الأثرياء يساهمون في الاحتباس الحراري أكثر بكثير من الفقراء

أظهر تحليل جديد أجرته منظمة “أوكسفام” أن الأثرياء حول العالم مسؤولون عن انبعاثات كربونية تفوق بكثير تلك التي يصدرها الفقراء، ما يعكس تفاوتًا صارخًا في تأثير أساليب الحياة على البيئة ومستقبل الكوكب. واعتمد تقرير المنظمة على بيانات عام 2023، ليكشف كيف أن أسلوب حياة الأثرياء، بما في ذلك السفر الفاخر، واستخدام السيارات الخاصة، وامتلاك المنازل الكبيرة، يتسبب في إطلاق كميات هائلة من الغازات الدفيئة مقارنة بما يصدره نصف سكان العالم الأفقر.

وتشير البيانات إلى أن أغنى 1 في المئة من سكان العالم يطلقون أكثر من 800 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون للفرد يوميًا، بينما لا يتجاوز نصيب أفقر 50 في المئة سوى كيلوغرامين للفرد يوميًا. وفي ألمانيا، استنادًا إلى بيانات 2022، يتسبب أغنى 1 في المئة من الألمان بأكثر من 840 كيلوغرامًا من الانبعاثات اليومية لكل فرد، في حين لا يتجاوز نصيب الفقراء اليومي نحو 16 كيلوغرامًا.

وهذه الفجوة الكبيرة ليست مجرد أرقام، بل تعكس أن التأثير البيئي ليس موزعًا بالتساوي، وأن ثروة الفرد ترتبط بشكل مباشر بزيادة بصمته الكربونية. وقال البروفيسور كلاوس شميت، خبير البيئة بجامعة برلين الحرة “البيانات تؤكد أن أسلوب حياة الأثرياء يتحمل نصيبًا غير متناسب من المسؤولية عن تغير المناخ. بينما يسعى الفقراء لتأمين احتياجاتهم الأساسية، يواصل الأثرياء استهلاك موارد كوكبية ضخمة، وهو ما يزيد من صعوبة الالتزام بأهداف اتفاقية باريس للمناخ”.

ويشير تقرير المنظمة إلى أن الانبعاثات الناتجة عن الأثرياء شهدت زيادة ملحوظة منذ عام 1990، وهو ما يعكس صعود الطبقة العليا عالميًا وتوسع أنماط استهلاكها المكلفة بيئيًا. ويعيش غالبية هؤلاء الأفراد في بلدان الشمال الغنية، مثل الولايات المتحدة وألمانيا وكندا، ما يعزز الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، ويطرح تحديات سياسية وأخلاقية فيما يتعلق بالعدالة المناخية.

ويعتمد تحليل أوكسفام على بيانات الانبعاثات الوطنية لثاني أكسيد الكربون في 196 دولة، إضافة إلى توزيع الثروة على مستوى العالم. وتشير النتائج إلى أن الانبعاثات ترتفع بشكل واضح مع زيادة الدخل، ضمن حدود دنيا وعليا معينة، ما يعني أن الأثر البيئي للفرد يتسارع مع ارتفاع الثروة بطريقة غير متناسبة مع تأثير الفقراء.

♦ أغنى 1 في المئة من سكان العالم يطلقون أكثر من 800 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون للفرد يوميًا، بينما لا يتجاوز نصيب أفقر 50 في المئة سوى كيلوغرامين للفرد يوميا

وأوضح ديفيد مورغان، باحث في السياسات البيئية بمركز الدراسات الأوروبية”هذه الفجوة بين الأغنياء والفقراء تعكس أن السياسات التقليدية للحد من الانبعاثات غالبًا ما تكون غير كافية. الضروري هو وضع استراتيجيات تستهدف الفئات الأكثر ثراءً بشكل مباشر، سواء عبر الضرائب على الكربون أو الحوافز لتبني أنماط استهلاك مستدامة”.

ويسلط التحليل الضوء على واحدة من أبرز النقاط وهي أن الأغنياء ليسوا مجرد مستهلكين أكبر للطاقة، بل إنهم يملكون القدرة على التأثير في الاتجاهات الاقتصادية والصناعية. وتجعل استثماراتهم في السفر الجوي الفاخر، وامتلاك اليخوت والسيارات الرياضية، ودورهم في الطلب على السلع الفاخرة عالية الانبعاثات، عوامل رئيسية في زيادة الغازات الدفيئة.

وفي المقابل، يفتقر الفقراء إلى القدرة على التحكم في نمط حياتهم بشكل كبير، وغالبًا ما يكون مستوى انبعاثاتهم منخفضًا بطبيعة الحال. وأضاف البروفيسور صوفيا هانسن، خبيرة الاقتصاد البيئي في جامعة كوبنهاغن”العدالة المناخية تتطلب إدراكًا أن ليس كل الناس مسؤولون بنفس القدر عن الأزمة. الأغنياء لديهم الموارد لتغيير أنماط حياتهم وتقليل بصمتهم الكربونية، في حين أن الفقراء غالبًا ما يعيشون ضمن حدود منخفضة من الانبعاثات، ويعتمدون على البنية التحتية العامة للطاقة والتنقل”.

ويشير التقرير أيضًا إلى أن السياسات البيئية الوطنية تحتاج إلى مزيد من التركيز على الفئات الأعلى دخلًا. وفي الوقت الذي تحاول فيه الدول تشجيع النقل العام والطاقة المتجددة، غالبًا ما تستمر الانبعاثات الفردية للأثرياء في الارتفاع، ما يجعل تحقيق أهداف خفض الانبعاثات صعبًا. ويقترح الخبراء أن تشمل الإجراءات فرض ضريبة الكربون على السلع الفاخرة، وتشجيع الاستثمار في تقنيات منخفضة الانبعاثات للمنازل والسيارات، إلى جانب برامج لتعويض الكربون مرتبطة بالسفر الجوي والفخم.

ولا يقتصر التقرير على تقديم أرقام فحسب، بل يسلط الضوء على أثر الفجوة الاقتصادية على قدرة العالم على التصدي لتغير المناخ. إذ تتطلب الجهود الدولية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس تعاونًا عالميًا، لكن استمرار استهلاك الأغنياء المرتفع للطاقة يجعل الالتزام بهذه الأهداف أكثر تعقيدًا، ويطرح تساؤلات حول مسؤولية الدول الغنية والأفراد الأكثر ثراءً.

كما يوضح التقرير أن الزيادة الكبيرة في الانبعاثات منذ عام 1990 مرتبطة أيضًا بالانفجار التكنولوجي والنمو الاقتصادي في الدول الغنية، ما أتاح للأثرياء الوصول إلى موارد أكبر وأساليب حياة أكثر استهلاكًا للطاقة. وهذا يدعو إلى ضرورة وضع سياسات تأخذ في الاعتبار ليس فقط الحد من الانبعاثات على المستوى الوطني، بل أيضًا إعادة توزيع المسؤولية على أساس القدرة الاقتصادية.

واختتم ديفيد مورغان بالقول “إذا أردنا النجاح في مواجهة أزمة المناخ، يجب أن تكون الإجراءات أكثر طموحًا تجاه الفئات الأعلى دخلًا. ليست مجرد مسألة بيئية، بل مسألة أخلاقية واجتماعية، تتعلق بالقدرة على تحقيق مستقبل مستدام لجميع سكان الكوكب”. وفي نهاية المطاف، تشير أرقام أوكسفام إلى أن المسؤولية الفردية ليست موزعة بالتساوي، وأن الأغنياء يتحملون نصيبًا أكبر في مواجهة أزمة المناخ. وبينما يسعى الفقراء لتلبية احتياجاتهم الأساسية ضمن حدود منخفضة من الانبعاثات، يواصل الأثرياء توسيع بصمتهم الكربونية، وهو ما يجعل الفجوة البيئية بين الأغنياء والفقراء أحد أكبر التحديات التي تواجه الجهود الدولية لتحقيق الاستدامة البيئية والعدالة المناخية.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةخبير: سعر البيتكوين قد يصل إلى 130 ألف دولار مع نهاية العام
المقالة القادمةترامب يعيد خلط أوراق العلاقة مع الصين: صفقات ومقايضات