مرّ شهرٌ، بالتمام والكمال، على الشغور في لجنة الرقابة على المصارف ونوّاب حاكم مصرف لبنان، قبل أن يكتمل عقد التوافق السياسيّ على هذه المراكز الحسّاسة خلال الأسبوع الماضي. وكان بديهياً القول أنّ التجاذب والخلاف على هويّة المُعيّنين في هذه المراكز، عكس طبيعة المهام الحسّاسة التي سيضطلع بها هؤلاء، خلال المرحلة المقبلة. السنوات الخمس المقبلة، التي ستمثّل ولاية المُعَيّنين في هذه المراكز، ستكون استثنائيّة وحسّاسة، مالياً ونقدياً، وخصوصاً إذا تمّ -كما هو مأمول- إقرار قانونيّ إصلاح أوضاع المصارف والانتظام المالي، خلال الأشهر المقبلة.
فما هي التحديات والمهام الرئيسيّة التي ستحدد المعالم الرئيسيّة لولاية لجنة الرقابة على المصارف، ونوّاب حاكم مصرف لبنان؟
نوّاب الحاكم وإعادة الهيكلة
من الناحية الشكليّة، قد يبدو الهامش الممنوح لنوّاب الحاكم ضئيلاً. فهم لا يملكون أي صلاحيّات تقريريّة داخل مصرف لبنان، إلا في الحدود التي يسمح بها الحاكم، أو بلغة أدق: في نطاق العمل الذي يفوّضه الحاكم، لغيره من نوّابه. وفي قانون النقد والتسليف، ينحصر دورهم المنصوص عنه صراحة في عضويّتهم داخل المجلس المركزي لمصرف لبنان، المكلّف بتقرير السياسة النقديّة. وحتّى داخل هذا المجلس، يبقى الحاكم رئيساً، ومكلفاً بتنفيذ القرارات وتحضير جداول الأعمال ووضع المقترحات على طاولة البحث.
غير أنّ السنوات المقبلة، كما أسلفنا الذكر، ستكون استثنائيّة. والقول بأنّ هويّة نوّاب الحاكم لن تؤثّر في عمليّة إعادة الهيكلة، فيه الكثير من التسرّع.
في طرح إعادة هيكلة المصارف المتّفق عليه بين الحكومة ومصرف لبنان، سيكون النائب الأوّل لحاكم مصرف عضواً حكمياً في الغرفة الأولى للهيئة المصرفيّة العليا، وسيملك صوتاً من أصل خمسة في هذه الغرفة. وهذه الغرفة، بحسب الطرح، ستحل مكان لجنة العقوبات المنصوص عليها في المادّة 208 من قانون النقد والتسليف، أي اللجنة التي تملك صلاحيّات التأديب والملاحقة، بحق المصارف المخالفة في القطاع.
وفي الوقت نفسه، ينص طرح إعادة الهيكلة على إعطاء المجلس المركزي لمصرف لبنان صلاحيّات اختيار إثنين من نوّاب الحاكم، للانضمام إلى الغرفة الثانية للهيئة المصرفيّة العليا. والغرفة الثانية بحسب هذا الطرح، ستكون المرجع المعني باتخاذ القرارات حول المصارف التي يتوجّب إخضاعها لعمليّات إصلاح الوضع أو لعمليّات التصفية، أي أنّها اللجنة المكلفة بإدارة عمليّة إعادة هيكلة القطاع خلال الفترة المقبلة.
أخيراً، سيبقى لنائب الحاكم الأوّل دور احتياطي، أو احترازي. فهو المكلّف بالحلول مكان الحاكم في حال غيابه أو استقالته أو شغور منصب الحاكميّة لأي سبب من الأسباب. وإذا بدا هذا الاحتمال مجرّد سيناريو نظري الآن، فنائب الحاكم الحالي كان قد خبُر بالفعل دور “الحاكم بالإنابة”، الذي لعبه عند انتهاء ولاية رياض سلامة وعجز الحكومة السابقة عن تعيين خلف له.
دور لجنة الرقابة
لن يكون دور لجنة الرقابة على المصارف، في إطار عمليّة إعادة الهيكلة، مقتصراً على الدور التقليدي الذي ألفه اللبنانيون في قوانين ما قبل الأزمة الحاليّة.
فقانون رفع السريّة المصرفيّة خصّ لجنة الرقابة على المصارف بالذكر، ولم يكتفِ بإعطائها صلاحيّة رفع السريّة، بل أعطاها أيضاً هذه الصلاحيّة بمفعول رجعي يمتد لغاية 10 سنوات، وهو ما يسمح للجنة بكشف العمليّات السابقة منذ العام 2015. وفضلاً عن ذلك، باتت اللجنة تملك أيضاً صلاحيّة تكليف شركات تدقيق خاصّة، للقيام بأعمال المراقبة أو التفتيش لحسابها أو لحساب مصرف لبنان. باختصار، باتت اللجنة تملك أدوات لم تمتلكها سابقاً، من جهة القدرة على كشف المعلومات.
في مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف، تم تثبيت هذه الأدوات، من خلال وضع المعايير لعمليات تكليف شركات التدقيق، ثم تكليف لجنة الرقابة بوضع التقارير والتوصيات بخصوص كل مصرف، قبل إحالة الملف إلى الهيئة المصرفيّة العليا. وفي الصيغة المتفق عليها أخيراً بين الحكومة ومصرف لبنان، تمّ توسيع دور رئيس اللجنة نفسه، فبات عضواً أصيلاً في الغرفة الأولى للهيئة المصرفيّة العليا، أي الغرفة المختصة بالعقوبات والإجراءات التأديبيّة.
كما أعطت هذه الصيغة رئيس اللجنة صلاحيّة حضور جلسات الغرفة الثانية، المختصة بإدارة عمليّة إعادة الهيكلة، وطرح تقارير وتقييم اللجنة بخصوص كل مصرف لبنان، قبل اتخاذ القرارات. وبهذا الشكل، لن يمتلك رئيس لجنة الرقابة صوتاً داخل الغرفة الثانية للهيئة المصرفيّة العليا، لكنّه سيملك قدرة على إيصال المعلومات المطلوبة للهيئة، بدل حصر التواصل عبر الحاكم فقط.
بهذا الشكل، عالجت هذه المقترحات التشريعيّة، والتي ما زالت تُبحث في لجنة المال والموازنة، بعض أوجه القصور الموجودة في التشريعات السابقة، وخصوصًا من جهة ضيق الصلاحيّات الممنوحة للجنة الرقابة على المصارف. فاللجنة لم تمتلك سابقاً صلاحيّات تخطّي السريّة المصرفيّة بشكلٍ مباشر، كما لم تمتلك صلاحيّة التواصل المباشر مع الهيئة المصرفيّة العليا. وأقصى ما تمكّنت اللجنة من فعله، هو إعداد التقارير وإرسالها إلى حاكم مصرف لبنان، الذي يقرّر منفرداً إمكانيّة إحالة التقارير إلى الهيئة المصرفيّة العليا. وبطبيعة الحال، لم يمتلك رئيس لجنة الرقابة صوتاً داخل الهيئة، ولا قدرة على حضور اجتماعاتها من دون إرادة الحاكم.
لكل هذه الأسباب، سيكون أعضاء اللجنة، ونوّاب حاكم مصرف لبنان، مختصّين بمهام شديدة الحساسيّة خلال الفترة المقبلة. بل، يمكن القول، أن الأدوار التي سيلعبها هؤلاء ستكون حاسمة، بما يخص مسار إعادة هيكلة القطاع المصرفيّة. وإذا كان قانون التوازن المالي، أو الفجوة الماليّة، سينص على إجراءات “تقصّي للحقائق” قبل اتخاذ القرارات الكبرى، فلجنة الرقابة على المصارف هي من يفترض أن ينجز هذه الإجراءات. وهذا، مجدداً، ما يفسّر الكباش الذي جرى خلال الأسابيع الأخيرة، التي سبقت إنجاز هذه التعيينات.



