من المفترض أن تنعقد الهيئة العامّة للمجلس النيابي اليوم الخميس، على أن يكون البت بمشروع قانون إعادة هيكلة المصارف على جدول أعمال الجلسة. النسخة الأخيرة من مشروع القانون تم توزيعها ظهر يوم الثلاثاء، على أساس التعديلات التي جرت في جلسة لجنة المال والموازنة، التي تمّ عقدها يوم الإثنين الماضي. وكان من الواضح أن سرعة العمل على تمرير مشروع القانون في اللجنة أولاً، وفي الهيئة العامّة ثانياً، جاءت مدفوعة بضغط خارجي قويّ جداً، بعد أشهر من المراوحة في مناقشة المشروع، في لجنة فرعيّة داخل البرلمان.
غير أنّ المسودّة الأخيرة من مشروع القانون لم تخلُ من بعض الأفخاخ، التي قد تهدّد فعاليّته، أو حتّى دستوريّته. وهذا ما يطرح السؤال عن إمكانيّة إدخال تعديلات في اللحظة الأخيرة داخل الهيئة العامّة، لتصويب هذه الثغرات.
دور المؤسسة الوطنيّة لضمان الودائع
تحفّظ صندوق النقد الدولي، في ورقة ملاحظاته السابقة على مشروع القانون، على تمثيل المؤسّسة الوطنيّة لضمان الودائع، في الهيئة المصرفيّة العليا، التي ستتخذ القرارات بخصوص كل مصرف. ومرد هذا التحفّظ، يعود إلى مساهمة المصارف التجاريّة في المؤسّسة، بنسبة نصف أسهمها. وبهذا الشكل، سيعني تمثيل المؤسّسة في الهيئة المصرفيّة العليا، مساهمة المصارف نفسها في القرارات التي تتعلّق بها.
ورغم هذه التحفّظات، تضمّن مشروع القانون نصوصاً تكرّس تمثيل مؤسّسة ضمان الودائع: في الغرفة الأولى من الهيئة المصرفيّة العليا، التي ستتخذ القرارات التأديبيّة، وفي غرفتها الثانية، التي ستتخذ القرارات بخصوص عمليّة إعادة الهيكلة. وهذا ما يعني أن قرارات الغرفتين ستتأثّر بطبيعة الحال بموقف المصارف أو وجهتها، وهو ما يتعارض مع هدف تحقيق استقلاليّة الهيئة المصرفيّة العليا.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مشروع القانون نصّ على أن لا يكون ممثّل المؤسّسة في الهيئة المصرفيّة العليا من أعضاء مجلس إدارة المؤسّسة الذين يمثلون المصارف التجاريّة. غير أنّ هذا الواقع لا يمنع تأثير المصارف على هويّة الشخص الذي سيمثّل المؤسّسة، ولا على قراراته.
الهيئات الاقتصاديّة تدخل على الخط
في مشروع القانون، سيدخل إلى الغرفة الثانية من الهيئة المصرفيّة العليا خبير يقترحه وزير الماليّة، بناءً على لائحة من المرشحين، يعدها تجمّع الهيئات الاقتصاديّة. وهكذا، فتح القانون باباً جديداً لتسلّل جمعيّة المصارف إلى الهيئة المصرفيّة العليا، نظراً لكون الجمعيّة والعديد من أعضائها من الأعضاء الفاعلين والمؤسّسين في تجمّع الهيئات الاقتصاديّة. وهذا ما يتعارض مجدداً مع الملاحظات التي قدّمها صندوق النقد الدولي على مشروع القانون، والتي ركّزت على تحييد عمل الهيئة المصرفيّة العليا عن تأثير المصارف، أو أي الأشكال المحتملة لتضارب المصالح.
توزيع الأصوات
كما أشرنا سابقًا، يفترض أن تكون الغرفة الثانية للهيئة المصرفيّة العليا الجهة المُقرّرة، بالنسبة لمستقبل كل مصرف على حدة. في النسخة الأخيرة من مشروع القانون، ستتمكن جمعية المصارف من التأثير على هويّة عضوين في الغرفة، وهما ممثّل المؤسّسة الوطنيّة لضمان الودائع والخبير الذي سترشّحه الهيئات الاقتصاديّة. كما سيشغل حاكم مصرف لبنان ونائبه الأوّل مركزين داخل الغرفة. كما سيشغل عضويّة الغرفة مدير عام وزارة الماليّة، إنما بصفته عضواً في المجلس المركزي لمصرف لبنان.
وبذلك، ثمّة خمسة أعضاء، من أصل ستّة، في هذه الهيئة، لا يملكون استقلاليّة واضحة عن تأثير المصارف أو مصرف لبنان، وهو ما يتعارض مع مبدأ تعزيز استقلاليّة هذه الهيئة، وفقاً للصيغة الأساسيّة التي ذهب إليها القانون. مع الإشارة إلى أنّ صيغة القانون الأخيرة حرمت رئيس لجنة الرقابة على المصارف من عضويّة الغرفة الثانية للهيئة، فيما يقتصر دوره هناك على عرض المعطيات من دون التصويت أو الاحتساب من ضمن النصاب. وبهذا الشكل، سيظل الحاكم الرابط القانوني الأساس والوحيد ما بين الهيئة بغرفتها الثانية ولجنة الرقابة على المصارف.
مواد غير واضحة
في اجتماعها الأخير، قررت لجنة المال والموازنة تكريس فكرة تعليق العمل ببعض مواد القانون، بانتظار البت بمشروع قانون آخر، وهو قانون الانتظام المالي، الذي سيحدّد كيفيّة توزيع الخسائر والتدرّج في تسديد الودائع. ورغم أن اللجنة برّرت الخطوة بضرورة حماية حقوق المودعين، وعدم تطبيق قانون إعادة الهيكلة قبل البت بمسألة الخسائر، من المحتمل أن تكون فكرة الربط بين القانونين عرضة للطعن أمام المجلس الدستوري. وإذا قرّر المجلس الدستوري إبطال المواد التي تنص على هذا الطعن، سيكون بإمكان مصرف لبنان الشروع بعمليّة إعادة الهيكلة قبل إقرار قانون الانتظام المالي.
فضلاً عن كل ما ورد أعلاه، ظلّت العديد من الأمور في مشروع القانون غير واضحة، مثل كيفيّة اختيار العضو الذي سيمثّل المودعين في لجان التصفية، العائدة لكل مصرف على حدة. كما أن فصل الصلاحيّات، ما بين الغرفتين الأولى والثانية، في الهيئة المصرفيّة العليا، لم يكون واضحاً مشروع القانون. وتركت مسألة فرز الصلاحيّات للأمانة العامّة للهيئة المصرفيّة العليا، التي تحيل كل تقرير -من لجنة الرقابة على المصارف- إلى إحدى الغرفتين، بحسب طبيعة الإجراءات المنوي اتخاذها (إما لجهة فرض عقوبات أو معالجة وضع المصرف المعني). ماذا لو كانت الإجراءات تشمل العقوبات والمعالجة معاً؟



