ترامب لا يفرق بين خصم وشريك: النفط الروسي يورط الهند

قبل يومين فقط على انتهاء المهلة التي حدّدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لروسيا من أجل الانخراط بجدية في مسار السلام في أوكرانيا، حلّ المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف الأربعاء ضيفا على الكرملين في زيارة وصفت بأنها محاولة أخيرة لتفادي مواجهة دبلوماسية واقتصادية أوسع.

وجاء اللقاء الذي جمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في توقيت بالغ الحساسية، ليس فقط بسبب تفاقم العمليات العسكرية بين موسكو وكييف، بل أيضا نتيجة التهديدات الأميركية التي باتت تطال الشركاء التجاريين لروسيا، وعلى رأسهم الهند، في سابقة تعكس تصعيدا غير مسبوق في أدوات الضغط السياسي والاقتصادي.

ومثلت زيارة ويتكوف، رجل الأعمال الذي يفتقر للخلفية الدبلوماسية، رسالة ضغط مركبة، تخاطب موسكو بلغة التهديد الصريح، وتحذر في الوقت ذاته شركاءها التجاريين من مغبة مواصلة التعاون معها في ملف الطاقة.

العقوبات الأميركية ستدخل النظام التجاري الدولي في مرحلة اضطراب قد تكون تداعياتها أخطر من الحرب نفسها

وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب، ومع استمرار موسكو في تصعيد عملياتها الجوية بشكل غير مسبوق، باتت واشنطن على قناعة بأن الوسائل التقليدية لم تعد كافية لدفع بوتين نحو تنازلات، وهو ما دفع إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى توسيع نطاق العقوبات المحتملة، بحيث لا تقتصر على روسيا، بل تمتد لتطال أي طرف يواصل شراء النفط والغاز الروسي، وعلى رأسهم الهند والصين.

وحملت التصريحات الأخيرة لترامب لهجة عدائية واضحة، محذرا من “عواقب اقتصادية كبيرة” على الدول التي تواصل تمويل آلة الحرب الروسية من خلال استيراد الطاقة.

ويبدو أن هذا التوجه لا ينطلق من رغبة في استهداف هذه الدول مباشرة، بل من قناعة بأن عزل روسيا سياسيا لا يكفي، ما لم يرافقه خنق اقتصادي حقيقي عبر تضييق الخناق على أسواقها الخارجية، وتحديدا على أهم مصدر دخل لها: النفط والغاز.

وهو ما دفع الكرملين إلى التنديد بتلك التهديدات، واعتبارها غير قانونية، بل و”بلطجة اقتصادية” تتنافى مع قواعد التجارة الدولية.

وفي المقابل، يدرك بوتين أن هذه العقوبات لن تكون مفاجِئة، بعد سنوات من العقوبات الغربية المتواصلة منذ اندلاع الحرب، بل يرى، بحسب مصادر روسية، أن تأثيرها سيكون محدودا، وأن موسكو تملك من الأدوات ما يمكّنها من امتصاص آثارها، لاسيما في ظل علاقات تجارية مستقرة مع عواصم آسيوية كبرى.

ويظهر بوتين حذرا في التعامل مع ترامب، حيث لا يرغب في استفزازه بشكل مباشر، لكنه في الوقت نفسه ليس مستعدًا لتقديم تنازلات تمس أهدافه العسكرية التي يعتبرها غير قابلة للتفاوض، وعلى رأسها بقاء أوكرانيا خارج منظومة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاعتراف بضم الأراضي التي سيطرت عليها موسكو خلال الحرب.

ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة إذا كانت تراهن على أن المزيد من الضغوط المالية سيُجبر الكرملين على التراجع، فإن الوقائع الميدانية تشير إلى العكس.

ولم تظهر روسيا أي بوادر تراجع، بل صعّدت من هجماتها الجوية، وواصلت ضرباتها المركزة ضد البنية التحتية الأوكرانية.

وفي المقابل، تستمر أوكرانيا في استهداف مصافي النفط والمستودعات الروسية، وسط دعوات من كييف، مدعومة من واشنطن، إلى وقف إطلاق نار شامل يمهد لعقد قمة قادة، وهو ما لا تراه موسكو واقعيا في ظل ما تعتبره “تعنتا أوكرانيا وغربيا”.

ووسط هذه التعقيدات، لا يبدو أن زيارة ويتكوف ستغيّر كثيرا من المعادلة، فحتى وإن كانت تحمل رسالة إنذار، فإنها تصطدم بجدار من الرؤى المتناقضة لمستقبل أوكرانيا وموقعها الجيوسياسي.

وما يزيد الصورة قتامة، هو أن الخطاب الأميركي بات يتجه نحو استخدام الأدوات الاقتصادية بشكل أكثر عدوانية، حتى ولو أدى ذلك إلى توتير العلاقات مع شركاء مهمّين كالهند.

ولم تعد العقوبات وسيلة لمعاقبة الخصم فحسب، بل تحوّلت في الرؤية الأميركية إلى أداة تأديب جماعي تشمل أي دولة تُخالف الاصطفاف السياسي الذي ترسمه واشنطن.

ووقّع ترامب أمرا تنفيذيا، الأربعاء، لفرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات الهندية بنسبة 25 في المئة بسبب مشتريات الهند من النفط الروسي، ليصل إجمالي الرسوم التي تفرضها واشنطن على حليفتها الآسيوية إلى 50 في المئة.

وستدخل الرسوم الجديدة حيز التطبيق خلال 21 يوما بعد توقيع الأمر التنفيذي، وهو ما يعني منح كل من الهند وروسيا وقتا للتفاوض مع الإدارة الأميركية بشأن هذه الرسوم.

الرسوم الجديدة ستدخل حيز التطبيق خلال 21 يوما بعد توقيع الأمر التنفيذي، وهو ما يعني منح كل من الهند وروسيا وقتا للتفاوض مع الإدارة الأميركية بشأن هذه الرسوم

ورغم أن الصين أيضا تشتري النفط من روسيا، فإن ترامب لم يقرر فرض رسوم جمركية إضافية على منتجاتها.

وتجري الولايات المتحدة والصين حاليا مفاوضات تجارية، حيث تفرض واشنطن رسوما جمركية بنسبة 30 في المئة على السلع الصينية، في حين تفرض بكين رسوما بنسبة 10 في المئة على المنتجات الأميركية.

وباتت الهند، التي كانت تاريخيا شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة، في موقف حرج. فمن جهة، هي تسعى للحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع القوى الكبرى، لكنها من جهة أخرى، تعتمد بشكل كبير على النفط الروسي مخفَّض الثمن، والذي أصبح عنصرا حاسما في استقرار اقتصادها خلال السنوات الأخيرة.

وبالنسبة لواشنطن، فإن استمرار الهند في هذه المعادلة يُعد إضعافا فعليا لأي محاولة لعزل موسكو، ما يجعلها هدفا ضمنيا في تصعيد العقوبات الأميركية القادمة.

ويقول محللون إن التهديدات الأميركية برفع الرسوم على مستوردي الطاقة الروسية، ستدخل النظام التجاري الدولي في مرحلة اضطراب قد تكون تداعياتها أخطر من الحرب نفسها.

ومنذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022، شكّلت العقوبات الغربية، وعلى رأسها الأميركية، أحد أبرز الأسلحة غير العسكرية المستخدمة لمحاصرة موسكو، إلا أن نتائج تلك العقوبات لم تكن بالحجم المأمول من قبل واشنطن وحلفائها، وهو ما دفع إدارة ترامب إلى إعادة النظر في طريقة استخدام هذه الأدوات، واتباع نهج أكثر هجومية، يتجاوز استهداف روسيا إلى الضغط على شبكة علاقاتها الاقتصادية، خصوصا مع دول كبرى ذات ثقل في آسيا.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالذهب يتراجع تدريجياً مع ارتفاع الدولار وسط ترقب لتعيينات «الاحتياطي الفيدرالي»
المقالة القادمةالإمارات والسعودية تقودان تطوير تكنولوجيا الفضاء في الشرق الأوسط