ملفّاتٌ كثيرة تنتظر الحكومة بعد نيْلها الثقة، أبرزها الملفات الاقتصادية والتي يجب أنْ تبدأ بالإصلاحات وحلّ أزمة المودعين وإعادة الإعمار، فهذه التحديات لحكومة لا يزيد عمرها عن سنة وشهريْن على أبعد تقدير ستكون بمثابة الامتحان الصعب لجديّة التعاطي الحكومي معها والنيّة الفعليّة لتحقيق إنجازات، قبل أنْ يسبق “السيف العذل”.
تبدو سقوف التوقعات لدى المواطنين مرتفعة حيال ما ستنجزه الحكومة الأولى في العهد الجديد. وهناك زحمة ملفات اقتصادية تنتظر السلطة التنفيذية في المرحلة المقبلة، وعقب نيل الثقة. فما هي الملفّات الاقتصاديّة الأكثر إلحاحاً أمام حكومة نوّاف سلام، لإنجازها قبل انقضاء مدة ولايتها؟
الخبير الاقتصادي محمود جباعي يُوضح لـ “نداء الوطن”، أنّه “بناءً على البيان الوزاري وخطاب القسم الذي سبقه، يتضح أنّ هناك توجّهاً جديداً في البلد لحلحلة الملفّات الاقتصادية العالقة. لكن، من المنظور الاقتصادي، ننتظر من الحكومة أن تتخذ العديد من القرارات الاستراتيجية وتقوم بإصلاحات ماليّة واقتصاديّة مهمة للمساهمة في التوصل إلى حلول”.
ويُشدّد جباعي على أنه “من دون إصلاحات لا يُمكن تنفيذ أي من النقاط المطروحة في البيان الوزاري، أبرزها الصندوق المُستقل لإعادة الإعمار الذي يعتبر الخيار الأنسب والأفضل للبنان في المرحلة المُقبلة. إلّا أن هذا الموضوع يحتاج إلى متابعة وإصلاحات والتزام لبنان بكل القرارات السياسيّة الدوليّة، لا سيّما الـ 1701 ومندرجاته كما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري لأنه يمكن لذلك أن يسهل تمويل هذا الصندوق من المجتمع العربي والدولي. ومن الصعب إعادة الإعمار بسرعة من دون هذه الخطوة، لا سيّما وأن كلفتها تفوق الـ 10 مليارات دولار وهذا رقم كبير جداً، بغض النظر عن الترميم والإيواء وغيرها من الملفات المرتبطة بتبعات الحرب”.
مكافحة الفساد
يتابع جباعي متحدثاً عن ضرورة التزام الحكومة “بالإصلاحات المرتبطة بالشفافية المالية والشفافية في التعاطي مع مختلف الملفات”، مُذكّراً بـ “مطالبات المجتمع الدولي بإقرار قوانين لمكافحة الفساد ولعدم وجود أي شبهة باختلاس الأموال أو تبييضها. وبالتالي، المطلوب من الحكومة على هذا المستوى إظهار حسن النيّة بالتعاطي مع أي مبلغ يصل من الخارج. ومن المفضل تشكيل لجان مشتركة ما بين لبنان والجهات المانحة للتأكد من أن هذه المبالغ يتمّ إنفاقها في المكان المناسب من دون أي زيادة أو نقصان. هذا يعزّز الشفافية في التعاطي مع الملف ويُطمئن المجتمعَيْن الدولي والعربي لتقديم المساعدة”.
ويشرح أنّ “ملف إعادة الإعمار ليس بالأمر السهل، خصوصاً مع وجود حاجة لإعادة إعمار غزة بكلفة تصل إلى 55 مليار دولار، وإعادة إعمار سوريا التي تصل كلفتها إلى 400 مليار دولار. هذه الأرقام الضخمة في المنطقة يجب أن تحثّ لبنان على التضامن مع الدول العربية والدولية على مختلف المستويات للحصول على حصته من إعادة الإعمار في المرحلة المقبلة”، معتبراً “أن لا إمكانية لإعادة الإعمار إلا عبر المساعدات الخارجية”.
الاستحقاق الثاني
أمّا الاستحقاق الثاني الأساسي والضروري إدراجه ضمن قائمة أولويّات الحكومة فهو ملف المودعين وفق جباعي الذي يوضح أنّ “المطلوب وضع أطر واضحة للتعاطي معه وإنشاء لجنة مشتركة بينها وبين مصرف لبنان والمصارف التجارية بالتعاون مع خبراء اقتصاديين وماليين من أصحاب الشأن ومشاركة بعض لجان المودعين إنْ أمكن للاتفاق على كيفية تحديد المسؤوليات والتوصل إلى خطة واضحة يكون قوامها أن كل جهة (الدولة، المركزي، المصارف) تتحمّل جزءاً من المسؤولية. بناءً عليه، يُمكن تقييم وتثمين أصول الدولة لرفع الإيرادات. والمصرف المركزي بحاجة أيضاً إلى دفع الأموال من موجوداته وتقييم الأصول، كذلك المصارف بحاجة إلى تقييم أصولها وإعادة الهيكلة لتأمين السيولة. هذه السيولة مجتمعةً يمكن أن توضع ضمن صندوق ويتفق بالتوازي على إطار زمني واضح لحل أزمة المودعين. هذه الخطة حتى لو لم تنفذ بسرعة، إلّا أنها تضع الملف على السكة الصحيحة ونكون دخلنا في مرحلة حقيقية للحل”.
القطاع العام
أما النقطة الثالثة التي يرى جباعي أنّه من المهم على الحكومة التركيز عليها هي “إعادة هيكلة القطاع العام عبر أكثر من إجراء مثل دراسة حقيقية للوظائف غير المنتجة وفيها بطالة مُقنعة، لأن المشكلة الأساسية ما قبل الأزمة هي أن مساهمة النفقات العامة من الناتج المحلي تفوق الـ 34% وهذا رقم مرتفع جداً يجب أن ينخفض إلى ما بين 12 و15% كحد أقصى”. ويضيف “حجم القطاع العام ضخم من دون إنتاجية، ومن الضروري تصغيره عبر الشراكة بين القطاعيْن العام والخاص، إلى جانب الحفاظ على الوظائف المنتجة والتخلص من الفوائض لإعطاء فرصة لزيادة الإنتاجية ورفع إيرادات الدولة. بذلك، تتيح زيادة الناتج المحلي موازنة النفقات معه وتحسين الرواتب والأجور”.
النقطة الرابعة
أخيراً، النقطة الرابعة والأهم بالنسبة إلى جباعي هي “اقتصاد الكاش. لبنان على اللائحة الرمادية واليوم ما زالت التحويلات الخارجية والمصارف المراسلة الستة هي المتنفّس الوحيد للبلد”، متخوفاً من “الانتقال في أي لحظة إلى اللائحة السوداء ما يتسبّب بمشكلة خطيرة. لذا، يُفترض بالدولة محاربة الاقتصاد غير الشرعي ودعم الشرعي في مختلف المجالات، بدءاً من إنشاء هيئات ناظمة. هذا الإجراء يخفّف التهرب الضريبي والجمركي ولديه تأثير كبير على الحد من اقتصاد الكاش”.
الإنترنت غير الشرعي
إلى ذلك، وحسب جباعي “تُضاف إعادة هيكلة القطاع المصرفي ووضع خطة للمودعين. كل هذه الخطوات مجتمعةً تساهم في التخفيض من حجم الاقتصاد غير الشرعي. كما يُمكن للحكومة أيضاً معالجة مشكلة الإنترنت الذي يخسّر الدولة مئات ملايين الدولارات سنوياً. 70% من قطاع الإنترنت في لبنان غير شرعي ومطلوب من وزير الاتصالات العمل على تقويّة الشركات الخاصة الشرعية وتفعيل دورها والحد من البيروقراطية في التعاطي معها، مقابل الحدّ من الإنترنت غير الشرعي. هذا قرار سريع يمكنه المساهمة في زيادة إيرادات الدولة بنسب مهمة والتخفيف من اقتصاد الكاش وتقوية الاقتصاد الشرعي”.