«تاتش» تملك قدرات استثمارية غير مستغلّة بـ150 مليون دولار: تجزئة القيادة في شركتَي الخلوي بغرض «التوزيع»

تنعقد في 24 أيلول المقبل الجمعية العمومية لمساهمي شركة «تاتش» بناءً على طلب وزير الاتصالات، شارل الحاج، لمناقشة اقتراح له يقضي بتجزئة المراكز القيادية في الشركة عبر فصل منصب رئيس مجلس الإدارة عن منصب المدير التنفيذي. ويأتي ذلك في إطار خطّة فصل وتجزئة تشمل «ألفا» أيضاً، التي ستعقد جمعية عمومية في 16 أيلول وتهدف إلى توزيع المراكز الأربعة سياسياً وطائفياً، بما يتيح لمجموعة من القوى السياسية بسط سيطرتها الكاملة على مقدّرات استثمارية تفوق الـ250 مليون دولار سنوياً وتمهّد لبيع الشركتين وفقاً للمنطق نفسه.

هذه الخطوة تعبّر عن سلوك نمطي لدى القوى السياسية، يستكمل وضع اليد على القطاع الذي وُصف يوماً بأنه «نفط لبنان» وذلك كبديل عن أي خطّة حقيقية لمستقبل أكثر تطوّراً لهذه الخدمات، كما أنها تشكّل بديلاً من الفشل الذي وقع فيه الوزير في تعيينات الهيئة الناظمة للاتصالات وفي تطبيق القانون 431 وإلغاء أوجيرو وإنشاء شركة ليبان تيليكوم.

وبحسب المعطيات المتوافرة من مصادر موثوقة، فإنّ الحاج أبلغ شفهياً قراره بتجزئة المراكز في «تاتش» و«ألفا» إلى رؤساء ومديري «تاتش» و«ألفا». وكان يفترض أن تنعقد الجمعية العمومية لشركة «تاتش» يوم الإثنين المقبل، لكن أن جرى تأجيلها إلى 24 أيلول.

والهدف منها تعيين رئيس مجلس إدارة في «تاتش» مارونياً يختاره الوزير بعد التشاور والاتفاق مع رئيس الجمهورية جوزاف عون (وفق ما ينقل عن الوزير)، وسيتمّ تعيين مدير تنفيذي سنّي في «تاتش» إضافة إلى أربعة أعضاء لمجلس الإدارة من اختياره أيضاً.

وفي المقابل سيتمّ تعيين رئيس مجلس إدارة شيعي من اختيار الرئيس نبيه بري وتعيين مدير تنفيذي مسيحي. وكتمهيد لهذه الخطوة طلب الحاج وضع سقف لرواتب القيادات في «تاتش» فيها وفقاً لمعيار غير وظيفي، على أن تستكمل هذه الخطوة في «ألفا».

ولهذه الغاية، قرّر الوزير ترتيب المسألة على المستوى السياسي في موقعين أساسيّين: رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس النواب. وبحسب ما نُقل عن الوزير، فهو يجاهر بأنه أقنع رئيس الجمهورية بهذا الأمر وبأنه اتّفق معه ومع المستشارين الرئيسيّين في القصر الجمهوري على هذه الخطوة.

كذلك، أعلن على حسابه في منصّة «إكس» في 18/8/2025 أنه التقى الرئيس نبيه برّي، وأنّ هذه الزيارة هي ضرورة في كل مرّة «تتلبّد فيها الغيوم فعنده دائماً الخبر اليقين أو الوصفة للوصول إليه».

وبحسب المعطيات التي نُقلت عن الوزير، فإنه اتّفق مع برّي على خطوة التجزئة على أن يختار برّي رئيس مجلس إدارة «ألفا». وليس واضحاً إذا كان استقبال النائب نبيل بدر، أمس، يأتي في السياق نفسه بعدما تبيّن أنّ عنوان اللقاء «تعزيز التعاون المشترك وتطوير قطاع الاتصالات». لكن، كان لافتاً أنّ الحاج يغيّب رئيس الحكومة نواف سلام عن هذا الموضوع، ربما لأنه لا يرى فيه مرجعية سنّية يجب مراجعتها.

ثمّة سؤال يبرز انطلاقاً من الخطوة التي سيقوم بها الحاج: هل من داعٍ حقيقي لها؟ يقول المطّلعون على قطاع الاتصالات إنّ خطوات الوزير تأتي بعد فشل ذريع في كل الخطوات التي سبقت والتي كانت محور تركيز واسع منه حين استلم إدارة القطاع.

فمن جهة، اضطرّ الوزير أن يسحب تعيينات الهيئة الناظمة للاتصالات تحت ضغط تعيين شخص غير مؤهّل، وأنه تلقّى اتصالاً من مستشار في القصر الجمهوري يطلب منه سحب الموضوع من على طاولة مجلس الوزراء.

كذلك، لم ينجح الوزير في تطويع «أوجيرو»، إذ إنّ معركته بوجه المدير العام عماد كريدية باءت بالفشل وانعكست على عمل المؤسسة بشكل عام، لأنه أصدر قراراً يمنعها من إنفاق أي قرش على أي مشروع، بما فيه تأهيل محطات الاتصالات في الجنوب وفي المناطق المدمّرة، ومدّ وتركيب شبكات ألياف ضوئية في مناطق مختلفة.

لذا تعدّ أوجيرو مؤسسة «نائمة» عيّن فيها رئيساً لمجلس الإدارة والإدارة العامة أحمد عويدات الذي لا غبار عليه، لكنه مقيّد بقرارات الوزير.

أمّا إنشاء ليبان تيليكوم كخطوة أولى نحو الخصخصة، فلم تعُد أولوية في ظلّ ظهور نوايا تلزيم خدمة الإنترنت بين لبنان والخارج إلى شركات مثل «ستارلينك»، إذ إنّ تلزيماً كهذا يعني أنّ أوجيرو أو ليبان تيليكوم (مستقبلاً) لم تعُد تدير ما يكفي من الأصول لتصبح مؤسسة ذات قيمة بيعية ولو بسعر بخس.

طبعاً، تطبيق القانون 431 القاضي بتحرير قطاع الاتصالات، أو بمعنى أوضح، بيعه، يحتاج أولاً إلى خطوات سياسية من النوع الذي فشل الحاج حتى الآن في تنفيذه، وبالتالي لم يعُد أمامه إلا خيار واحد: وضع اليد على شركتَي الخلوي. فالخيارات الأخرى التي كانت تستهدف السيطرة على القطاع، يمكن تجزئتها هي الأخرى عبر السيطرة على مفاصل أساسية في القطاع مثل شركتَي الخلوي في انتظار تفاهمات سياسية على سائر أساسيات القطاع مثل أوجيرو والهيئة الناظمة.

عملياً، ما يقوم به الحاج لا يختلف عمّا قام به الآخرون. بل هو امتداد للمنطق نفسه الذي يدّعي الرغبة في إظهار الشفافية عبر خطوات محدّدة، لكنه في الوقت نفسه يحاول استعادة السيطرة على القطاع.

وفي الواقع، لا يختلف شارل الحاج عمّا كان يقوم به جورج الدويهي مستشار الوزير السابق جوني القرم والذي كان يترأّس اجتماعات التلزيمات ويفرض على الموظفين قرارات لا تراعي الأصول ولا الأنظمة بمقدار ما كان يُفهم منها أنها تراعي مصالح خاصة.

يُنقل عن الحاج أنه في ملف الـ«A2p» كان مقتنعاً بوجهة نظر سالم عيتاني التي تشير إلى وجوب فتح المزايدة لكل الشركات المرتبطة مباشرة بالشركات الكبرى حول العالم بدلاً من حصر الأمر بموزّعين غير مباشرين، وهذا ما يتطلّب دفتر شروط مختلف، إلا أنه عقد اجتماعاً ثانياً وقال لمسؤولي شركتَي الخلوي «غيّرت رأيي» ليعود إلى دفتر شروط تقليدي.

وهذا الالتزام لم يكن الوحيد الذي تعامل معه الوزير بهذه الطريقة، بل هناك التزامات أخرى في شركتَي الخلوي جرى التعامل معها بشكل مستغرب من موظفي الشركات، وهو أمر ذكّرهم مباشرة بما كان يقوم به الدويهي.

هذا الأخير كان «سمساراً» مرتبطاً بصلة قرابة مع الوزير السابق جوني القرم، وكانت لديه صلاحية هائلة في تفصيل الصفقات على القياس، ولا يهتمّ بما إذا كان الأمر يراعي الأصول أو يخرقها. لكنّ الفرصة المتاحة الآن، لا تقارن بما كان أيام الدويهي.

فعلى سبيل المثال، ارتفعت إيرادات «تاتش» إلى 300 مليون دولار، وزاد عدد مشتركيها إلى 2.7 مليون مشترك، ولديها قدرة استثمارية غير مستغلّة بعد، بقيمة 150 مليون دولار، وذلك رغم أنّ القطاع يعاني من عطش استثماري.

أمّا أيام الدويهي، أي فيما كانت الأزمة المصرفية والنقدية تنهش إيرادات الشركة، وكانت ديون المورّدين تبلغ 50 مليون دولار، لم تكن الصفقات التي تُعقد كبيرة ولم تكن قدرات الشركة بهذا الحجم، لذا كان «الركّ» على توزيع الحقوق الشرعية وغير الشرعية المتّصلة بالإنترنت غير الشرعي.

وفي المجمل يتوقّع أن تتجاوز القدرات الاستثمارية في الشركتين مبلغ 250 مليون دولار، لذا فإنّ السيطرة على الشركتين وتوزيعها طائفياً وسياسياً يقدّم حماية ضدّ الاتهامات ويكبح التسريب المرتبط بالشبهات، حتى لو أنّ قرارات الاستثمار في الشركتين محصورة بمجلس الوزراء.

مسار ينسجم مع حجم «التوزيع»
في 5/5/2020، أصدر مجلس الوزراء قراراً يقضي بإنهاء عقدَي الإدارة الموقّعين مع كل من شركة «أوراسكوم» لإدارة الشبكة الخلوية الأولى (ألفا)، وشركة «زين» لإدارة الشبكة الخلوية الثانية «تاتش»، وكلّفت وزارة الاتصالات بتنفيذ الأمر والاحتفاظ بالكيانات القانونية للشركتين «من أجل الحفاظ على قيمة الشركتين الاقتصادية والسوقية والحفاظ على ديمومة العمل والموظفين والحفاظ على تقديم الخدمات للمواطنين والاقتصاد».

وفي القرار نفسه، كلّف وزير الاتصالات إعداد دفتر شروط جديد وعقد إدارة وشروط تأهيل لمناقصة عالمية لتلزيم إدارة الشركتين في مهلة ثلاثة أشهر… ولاحقاً أُلغيت الهيكلية القائمة على وجود هيئة مالكين، وبالتالي أصبح القطاع بكامله تحت أمر شخص واحد هو وزير الاتصالات.

هو يتّخذ القرارات ويفرضها على الشركات بلا أي محاسبة متّصلة بالأداء والنتائج، أو حتى شفافية… وهذا المسار لم يبدأ من تلك اللحظة، بل سبقها ذلك حشو موظفين وتنفيعات على شكل إعلانات ودعايات وسمسرات كبرى وصغرى. في ذلك الوقت كانت إيرادات الخلوي تفوق المليار دولار، أمّا اليوم فهي 300 مليون دولار وتجزئة الشركة حاجة لعملية «التوزيع» التي أصبحت أضيق أيضاً.

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةمصرف لبنان يُعمِّم تواقيع رؤساء البلديات بـ«القَطّارة»
المقالة القادمةجابر: موازنة 2026 ستوازن بين الإيرادات المقدرة والنفقات