يترقب القطاع المصرفي اللبناني بفارغ الصبر حسم أزمته المالية التي تفجرت أواخر عام 2019 نتيجة فساد الطبقة السياسية وسوء إدارتها لدفة البلاد والاقتصاد، في موعد أقصاه العام المقبل.
وأكد الأمين العام لجمعية مصارف لبنان فادي خلف في افتتاحية التقرير الشهري للجمعية بعنوان “نحو حلول واقعية في 2026”، أن “الجهود الوطنية تتّجه بشكل متسارع نحو معالجة جذرية لأزمة لم يشهد لبنان مثيلاً لها في تاريخه المالي.”
وأضاف في الافتتاحية التي أوردت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية مقتطفات منها الاثنين: “يبدو أن خيوط الأمل بدأت تتجمّع، بشكل عملي، حول قانون الفجوة المالية الذي يتم تحضيره، بالتنسيق بين السلطات الرسمية ومصرف لبنان المركزي”.
ورأى أنه “وفق المعطيات المتوافرة، يُتوقّع أن يكون قانون الفجوة المالية جاهزًا قبل نهاية العام الحالي، إذا ما استمر هذا النمط الجدّي من العمل.”
وقال: “هذا التوقيت الواقعي قد يفتح الباب، لأول مرة منذ بدء الأزمة، أمام حلول فعلية تبدأ خلال العام 2026، تشمل خطة شاملة لتوزيع الخسائر تُنصف المودعين، وتعيد الانتظام إلى القطاع، وتحترم قواعد العدالة المالية والمتطلبات الدولية.”
وتابع: “الأولوية اليوم، بحسب سعادة حاكم مصرف لبنان (كريم سعيد)، هي لإعادة التوازن إلى ميزانية مصرف لبنان، وما تمثله من خطوة جوهرية لإعادة الثقة والاستقرار النقدي.”
وأشار خلف إلى أنها خطوة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال معالجة موضوعية للودائع، واستخدام أدوات السياسة النقدية الحديثة بشكل متدرج، وإعادة تقييم شفاف لميزانية المصرف المركزي.
وتملك البنوك العاملة بالسوق المحلية أكثر من 70 في المئة من مجموع ودائع البنوك لدى البنك المركزي. وأدى فشل النظام المصرفي وانهيار العملة إلى تنامي دولرة الاقتصاد النقدي والذي يُقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي.
وسبق للحاكم الجديد للمركزي وأن أبدى، أمام جمعية المصارف، موقفاً واضحاً برفضه المطلق لفكرة شطب الالتزامات من ميزانية المركزي، لما لذلك من أثر مدمّر على الثقة بالمؤسسة النقدية وعلى صدقية مسار الإصلاح.
فادي خلف: يُتوقّع أن يجهز قانون الفجوة المالية قبل نهاية 2025
وهذا الموقف يتقاطع مع المقاربة التي تعتمدها الجمعية، والتي ترفض تحميل وِزر الأزمة للمودعين والمصارف بشكل تعسفي.
ووجه سعيد خلال تسلمه مهامه في أبريل الماضي جملة من الرسائل إلى الداخل والخارج، أهمها أنه سيحرص على أن تكون قرارات المصرف بعيدة عن أي تأثير سياسي كما كان يحصل في السابق، وأن ملف إعادة أموال المودعين سيكون في صدارة أولوياته.
وقال خلف: “شدد الحاكم على أن أي معالجة للفجوة المالية يجب أن تمرّ عبر قانون شفاف يراعي حقوق المودعين، وفق الأولويات ويشجع عودة الاستثمار، ويحقق التوزيع العادل للخسائر. وهو ما تتبنّاه الجمعية وستعمل على بلورته بالتنسيق مع مستشارها المالي.”
والبنوك اللبنانية مصممة على المشاركة بفعالية في هذه المرحلة المفصلية عبر شركة الاستشارات أنكورا، ومقرها نيويرك، والتي تم التعاقد معها لمواكبة هذه الورشة الإصلاحية، الذي سيقوم بدوره بالتفاوض مع المستشارين الماليين للدولة وللمركزي.
وتتبادل البنوك والحكومة الاتهامات حول تبديد الاحتياطات النقدية لدى البنك المركزي وأموال المودعين وسط خلافات مستمرة حول كيفية مقاربة حجم الخسائر وتوزيعها، والذي لا يزال تحت المناقشات العقيمة رغم ضغوط صندوق النقد الدولي.
ومطلع أبريل 2024 اتهمت الجمعية الحكومة بتبديد أكثر من 121 مليار دولار من أصل قرابة 124 مليار دولار كانت في شكل ودائع بالبنوك قبل تفجر الأزمة.
ونتيجة للأزمة المالية الخانقة أدرجت مجموعة العمل المالي العام الماضي لبنان على القائمة الرمادية، في خطوة أثارت قلقا من أنها قد تثبط الاستثمار الأجنبي الذي يحتاج إليه البلد للتعافي من الأزمة المالية التي يتخبط فيها منذ سنوات.
وعلى مدى السنوات الست الماضية التي هي من أصعب المراحل التي مرّ بها لبنان، بقيت البنوك، بحسب خلف، تؤمّن الخدمات بالحد الممكن، حيث تواجه حملات شعبوية وسياسية، وتعمل وسط غياب لخطة واضحة من قبل الدولة.
وقال الأمين العام للجمعية: “هذا الصمود الموجع، تحقق رغم الانكماش الاقتصادي والنقص في التشريعات والضغوط الداخلية والخارجية، وهو يؤكّد على أن القطاع لا يزال مؤهلاً لاستعادة دوره الطبيعي، إذا ما توفرت له بيئة سليمة وخطة واقعية ومتكاملة.”
ومن المتوقع أن تكون المرحلة المقبلة ستكون محط متابعة دقيقة من قبل المجتمع الدولي، لا سيما صندوق النقد والبنك الدولي والجهات المانحة، مع تنامي القناعة بأن لا استقرار مالياً واقتصادياً في لبنان من دون إصلاح القطاع المصرفي.
وترى أوساط المصرفيين والخبراء وصناع القرار النقدي والمالي في لبنان أن هذه المتابعة الدولية فرصة لتعزيز مصداقية الحلول المطروحة، وتأمين التمويل المطلوب لتطبيقها، وتحقيق التوازن بين الحقوق والقدرات.
ويعتقد خلف أنه “إذا ما سارت الأمور على النحو المأمول، فإنّ سنة 2026 ستشهد تطبيق الحلول بشكل تدريجي، ضمن خارطة طريق واضحة، ما يسمح بعودة الثقة تدريجيًا إلى القطاع، ويعيد للمودع حقوقه بشكل عادل، منظّم وتدريجي.”
وقال إن “الجو العام الجديد الذي بدأ يتشكّل، يلاقي ما تعمل عليه جمعية المصارف، التي ترى في الجهود الحالية بداية حقيقية لمسار الخروج من الأزمة، وليس فقط مجرد أُمنيات مؤجلة.”



