من التشاؤم إلى التفاؤل فالأهداف الواقعية

بعد سنتَين ونصف السنة من الفراغ والشلل، يشهد لبنان تغيُّرات إيجابية وجواً تفاؤلياً بعد انتخاب رئيس للجمهورية، حيث ربح ثقة الشعب والمجتمع الدولي، وتسمية رئيس للحكومة من خارج الحلقة المقفلة والفارغة، وتشكيل حكومة وسلطة تنفيذية مع وجوه جديدة، وأسماء بارزة، تعيد الأمل والثقة وتُزيل الغيوم السوداء، لتُشرق بعض أشعة الشمس من بينها، فانتقلنا من جَو التشاؤم إلى جَو التفاؤل. لقد حان الوقت لوضع أهداف واقعية، وتطلّعات واستراتيجيات وخطط يمكن تنفيذها في المرحلة المتاحة.

منذ سنوات عدة، إستمرّينا في الحفر في خندق غامض وعميق، من دون أية رؤية أو أمل، حتى وصلنا إلى القعر، لكن بالعصا السحرية التي ضربت من جديد هذه الأرض المقدسة، بزغ النور وبعض الأشعة في هذا الخندق الغامض، وعاد بعض الأمل يُشرق على مستقبل لبنان وشعبه واقتصاده.

على رغم من هذا الجو الإيجابي، علينا أن نكون واقعيِّين، وأن نُدرك تماماً أنّنا لا نزال في النفق، حتى لو أوقفنا الحفر في العمق، ووَجهُنا نحو النور والسماء. علينا أن نكون واقعيِّين، بأنّ الطريق والخروج من هذا النفق، سيكون طويلاً، صعباً وشائكاً. إنّ إصطفاف الكواكب في سمائنا يُعيد لنا الثقة والأمل، لكن علينا المثابرة لعدم ضياع الفرصة الأخيرة.

على رغم من التفاؤل والإيجابية، علينا أن نكون واقعيِّين، فنذكّر أنّ عمر هذه الحكومة العتيدة لن يتعدّى السنة ونصف السنة، ومن المستحيلات، حل كل مشاكل العقود الماضية في الأشهر الـ 18 المقبلة، مهما كانت النية والكفاءة والمهنية الصافية.

إنّ أولويات الحكومة واضحة ومرسومة، تبدأ بتنظيم الإنتخابات البلدية في العام 2025، ومن ثم الإنتخابات النيابية في العام 2026.

الهدف الثاني الذي يُمكن تحقيقه هو إعادة العلاقات مع البلدان المحيطة، ولا سيما مع البلدان العربية والخليج، التي ستنهض بالاقتصاد وتُعيد الإنماء. أمّا الهدف الثالث الواقعي، فهو ملء الفراغات الدستورية والإدارية التي تجاوزت 300 مقعد، ضمن مشروع الحكومة لإعادة بناء الدولة، مع أشخاص كفوئين وشفّافين، بعيداً من المحاصصة وتوزيع المشاريع كالعادة.

الهدف الرابع الواقعي، هو إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، واقتراح مشروع للخروج من القائمة الرمادية، وإعداد ما ننتظره منذ 5 سنوات، وهو مشروع إعادة هيكلة المصارف، بكل حوكمة وشفّافية، وقبول بعض الخسائر ومصارحة المودعين مع خطة لإعادة جزء كبير من الأموال على المدى القصير، المتوسط والبعيد.

لا يجوز رفع مستوى التطلُّعات والأهداف، لا بل علينا التركيز على أهداف يُمكن تحقيقها، يبدأ بإعادة الحرّيات والديموقراطيات، والتغيير الحقيقي لممثلي الشعب، مربوطاً بإعادة الإنماء، مشبوكاً بإعادة بناء الدولة، ومعلّقاً بإعادة التوازن المالي والنقدي.

في المحصّلة، نعم نعيش جواً من التفاؤل والإيجابية، لكنّ الأيادي السوداء لم ولن تستسلم، لذا علينا أن نكون حريصين للاستفادة من هذه المعجزة، ومن اصطفاف الكواكب، ومن هذه الفرصة الأخيرة التي لم ولن تتكرّر. في هذه السنة والنصف السنة – أي المدة التي أمام الحكومة، علينا أن نعمل بيد واحدة، كلنا للوطن، للعلا وللعلم.

مصدرالجمهورية - د. فؤاد زمكحل
المادة السابقةخوري: خطة <ماكينزي> جاهزة لا تزال صالحة بنسبة 90 %… فاستعملوها
المقالة القادمةأي شروط للخروج من الدولرة في لبنان؟ دروس من التجارب الدولية