون أنفسهم لا يشعرون بالأمان في بلدهم، كيف ستقنع سائحاً أجنبيّاً بالمجيء إليه؟
في السياق نفسه، يرى بيروتي أنّ «قرار وقف إطلاق النار جاء متأخراً ولم يستطع أن ينقذ الموسم السياحي، صحيح أنه سبق فترة الأعياد، لكن التحضير لفترة الأعياد يحتاج إلى وقت، ولم يتمكن القائمون على هذه الأعمال من إطلاق الحملات الترويجية والدعائية، أو التحضير لأنشطة فنية، ما دفع بعدد كبير من الفنانين الى التوجه نحو عواصم أخرى. كما لم تلحق شركات الطيران أن تعدّل جدولة مواعيدها ومساراتها». واستناداً إلى الروزنامة السياحية، بعد انقطاع فترة الأعياد هذه، سنكون أمام فترة «ميتة سياحياً» حتى منتصف آذار المقبل، على أمل أن يكون الموسم واعداً في الربيع إذا ما سمحت الظروف الأمنية والسياسية بذلك.