الخروج من اللائحة الرمادية: بدء التحركات ضمن مسار معقّد

سنوات من الفساد والإهمال تُرجمت في تشرين الأول الماضي عبر إدراج مجموعة العمل المالي (فاتف) لبنان على اللّائحة الرمادية. هذا الأمر حذّر منه خبراء لأشهر طويلة إلا أنّ الأزمات الداخليّة كانت أقوى من هذه التنبيهات. مع الإشارة إلى أن اللائحة تسلّط الضوء على التحدّي المتعلّق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

استندت (فاتف) في قرار إدراج لبنان على اللائحة الرمادية إلى 3 عوامل أساسية: أولاً: عدم صدور أحكام قضائية في قضايا غسل الأموال وتهريبها.

ثانياً: تلكؤ الدولة في تنفيذ الإصلاحات المتّفق عليها، مما زاد الأمر تعقيداً بفعل عوامل عدة، منها الشغور الرئاسي، حكومة تصريف الأعمال، بالإضافة إلى الحرب الإسرائيلية على لبنان، مما عطّل العمل المؤسسي.

ثالثاً: ملفات التهرب الجمركي، وخاصة تلك المتعلقة بالمعابر غير الشرعية.

وفي سبيل الخروج من اللائحة الرمادية، يشهد لبنان تحركات على أكثر من جبهة، من ضمنها تحركات لجنة المتابعة التي التقت بالنائبين آلان عون وسيمون أبي رميا.

ويشرح أبي رميا لـ “نداء الوطن” أن “اللجنة اجتمعت مع نواب للمساعدة في القيام بالإجراءات التصحيحية المطلوبة من قبل جهات لبنانية، وفق خطة العمل التي وضعتها (فاتف) لخروج لبنان من اللائحة الرمادية”. أما المعنيّون بموضوع انتشال لبنان من اللائحة الرمادية، فهم وزارة العدل، وزارة الدفاع، وزارة الداخلية والبلديات، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، اللجنة الوطنية لقمع تمويل الإرهاب، نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس ونقابة خبراء المحاسبة المجازين، وفق أبي رميا. ويوضّح أبي رميا أن المطلوب من هذه الإدارات والوزارات، تعديل بعض قوانينها وتأكيد ممارسة بعض القوانين المهملة من أجل زيادة الشفافية في المواضيع المالية”.

وفي الإطار يذكّر أبي رميا بتجربة الإمارات التي كانت من ضمن الدول الموضوعة على اللائحة الرمادية رغم الإزدهار والنمو الاقتصادي الذي تشهده هذه الدولة. في المقابل، وفي حالة لبنان، فإنه بالإضافة إلى وجوده ضمن قائمة اللائحة الرمادية، يعاني البلد من أزمة اقتصادية حادة وهنا يكمن أصل البلاء. ويشدّد أبي رميا أنّنا “ملزمون بأن نقوم بتنفيذ خطة العمل المطلوبة بشكل فعّال خلال المهلة الزمنية الممنوحة للبنان وإلا سيبقى على اللائحة الرمادية أو قد ينتقل إلى اللائحة السوداء. إذ لا بدّ من إضفاء حالة من الثقة لطمأنة المستثمرين الأجانب إلى أن استثماراتهم محمية بالقوانين الدولية وهي مرعية بالشفافية المطلوبة”. في هذا الصدد، لعبت سياسة حاكم مصرف لبنان بالإنابة دوراً هاماً في سبيل الحثّ على الخروج من اللائحة الرمادية، حيث قام بتعزيز دور هيئة التحقيق الخاصة وتفعيل عمل لجنة الرقابة على المصارف ما ساهم في تخفيف النقاط السوداء على لبنان، إلا أنه ورغم ذلك، الطريق ما زال طويلاً.

وتعليقاً على ما سبق، يرى الخبير الاقتصادي روي بدارو أن وضع لبنان على اللائحة الرمادية لم يكن أمراً مستغرباً، نظراً للظروف التي أعاقت إقرار التشريعات والإصلاحات المالية المطلوبة. وقال بدارو لـ “نداء الوطن” إن لبنان قد يتعرّض لعزلة مالية “في حال عدم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وقد يصل إلى اللائحة السوداء”، مشيراً إلى أنّه “لن تكون هناك قدرة على فتح الاعتمادات أو إجراء التحويلات المالية والقيام بالخدمات المصرفية المراسلة”.

ويضيف: “لن يصل أي قرش إلى لبنان حينها”. أما المسؤولية الكبيرة في الوقت الحالي، فتقع على عاتق البرلمان اللبناني، إذ يؤكد بدارو أن “لا خيار سوى أن يعي رجال الدولة خطورة أن يصبح لبنان خارج النظام العالمي، أو أن يصبح صورة مصغرة عن كوريا الشمالية وفنزويلا”. ويشدّد بدارو على أن الموضوع ليس مزحة، إذ “لا يمكن أن نعيش حتى في شكّ أننا سنبقى ضمن اللائحة الرمادية”. صحيح أن بعض التحركات النيابية تُبشر بتحسن محتمل في سمعة لبنان، لكن المطلوب هو انتفاضة وطنية شاملة، كي ننجح في هذا الاختبار المصيري الذي إن أخفقنا فيه هذه المرّة، ستكون عواقبه وخيمة، وربما مدمرة”.

مصدرنداء الوطن - نوال برو
المادة السابقةمصرف لبنان وسّع دوره عبر التعاميم
المقالة القادمةجابر أصدر قراراً يتعلق بتسوية غرامات