طفرة الذكاء الاصطناعي تغير ديناميكيات التجارة العالمية

تتزايد المؤشرات على أن التجارة العالمية ستمر بتحول جذري بفعل الطفرة المتسارعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث لم تعد أنظمة التبادل تقتصر على السلع والخدمات فقط، بل باتت تعتمد بشكل متزايد على الخوارزميات، وتحليل البيانات الضخمة، والأتمتة الذكية، ما سيعيد تشكيل سلاسل الإمداد وتبدّل أنماط الإنتاج والاستهلاك، ويفتح آفاقًا أمام الاقتصادات النامية والمتقدمة.

يرجح الخبراء أن تشهد السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في الذكاء الاصطناعي تجعل من تقدم التكنولوجيا عاملًا محوريًا يعيد رسم ملامح التجارة العالمية، في ظل التوترات بين القوى الكبرى بشأن السيطرة على سلاسل التوريد والتحكم فيها.

وتحدث الابتكارات في الخوارزميات، وتعلّم الآلة، والنماذج اللغوية الكبيرة تغييرات جوهرية في سلاسل الإمداد، وإجراءات الجمارك، وإدارة المخاطر، وتفاعل المستهلكين مع الأسواق العالمية، مع مكاسب كبيرة من ناحية الفاعلية الاقتصادية.

ولكن على الرغم من هذه الإيجابيات التي يمكن تحقيقها مع مرور الوقت، فإن ذلك يترافق مع سيل من التحديات غير المسبوقة من حيث الأمان والعدالة بين الاقتصادات القوية ونظيراتها الضعيفة.

ويظهر تقرير جديد لمنظمة التجارة العالمية أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز قيمة التجارة في السلع والخدمات بنسبة 40 في المئة تقريبا بحلول عام 2040، لكنه حذر من أنه دون سياسات ملائمة يمكن أن يؤدي أيضا إلى تزايد أشكال التفاوت الاقتصادي.

ووفقا للتقرير يمكن أن يؤدي انخفاض تكاليف التجارة وتحسين الإنتاجية إلى زيادات كبيرة في أحجام التجارة والناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2040، إذ من المتوقع أن ترتفع التجارة العالمية بين 34 و37 في المئة في ظل سيناريوهات مختلفة.

التجارة العالمية بعد تعثرها خلال السنوات الأخيرة بدأت تنتعش ومن المحتمل أن يصل نمو الأحجام إلى 3.6 في المئة خلال العام الحالي

كما يمكن أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بين 12 و13 في المئة بحسب التقرير، الذي نشر الأربعاء، وفي وقت يعيش فيه العالم على وقع توترات تجارية أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ قدومه إلى البيت الأبيض في يناير الماضي.

وقالت جوانا هيل، نائب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، في تعليقها على التقرير السنوي الذي يحلل الاتجاهات في النظام التجاري متعدد الأطراف “يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي نقطة مضيئة للتجارة في بيئة متزايدة التعقيد.”

وأشارت هيل إلى أن الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، مع إمكانية خفض تكاليف التجارة وتعزيز الإنتاجية.

وأحد أكبر المجالات التي يؤثر فيها الذكاء الاصطناعي هو سلاسل الإمداد المتشابكة. فاستخدام تقنيات التنبؤ بالطلب وتوقع المخاطر، وكشف تأخر الشحنات، وتحسين إدارة المخزون تؤدي إلى خفض الفاقد والتكاليف اللوجستية، وتسريع زمن التسليم.

وتستطيع الشركات التي تستخدم هذه التقنيات أن تستجيب بسرعة لتغيرات مفاجئة، سواء بسبب تقلبات الطلب أو نتيجة أزمات مثل الكوارث الطبيعية أو بسبب مشكلات النقل البحري.

ويدخل الذكاء الاصطناعي أيضًا تحسينات كبيرة على مستوى الإجراءات الجمركية والتخليص. فمثلا، تحليل البيانات الضخمة قد يُمكّن من التصنيف الآلي للمنتجات وتسريع فحص الشحنات وتحسين الامتثال للقوانين والأنظمة، ما يقلل الزمن المطلوب للإجراءات والتكاليف المرتبطة بالازدواج التنظيمي أو التحقق اليدوي.

وهذا يساعد على التخلص من العقبات التي تواجه التاجر الصغير أو المتوسّط، ويمنحهما فرصة أفضل للمشاركة في التجارة الدولية.

كما يتيح الذكاء الاصطناعي طرقًا جديدة للتجارة الرقمية، مثل المعاملات عبر المنصات وتحسين الترجمة اللغوية الفورية، وتخصيص المنتجات بحسب تفضيلات المستهلك واستخدام الذكاء الاصطناعي في خدمة الزبائن، ما يُسهّل التعاملات العابرة للحدود.

وتذلل أدوات الذكاء الاصطناعي بعض الحواجز التقليدية كاللغة أو الخيارات اللوجستية، فتُتيح للشركات الصغيرة حتى في البلدان ذات البُنى التحية المحدودة أن تنافس في الأسواق الدولية بشرط أن يكون هناك وصول إلى البنية الرقمية والتدريب الكافي.

لكن هذه الطفرة لا تأتي دون مخاطر. فهناك مسألة التفاوت، لأن الدول المتقدمة التي تملك بُنى تحتية رقمية قوية وأنظمة تنظيمية واضحة ومهارات متقدمة ستجني غالبية الفوائد. أما التي تعاني من ترهل بنيتها أو ضعف التعليم التقني، فقد تُترك وراء الركب.

وواجهت قواعد التجارة العالمية، التي حددتها المنظمة، اضطرابا كبيرا هذا العام بعد سلسلة من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب.

وسلط التقرير الضوء على الكيفية التي يمكن بها للشركات خفض التكاليف في مجال الخدمات اللوجستية والامتثال للقواعد التنظيمية والاتصالات.

وبعدما كان تجار التجزئة في العديد من الأسواق يشتكون من زحف التسوق الإلكتروني، باتوا الآن على موعد مع طفرة الذكاء الاصطناعي التي من المتوقع أن تغير فلسفة البيع والشراء.

وكتب معدو التقرير يقولون إنه “يمكن لتقنيات الترجمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أن تجعل الاتصالات أسرع وأكثر فاعلية من حيث الكلفة، ما يعود بالنفع على صغار المنتجين وتجار التجزئة بشكل خاص من خلال تمكينهم من التوسع في الأسواق العالمية.”

ويمكن لمثل هذه التطورات أن تساعد في زيادة نمو الصادرات في البلدان منخفضة الدخل بنسبة تصل إلى 11 في المئة، شريطة أن تحسن بنيتها التحتية الرقمية.

40 في المئة القيمة الإضافية لتجارة السلع والخدمات التي يمكن أن يولدها الذكاء الاصطناعي

ومع ذلك، حذر التقرير من أنه دون الاستثمارات الموجهة والسياسات الشاملة للجميع يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تعميق الانقسامات القائمة.

وذكر خبراء المنظمة، ومقرها جنيف، أن “تبعات تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره تثير مخاوف من إمكانية تخلف العديد من العاملين، بل وحتى اقتصادات بأكملها، عن الركب.”

وقالت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونغو إيويالا إن “على صانعي السياسات إدارة عملية الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي بعناية.”

وأضافت خلال إطلاق التقرير في جنيف “قد يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في أسواق العمل، سيغير بعض الوظائف ويحل محل أخرى.”

وشددت على أن إدارة هذه التحولات “تتطلب الاستثمار في السياسات المحلية لتعزيز التعليم والمهارات وإعادة التدريب، وفي شبكات الأمان الاجتماعي.”

ولضمان تقاسم منافع الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، فإن حركة التجارة المستقرة المدعومة بقواعد المنظمة وخفض الرسوم على المواد الخام الضرورية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك أشباه الموصلات، أمران في غاية الأهمية، وفق التقرير.

وترى المنظمة أن التجارة العالمية بعد تعثرها خلال السنوات الأخيرة بدأت تنتعش ومن المحتمل أن يصل نمو الأحجام إلى 3.6 في المئة خلال العام الحالي رغم العدد المتزايد من التدابير لتقييد تدفق الواردات.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةاستخدام النفط لتوليد الكهرباء في الدول العربية يتخذ منحى هبوطيا
المقالة القادمةسوريا تطرح مزايدة دولية لطباعة أوراق نقدية جديدة