تواجه صناعة القهوة مرحلة حرجة، إذ لا تزال التحديات المناخية تُهدد استقرار الإنتاج وجودة المحاصيل في أبرز مناطق زراعة البن حول العالم، ما ينعكس على أداء الشركات وسلاسل الإمدادات نتيجة ارتفاع التكاليف، وتأثير ذلك على أسعار المستهلكين.
تكافح صناعة القهوة العالمية للتكيّف مع واقع الإنتاج والتسويق، حيث تشق طريقها بصعوبة للحفاظ على توازنها في مواجهة اختلالات المناخ والتقلبات الاقتصادية.
وقالت فانوسيا نوغيرا المديرة التنفيذية للمنظمة الدولية للقهوة (آي.سي.أو) الخميس خلال فعالية في البرازيل إن “إمدادات القهوة العالمية قد تتحسن خلال ثلاث سنوات مع بدء إنتاج مزارع جديدة، مدفوعةً بارتفاع الأسعار بشكل قياسي.”
وأوضحت نوغيرا للصحافيين في فعالية نظمتها مجموعة مصدري القهوة البرازيلية (سيكافيه)، أن التوقعات تعتمد على بقاء ظروف السوق مواتية بما يكفي للمزارعين للحفاظ على محاصيلهم.
ويشهد إنتاج القهوة العالمي شحًا، حيث أدى عجز الإنتاج لعدة سنوات، نتيجةً للطقس القاسي في مناطق الإنتاج الرئيسية، إلى ارتفاع الأسعار.
وقالت نوغيرا “الأمر قد يستغرق نحو ثلاث سنوات حتى تخفف مزارع البن الجديدة من ضغوط العرض.” وأضافت “لذا، خلال هذه الفترة، من المفترض أن نحصل على إمدادات إضافية.”
ومن المتوقع أن تبلغ نهاية العجز المتتالي في سوق البن العالمي في عام 2026، وذلك تبعًا لأحوال الطقس في الدول الرئيسية المنتجة، مثل البرازيل وكولومبيا وفيتنام.
وأضافت نوغيرا “أعتقد أن نهاية العجز ستعتمد بشكل كبير على هذه القضية المناخية،” مشيرًة إلى أن خطر الصقيع لا يزال قائمًا في محصول البرازيل في يوليو.
وخلال أكبر معرض تجاري للقهوة في أوروبا، والذي أقيم الأسبوع الماضي في مدينة جنيف تحت رعاية مركز التجارة الدولية، سلط المنتجون الضوء على التحديات التي تواجه القطاع.
وعلى مدى أكثر من عقدين، عمل مركز التجارة الدولية بشكل وثيق مع المنظمة الدولية للقهوة والمؤسسات الإقليمية لدعم سلاسل قيمة القهوة والشركات الصغيرة والمتوسطة في جميع أنحاء أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا.
ومن بين الشركات الرائدة في المجال التي حظرت المعرض آي.تي.سي التي استعرضت أهمية بناء المرونة والقدرة التنافسية وسلاسل القيمة المستدامة لتنمية قدرات القطاع.
وقالت باميلا كوك-هاميلتون المديرة التنفيذية للشركة إن “القهوة أكثر من مجرد سلعة، فبالنسبة إلى العديد من الشركات الصغيرة التي ندعمها، فإن قدرتها على تحسين جودة حبوبها، ومعالجتها في المنشأ أمر مهم.”
وأضافت “تلبية متطلبات الاستدامة في مواجهة المخاوف المناخية المتزايدة، تعني قدرتها على التكيف مع التغيرات للدخول إلى أسواق جديدة والمنافسة على المستوى العالمي.”
وعملت منظمة القهوة ومركز التجارة معًا لسنوات، وقد عززا تعاونها متجاوزين ما يعرف بـ”دليل القهوة” لقيادة دعوات العمل في العديد من الدول المنتجة للقهوة.
وخلال ذلك المعرض قالت نوغيرا “لا أحد يستطيع مواجهة تحديات قطاع القهوة بمفرده.” وأضافت “نحن في حاجة إلى الخبرة والتمويل والكفاءات والشراكات القوية للعمل الجماعي.”
وتتوقع وزارة الزراعة الأميركية أن يبلغ إنتاج القهوة العالمي في موسم 2025 – 2026 نحو 178.7 مليون كيس زنة 60 كيلوغرامًا، وهو أعلى مستوى على الإطلاق مدفوعًا بنمو كبير في إثيوبيا وأوغندا وتعافي الإنتاج في فيتنام وإندونيسيا.
ويؤكد خبراء الصناعة أن هذه القفزة تأتي في ظل ارتفاع الطلب العالمي وتقلص المخزونات وارتفاع الأسعار بداية العام الجاري.
ولكن اللافت أن الأسعار تراجعت بشكل ملحوظ عقب ارتفاعها الحاد الذي سجلته الربيع الماضي، وسط توقعات بوفرة كبيرة في الإمدادات خلال الفترة المقبلة.
وبحسب البيانات المتوفرة عن تداولات بورصات السلع، فقد بلغ سعر رطل قهوة نوع أرابيكا نحو 2.88 دولار، بعيداً عن المستويات المرتفعة التي تجاوزت 4 دولارات والتي تم تسجيلها بين فبراير ونهاية أبريل الماضيين.
أما العقود الآجلة لقهوة روبوستا، فقد تم تداولها في بورصة لندن عند 3569 دولارا للطن، مقابل أكثر من 5500 دولار للطن في نهاية أبريل.
ونسبت رويترز إلى كارستن فريتش المحلل في كومرتس بنك قوله إن حصاد القهوة في البرازيل، وهي أكبر منتج عالمي، والذي يجري حالياً على قدم وساق، يُتوقع أن “يسجل مستويات قياسية هذا العام.”
وأدى تغيير بعض شركات إنتاج القهوة لإستراتيجيتها في التحوط ضد تقلبات الأسعار إلى تحميل المستهلكين أعباء إضافية، بعدما راهنت هذه الشركات على تراجع الأسعار، إلا أن الواقع خالف توقعاتها.
وكانت شركات مثل جي.دي.إي بيتس وستاربكس تعتمد على سوق العقود الآجلة لحماية نفسها من تقلبات الأسعار، لكنها عدلت إستراتيجيتها في 2024.
وبعدما كانت تتوقع أن تحصل على أسعار أفضل لاحقاً، إلا أن النقص في الإمدادات استمر، وواصلت الأسعار صعودها، ما دفع هذه الشركات إلى رفع أسعار منتجاتها.
وفي مارس الماضي تراجع أحد المؤشرات التي تقيس حجم التحوط من قبل المشترين إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من 11 عاماً، في إشارة إلى ضعف اعتماد الشركات على الأدوات الوقائية.
ومن المرجح أن تستمر شركات القهوة في تمرير التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين رغم أن أسعار القهوة عند مستويات قياسية بالفعل.
وشهدت الأسعار خلال يونيو الماضي تقلبات حادة، وسط ضغوط متزايدة على سلاسل التوريد، ومخاوف من الصقيع في البرازيل، وتراجع الإنتاج في عدد من الدول الرئيسية. كما ساهمت الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية في زيادة التذبذب.
وكانت أسعار القهوة قد ارتفعت إلى مستوى قياسي مطلع العام الجاري بعد موجة جفاف أضرت بالمحاصيل في البرازيل، أكبر منتجة في العالم.
وأدى هذا النقص في المعروض إلى دخول السوق في حالة تُعرف باسم “باكوارديشين،” حيث تصبح العقود الأقرب أجلاً أعلى سعراً من تلك التي تُستحق لاحقاً، ما جعل الاحتفاظ بمخزون حبوب البن الخام مكلفاً بشكل كبير.
ونتيجة لذلك، أصبحت شركات صناعة القهوة تشتري بكميات صغيرة جداً وفي اللحظة الأخيرة، في ما يُعرف بالشراء “من الإنتاج إلى المستهلك” فوراً.
وفي الوقت نفسه، يعاني المتعاملون الذين يواجهون نقصاً في السيولة من صعوبات في تمويل شحنات الحبوب من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك.



