يتراجع المستثمرون عن قروض الشركات مرتفعة السعر، أو يُراهنون عليها بنشاط، حيث يتوقعون تصحيحا في الأسعار استجابةً لمؤشرات تباطؤ النمو الاقتصادي، مما قد يؤثر في نهاية المطاف على الأسهم.
وفي مقابلات ودراسات عملاء، حذّر مديرو أصول عالميون وبعض أكبر البنوك العالمية من أن تسعير الائتمان قد وصل إلى مستويات تتوافق مع توقعات اقتصادية أقوى بكثير مما يتوقعه المتنبئون الرسميون لهذا العام.
وقال مايك ريدل، مدير المحفظة الرئيسي لإستراتيجيات السندات الإستراتيجية في فيديليتي إنترناشونال، “لقد أصبحنا في موقف دفاعي للغاية في ما يتعلق بائتمان الأسواق المتقدمة”.
وأضاف “ليس لدينا أي تعرض للسندات النقدية، ونبيع سندات عالية العائد على المكشوف”، في إشارة إلى استخدام منتجات المشتقات للرهان على أداء ضعيف لفئة أصول معينة.
وأظهر تحليل أجرته رويترز أن الفارق الذي يقيس علاوة فوائد سندات الشركات على الديون الحكومية، وهو المقياس الرئيسي لتقييم الائتمان، انخفض إلى نقطة أساس واحدة فقط فوق أدنى مستوى له في عام 1998 في التاسع والعشرين من يوليو الماضي.
وتشهد الأسواق العالمية انتعاشا، حيث حققت الأسهم الأوروبية أكبر مكاسبها الأسبوعية منذ أواخر أبريل، واقتربت مؤشرات وول ستريت من مستويات قياسية، لكن المستثمرين والمحللين قالوا إن الائتمان كان أقوى مثال على التفاؤل.
ومع تراجع البيانات الاقتصادية الأميركية، قال المستثمرون إن ائتمان الشركات هو الأكثر عرضة لتباطؤ مستدام في أكبر اقتصاد في العالم قد يؤثر سلبا على النمو العالمي، مع احتمال انخفاض الأسهم بدورها.
وقبل الركود الناجم عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في عام 2018، وتراجع أسعار الفائدة في 2022، والاضطراب المماثل في أواخر عام 2023، انخفض أحد صناديق المؤشرات المتداولة الشهيرة التي تتتبع ائتمان الشركات عالي الجودة قبل فترة من انخفاض أسهم العالم.
وقال ستيوارت كايزر، رئيس إستراتيجية الخيارات الأميركية في سيتي غروب، إن “مكاتب المشتقات المالية التابعة للبنك شهدت خلال الأسابيع القليلة الماضية طلبا كبيرا من متعاملي إدارة الأصول على المنتجات التي تراهن على أداء ضعيف لمؤشر آي شيرز أو مؤشرات السندات غير المرغوب فيها”.
وأضاف “ربما يتخذ مستثمرو الاقتصاد الكلي وجهة نظر متفائلة أو يتحوطون ضد الارتفاع الذي شهدناه في الأصول الخطرة”.
وتابع أن “قيام الناس الآن بالتحوط من مخاطر الائتمان يُشير إلى أنهم يتوقعون انخفاضا معقولا في أسواق الأسهم خلال الأشهر الثلاثة المقبلة”.
وسجل رصيد الدين العالمي مستوى قياسيا جديدا في نهاية العام 2024 بلغ 318 تريليون دولار في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من تباطؤ النمو، الأمر الذي يهدد الجهود الإنمائية في الدول ضعيفة الدخل.
وساهمت الأسواق الناشئة، بقيادة الصين والهند والسعودية وتركيا، بنحو 65 في المئة في نمو الدين العالمي في العام الماضي.
وكان تقرير لمعهد التمويل الدولي أظهر هذا الشهر أن الديون العالمية زادت بنحو 7.5 تريليون دولار بالربع الأول من هذا العام لتصل إلى مستوى مرتفع غير مسبوق تجاوز 324 تريليون دولار.
وقال فلوريان إيلبو، رئيس قسم الأصول المتعددة في شركة لومبارد أوديير لإدارة الاستثمارات، إن الائتمان “يقود السوق” بالفعل، استنادًا إلى التحولات التي رصدها تحت سطح الأسعار الرئيسية.
ووفقًا لتحليله الخاص لمؤشرات الائتمان العالمية، قال إن نسبة سندات الأعمال التي لا تزال فروق أسعارها تضيق قد انخفضت بشكل مفاجئ من 80 إلى 60 في المئة خلال الأيام الخمسة حتى الرابع من أغسطس الجاري.
وأوضح إيلبو أن “هذه خطوة مهمة في البيانات، ولا يمكن تجاهلها”، لأنها غير معتادة. وأكد أنه قلص للتو تداولات مشتقات ائتمانية صعودية.
وقال جاي ستير، رئيس إستراتيجية الأسواق المتقدمة في معهد أموندي للاستثمار، إن “الديون ذات العائد المرتفع، التي يهيمن عليها المقترضون من القطاعات المهمة اقتصاديًا، تبدو الأكثر عرضة للتصحيح الذي قد تتبعه أسواق الأسهم”.
ويتوقع، في وقت مبكر من أكتوبر، بروز قفزات في تكاليف إعادة تمويل الديون ذات العائد المرتفع وحالات تخلف عن السداد مدفوعة بزيادات التكاليف المرتبطة بالرسوم الجمركية أو ضغوط التدفق النقدي، مما يثير القلق بشأن الوظائف والاستثمار والنمو.
الأسواق الناشئة، بقيادة الصين والهند والسعودية وتركيا ساهمت بنحو 65 في المئة في نمو الدين العالمي في العام الماضي
وقال ستير “عندما تتعرض أسواق الائتمان للضغوط، تتعرض أسواق الأسهم للضغوط أيضا في النهاية”.
وبشكل عام، يشير وضع فروق أسعار الفائدة الائتمانية الحالي إلى توقعات بنمو عالمي يقارب 5 في المئة، وهو أعلى بكثير من المستويات الحالية، وفقا لما ذكره ماثيو ميش، الخبير الإستراتيجي في بنك يو.بي.أس السويسري، في مذكرة للمتعاملين.
ويتوقع صندوق النقد الدولي نموا عالميا بنسبة 3 في المئة هذا العام في ظل الحروب التجارية العالمية التي ذكاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي.
وقال فان لو، الرئيس العالمي لإستراتيجية الدخل الثابت والعملات الأجنبية في شركة راسل للاستثمارات، “يُحتسب سوق السندات ذات التصنيف الاستثماري وفق سيناريو غولديلوكس”، مشيرا إلى أنه لا يعتقد أن هذا دقيق، وأنه اتخذ موقفا أقل ترجيحا للائتمان نتيجة لذلك.
ووضع صندوق النقد احتمالات بنسبة 40 في المئة لدخول الولايات المتحدة في ركود، مع تزايد المخاطر على الاقتصادات الرئيسية الأخرى إذا انعكس اتجاه ضعف الدولار الذي عزز الدول المصدرة.
وفي مذكرة للمتعاملين هذا الأسبوع، قال ميش، من بنك يو.بي.أس، “تُحتسب العديد من الأصول ذات المخاطر على أساس توقعات نمو أعلى مما نتوقع. ومع ذلك، تُعتبر أسواق الائتمان حالات استثنائية”.



