مؤشرات الاقتصاد: نمو 5% هذا العام والناتج المحلي سيقفز الى 43 مليار دولار

صدر التقرير الاقتصادي لبنك عوده عن الأشهر التسعة الأولى من العام 2025 بعنوان “مؤشرات الاقتصاد الحقيقي تدعم فرضية نمو 5 % هذا العام مع ناتج إجمالي قدره 43 مليار دولار”، وجاء فيه:

“هناك العديد من المؤشرات الصادرة هذا العام عقب الخرق السياسي المسجل في بداية العام 2025 تشير إلى أن نسبة النمو الاقتصادي يمكن أن تقارب الـ 5 % هذه السنة بعد انكماش صاف مقداره 7.5 % في العام الفائت نتيجة الحرب. ومن المقدّر أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي ما لا يقل عن 43 مليار دولار في العام 2025، مقارنة مع ناتج قدّرته إدارة الإحصاء المركزي بـ 31.6 مليار دولار للعام 2023. وهذا يستند إلى فرضية نمو الناتج المحلي الإسمي بنسبة 16 % هذا العام (بعد أن قدّر صندوق النقد الدولي نمو الناتج الاسمي بنسبة 19.7 % في العام 2024). ويعتمد نمو الناتج المحلي الإسمي للعام 2025 على نمو حقيقي نسبته 5 % في ظل تضخم وسطي نسبته 11 % خلال العام. غير أن الناتج المحلي الإجمالي الإسمي للعام 2025 يبقى أقل بنسبة 20 % عما كان عليه في العام 2019، والذي كان قد بلغ 53 مليار دولار قبيل الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد والتي بدأت في الفصل الأخير من العام 2019 وامتدت إلى سنين تلت.

أما مؤشرات القطاع الحقيقي التي رأى بنك عوده أنها تدعم تقديره لنمو حقيقي في النانج المحلي الإجمالي بنسبة 5 % هذا العام فهي الاستيراد والصادرات والبضائع المفرغة في مرفأ بيروت وأعداد المسافرين القادمين عبر مطار بيروت ومؤشرات قطاع البناء وإنتاج الكهرباء.

إن هذه المؤشرات تُظهر أن اقتصاد لبنان بدأ التعافي انطلاقًا من قاعدة متدنية في العام الفائت في ظل الحرب المستفحلة. إلا أن التحدي الأبرز يبقى في ضرورة اضطراد نسبة النمو المسجلة هذا العام خلال السنوات المقبلة. إن الحفاظ على هذا المستوى من النمو في المدى المتوسط من شأنه أن يساعد على العودة في نهاية العهد الرئاسي الحالي إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي كان قائمًا في العام 2019 قبيل نشوب الأزمة الاقتصادية/المالية في لبنان.

هذا ويظهر النموذج الاقتصادي/المالي لبنك عوده لفترة 2025-2030 أن تحقيق نسبة نمو وسطية للناتج الفعلي بمقدار 5 % خلال السنوات الخمس المقبلة أمر قابل للتحقق في حال توفر المناخ السياسي الملائم وفي حال تسارعت عجلة الإصلاح وتجسدت نسب الاستثمار المرجوة مع ما يتبعها من طلب إضافي على السلع والخدمات في البلاد بشكل عام.

أزمة شمولية

في ختام التقرير، تناول بنك عوده في البحث لماذا الأزمة اللبنانية التي عصفت بالبلاد منذ العام 2019 هي أزمة شمولية (أبعد من نظامية). وفي حين أنّ الأزمة النظامية هي أزمة عميقة، وخطيرة، لكنها محصورة بقطاع واحد، تبرز الأزمة الشمولية كأزمة واسعة النطاق وذات تأثيرات مترابطة في ما بينها تعزز بعضها البعض. وبدأ التقرير أولًا بتناول هذين النوعين من الأزمات قبل أن يقوم لاحقًا بتطبيقهما على الحالة اللبنانية.

تنشأ الأزمة النظامية داخل نظام بعينه ومن ثم تنتشر من خلال هذا النظام نتيجة لترابطاته الداخلية. وهي عادةً ما تصوّر فشلًا على الصعيد التقني أو الهيكلي أو على صعيد الحوكمة داخل قطاع واحد. وقد تُسبب اضطرابات واسعة النطاق، لكنها تبقى في الغالب محصورةً داخل هذا النظام (رغم ظهور بعض التداعيات). وغالبًا ما تُثار الأزمة بسبب نقاط ضعف أو صدمات داخل النظام (مثل الثغرات التنظيمية، وضعف إدارة المخاطر، وما إلى ذلك).

أما الأزمة الشمولية فهي أزمة معقدة ومتعدّدة الأوجه، تطال العديد من الأنظمة في وقت واحد، حيث تكون تأثيراتها مترابطة ومتآزرة. الأزمة الشمولية لا تنحصر بقطاع واحد – فالاقتصاد والسياسة والصحة والبيئة والمجتمع جميعها يقع تحت تأثير الأزمة. من هنا، فإن الأنظمة متداخلة فيما بينها – بمعنى أن الخلل في أحدها يرتدّ بالسوء على الأنظمة الأخرى (ما يعرف بتأثير الدومينو). وتستدعي هذه الأزمة استجابة منسّقة، وشاملة للقطاعات، وغالباً عالمية. هذا وتترك الأزمة الشمولية تأثيرات طويلة الأمد على المؤسسات وعلى الحوكمة وثقة الجمهور.

إن الأزمة اللبنانية هي في واقع الحال أزمة شمولية، لأنها لا تقتصر على نظام واحد؛ بل تطال أنظمة متعددة في وقت واحد، ولها عواقب مترابطة.

لذا، فإن الأزمة اللبنانية هي أزمة شمولية، وليست مجرد أزمة نظامية. لو كانت الأزمة نظامية لاقتصرت على القطاع المصرفي أو المالي. لكن في الوضع الحالي، إن كلاً من الاقتصاد والنظام المالي والبنية السياسية والخدمات العامة والمجتمع وقع تحت تأثير الأزمة، وأدى كلّ منها إلى تفاقم الوضع لدى الآخر. يمكن تعريف هذه السلسلة المتداخلة بالأزمة الشمولية، وهي تتطلب حلولًا شاملة ومنسقة على مستوى جميع القطاعات، أي بمعنى أن الإصلاحات المالية وحدها لن تحل هذه الأزمة…من هنا، تبرز الحاجة الملحة لاعتماد خطة شاملة للإنقاذ الاقتصادي والمالي، تستند إلى مقاربة شمولية للحلّ، وتكون مناسبة لإعادة ترسيخ دور القطاع المالي كوسيط مالي رئيسي في البلاد، ما من شأنه أن يقلّص حجم الاقتصاد النقدي المحفوف بالمخاطر، ويضمن خلق القيمة الاقتصادية المضافة المرجوّة، ويدعم الانتعاش الاقتصادي في لبنان. وهذا بدوره يولّد الحاجة لخطة حكومية بناءة، تسهم في إعادة بناء الثقة بالقطاع المالي، كشرط أساسي لتحقيق النهوض الاقتصادي بشكل عام. ومن المهم أيضًا في هذا السياق اعتماد نهج متماثل في معالجة الودائع بدلًا من النهج غير المتماثل. إن النهج المعتمد على معالجة كل مصرف على حدة، والذي من شأنه أن يفرّق بين الالتزامات بالدولار النقدي لكل مصرف تجاه عملائه، من شأنه أن يضع مسألة الإنصاف بين المودعين على المحك داخل بلد يعاني من أزمة شاملة.

كذلك، فإن شطب ودائع المصارف اللبنانية بالعملات الأجنبية لدى المصرف المركزي سيكون أمرًا غير مسبوق تاريخيًا لا بل إنه خطير من الناحية النظامية. فالقانون اللبناني يحظر شطب ودائع المصارف التجارية بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان. عادة ما يتم التعامل مع الودائع بالعملات الأجنبية لدى المصرف المركزي على أنها أصول أساسية خالية من المخاطر، على غرار النقد. وهي تشكل العمود الفقري لأنظمة الدفع، وإدارة السيولة، والثقة بين المصارف. إن تطبيق عملية الشطب من شأنه أن يشكل ضربة قاسية لأساسيات العمل المصرفي الحديث، ذاك أنه يبطل فكرة أن الاحتياطيات لدى المركزي هي آمنة تمامًا. وعلى المستوى الدولي، فإن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تنتهك معايير بازل واتفاقيات صندوق النقد الدولي التي تؤكد نزاهة المصرف المركزي باعتباره سلطة نقدية.

إن شطب الودائع بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان هو بالواقع خط أحمر على المستوى الكلي لاعتبارات عدة. (1) الخطر النظامي: من شأنه أن يؤدي إلى انهيار فوري لنظام المدفوعات وتبديد عامل الثقة بشأن الصيرفة اللبنانية. (2) هو أمر غير مسبوق: حتى في أشد الأزمات (الأرجنتين وزيمبابوي وقبرص)، لم يتم مطلقًا شطب الودائع بالعملات الأجنبية لدى المصرف المركزي. (3) الاستحالة القانونية: يوفر حكم مجلس الشورى حاجزًا دستوريًا، ما يجعل مسألة التنفيذ غير ممكنه سياسيًا وقانونيًا. (4) ثمة حلول بديلة: تظهر الممارسات الدولية أن هناك نماذج قابلة للتطبيق والتي من شأنها أن تحقق أهداف إعادة الهيكلة دون تجاوز الخطوط الحمراء.

في الختام، رأى بنك عوده أن مسؤولية إعادة التوازن المصرفي تقع على عاتق السلطات اللبنانية، ولا سيّما السلطتين التنفيذية والتشريعية (الحكومة ومجلس النواب)، بالتعاون والتنسيق مع مصرف لبنان. وينبغي على المصارف بدورها أن تكون مستعدة للاستجابة والتعاون مع مختلف المقترحات الحكومية لسدّ الفجوة المالية، منها عامل الأهلية، واسترداد الأموال غير المشروعة، والتحويل المقترح إلى الليرة اللبنانية، وتحويل الودائع إلى أسهم، واسترداد الفوائد المفرطة، أو الخصخصة المحتملة، أو الصناديق السيادية، أو استخدام احتياطيات الذهب وإنتاج الغاز المحتمل. وينبغي للمصارف أن تكون مستعدة للتكيّف على جميع المستويات والتعاون مع الدولة التي عليها أن تقود بنفسها مقاربة بناءة لإعادة الهيكلة بشكل عام”.

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةموزعو المحروقات يطالبون وزير الطاقة بإعادة حصص التوزيع السابقة
المقالة القادمةالصدّي يحرّك ملف استجرار الطاقة من الأردن