صندوق النقد ينتظر لبنان: تحديث خطّة التعافي ضرورة

منذ يوم أمس، برزت ثلاثة مؤشّرات إيجابيّة مرتبطة بمصير خطّة التعافي المالي، ووضعيّة المسار التفاوضي بين لبنان وصندوق النقد الدولي. أولى تلك المؤشّرات، كانت المعلومات التي نقلتها إحدى القنوات العربيّة عن مسؤولين في الصندوق، والتي أكّدت وجود مشاورات مكثّفة “مع أصدقاء لبنان” لتقديم المساعدة للبلاد، فيما أكّد المسؤولون أنفسهم استعداد الصندوق للتحرّك السريع باتجاه دعم لبنان. أمّا ثاني تلك المؤشّرات، فكان لقاء حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري مع رئيسة الصندوق كريستالينا جورجيفا، التي أبدت تفاؤلها باكتمال عقد المؤسّسات الدستوريّة، مشيرةً إلى رغبتها بزيارة لبنان.

واخيرًا، كان المؤشّر الثالث والأكثر دلالة وهو ارتفاع أسعار سندات لبنان الدولاريّة (اليوروبوندز) يوم أمس الإثنين إلى أعلى مستوى لها منذ آذار 2020، أي منذ امتناع لبنان عن سداد هذه السندات. كان هذا الارتفاع إشارة إضافيّة لتفاؤل المستثمرين بخصوص مستقبل هذه السندات، أو بصورة أدق، كان إشارة لتوقّعهم اقتراب لحظة إعادة هيكلة ديون لبنان السياديّة. وهذا المسار، لن يحصل بمنأى عن خطة التعافي الشاملة، والتي يفترض أن تكون بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وبذلك، استكملت أسعار سندات اليوروبوندز مسارها التصاعدي، الذي بدأ منذ لحظة توسّع الحرب الإسرائيليّة على لبنان، واستمرّ مع انتهاء الحرب، ومن ثم انتخاب الرئيس جوزاف عون رئيسًا للجمهوريّة وتكليف الرئيس نوّاف سلام بتشكيل الحكومة.

ماذا يحتاج الحل الشامل؟
من المعلوم أنّ لبنان يملك أساسًا خطّة تعافي جرى الاتفاق عليها مع صندوق النقد منذ العام 2022، كما كان ثمّة اتفاق مبدئي على مستوى الموظفين بين لبنان والصندوق منذ ذلك الوقت. وبشكل عام، يمكن القول إنّ معالم هذا الاتفاق المبدئي، أو شروطه الأساسيّة، لا تزال صالحة لتشكّل أرضيّة مناسبة لأي اتفاق نهائي مقبل بين لبنان والصندوق.

يمكن للحكومة الجديدة أن تحاول تغيير نوعيّة البرنامج التمويلي، أو حجمه، كما يمكن لها أن تحاول إقحام إضافات أو تعديلات معيّنة على الخطّة نفسها. بل ويمكن للحكومة الجديدة أن تقدّم مقاربات أخرى للحل، لم يتم تقديمها سابقًا، أو حتّى خطّة جديدة. غير أنّ خارطة الطريق العامّة ستبقى في جميع الحالات نفسها، لجهة الشروط التي سيصر عليها الصندوق في النهاية.

على سبيل المثال، لن يكون متوقّعًا أن يصل لبنان إلى أي اتفاق جديد مع الصندوق، من دون البند الذي يفرض تشريع خاص لإعادة هيكلة المصارف، وبحسب تراتبيّة الحقوق التي يفترض أن تتم مراعاتها خلال هذا المسار. وعلى النحو نفسه، ستندرج البنود المتعلّقة بأصول إعادة هيكلة الدين العام، وإعداد ميزانيّة عامّة ذات مصداقيّة، واستكمال تعديل قانون سريّة المصارف، بالإضافة إلى تدقيق ميزانيّات المصارف الكبرى. في جميع الحالات، سيعود لبنان إلى روحيّة الاتفاق المبدئي الذي جرى توقيعه عام 2022، والذي لم يتم تنفيذ شروطه منذ ذلك الوقت.

إلا أنّ العودة إلى روحيّة ذلك الاتفاق، غير ممكنة من دون تحديث الأرقام التي جرى التفاهم على أساسها في ذلك الوقت. فمنذ العام 2022، تغيّرت قيمة احتياطات العملات الأجنبيّة المتبقية في مصرف لبنان، كما تغيّرت قيمة احتياطات الذهب الموجودة هناك. وعلى مستوى قيمة الودائع، طرأت تغيّرات جرّاء استمرار تسديد السحوبات الشهريّة واستعمال الشيكات المصرفيّة، كما تغيّر حجم الودائع المتبقية بالنسبة إلى كل شريحة من شرائح المودعين (الذين جرى تصنيفهم بحسب حجم الودائع). ولهذا السبب، سيكون على الحكومة تحديث أرقامها، قبل تعديل خطّة التعافي أو صياغة خطّة جديدة، ومن ثم العودة إلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

على طاولة مجلس الوزراء، سيكون حاضرًا وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط، الذي يعرف جيّدًا معنى إعادة هيكلة الديون السياديّة، بحكم خبرته في العمل ضمن شركة “بلاك روك”. وخبرة البساط، تجعله أيضًا مدركًا لنوعيّة الشروط التي لا يمكن تجاوزها في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، في مقابل الشروط التي يمكن المناورة في تحقيقها. وفي مطلق الحالات، يبقى البساط من المعروفين بتأييدهم للإجراءات التي نصّت عليها التفاهمات السابقة، بين لبنان والصندوق، كما تدل على ذلك مقابلاته الإعلاميّة السابقة. ومن المرتقب أن يكون البساط، بوصفه وزيرًا للاقتصاد والتجارة، عضوًا في فريق العمل الحكومي الذي سيتولّى مفاوضة صندوق النقد الدولي وإعداد خطّة التعافي المالي.

يد واحدة لن تصفّق
بعد إعداد خطّة التعافي –أو تحديث الخطّة السابقة- سيكون على الحكومة ترجمة مضامين الخطّة في مسودّات لتشريعات مختلفة، للتمكّن من دخول مسار التصحيح المالي. وهنا يبرز دور المجلس النيابي، الذي يفترض أن يسهّل عمليّة إقرار هذه التشريعات، إذا كانت تحقّق الغاية الإصلاحيّة المرجوّة منها.

عند هذا المستوى من النقاش بالتحديد، تبرز المخاوف من تكرار سيناريو العام 2020، حين قامت لجنة تقصّي الحقائق المنبثقة من لجنة المال والموازنة بالانقلاب على خطّة التعافي المالي المتفق عليها مع صندوق النقد. يومها، اعتبرت اللجنة أنّ أرقام الخطّة مُختلف عليها، بسبب اعتراض رياض سلامة وجمعيّة المصارف على مقاربات شركة “لازارد” للاعتراف بالخسائر. فجرى إعداد تقرير برلماني جديد يطعن بأرقام “لازارد”، ويتبنّى بعض المقاربات البديلة التي قدّمها رياض سلامة. وفي تلك المرحلة، طارت خطّة التعافي، وطار معها مسار التفاوض مع الصندوق، بعدما بدا أنّ حكومة حسّان دياب غير قادرة على فرض المقاربات الإصلاحيّة على الكتل النيابيّة.

في النتيجة، يبقى السؤال الأساسي اليوم متمحورًا حول قدرة العهد والحكومة على ممارسة القيادة السياسيّة الفاعلة، القادرة على دفع الكتل البرلمانيّة باتجاه المقاربات الإصلاحيّة المطلوبة. والأكيد اليوم، هو أن الحاجة إلى مساعدات إعادة الإعمار ستمثّل عنصرًا ضاغطًا، يمنع الاستمرار في حالة المراوحة التي سادت منذ أواخر العام 2019. والأكيد أيضًا، هو أنّ الزخم الدولي قادر حاليًا على الضغط باتجاه تنفيذ الإصلاحات، بخلاف ما كان عليه الحال في أيّام حكومة حسّان دياب. هذا بالتحديد ما يجعل كثيرون أكثر تفاؤلًا، بإمكانيّة نجاح مسار الاتفاق مع صندوق النقد اليوم.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةوزير الطاقة: أرفض أن أعد بموعد للـ24/24 لكن لديّ خطة
المقالة القادمةعودة المغتربين الى لبنان مرتقبة وتهافت على شراء تذاكر سفر Refundable خوفاً من الأزمات…