لم تغب الأوضاع المتأزمة للمنطقة وما تسببه لبعض مجتمعاتها من معاناة إنسانية، عن الدورة الثانية من مؤتمر القمة العالمية للتنمية الاجتماعية الذي بدأ أعماله بالعاصمة القطرية الدوحة بعد ثلاثين سنة من انعقاد أول دورة له بالعاصمة الدنماركية كوبنهاغن سنة 1995.
وتطرق أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في كلمته الافتتاحية للمؤتمر للأوضاع التي يعيشها الشعب الفلسطيني قائلا إنه “يحتاج إلى كل دعم ممكن من أجل معالجة الآثار الكارثية التي خلفها العدوان الإسرائيلي الغاشم، والتصدي لعملية بناء نظام فصل عنصري في فلسطين،” داعيا المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم للشعب الفلسطيني لإعادة الإعمار وتأمين الاحتياجات الأساسية حتى تحقيق العدالة وممارسة حقوقه المشروعة على أرضه ووطنه .
كما أشار إلى ما يجري في مدينة الفاشر السودانية قائلا “صدمنا جميعا من هول الفظائع التي ارتكبت في مدينة الفاشر، وإدانتنا القاطعة لها”. وأضاف متسائلا ”هل كنا في حاجة إلى دليل آخر لندرك أن تجاهل العبث بأمن الدول وسيادتها واستقرارها وسهولة إدارة الظهر للحروب الأهلية وفظائعها لا بد أن يقود إلى مثل هذه الصدمات”.
وذكّر بأن “السودان قد عاش أهوال هذه الحرب منذ عامين ونصف وقد آن الأوان لوقفها والتوصل إلى حل سياسي يضمن وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه”.
وأشار الشيخ تميم إلى أنّ إعلان الدوحة الذي تم اعتماده في قمة الدوحة ثمرة عمل جاد ومشاورات مكثفة انعقدت في نيويورك، ويشكل وثيقة طموحة لتحقيق التنمية الاجتماعية المنشودة بتأكيده على الالتزام برؤية سياسية واقتصادية وأخلاقية للتنمية الاجتماعية قائمة على الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان والمساواة والسلام بما من شأنه أن يعطي زخما لتسريع تنفيذ خطة الأمم المتحدة 2030، ويمثل خارطة طريق وأساسا متينا لمعالجة قضايا التنمية الاجتماعية لاسيما الفقر والبطالة والإقصاء الاجتماعي .
وذهب في كلمته إلى أن الحد الأدنى المطلوب لتبيين الجدية في التعامل مع التحديات المشتركة التي تواجهها البشرية مثل قضايا البيئة والفقر والمناخ وقضايا حقوق الإنسان هو الالتزام بالتعهدات، وفي حالة التنمية الاجتماعية يتطلب الأمر ترجمة الدول لتعهداتها في قمة كوبنهاغن إلى واقع ملموس من خلال معالجة الثغرات في تنفيذ تلك الالتزامات ومنح الأولوية للحلول المبتكرة والشراكات الفعالة والمثابرة في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 .
من جهته دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدول إلى تعبئة 1.3 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2035 لتمويل العمل المناخي الذي تقوم به البلدان النامية.
وشدد غوتيريش في كلمته بافتتاح مؤتمر القمة على ضرورة مضاعفة التمويل المخصص للتكيف للوصول به إلى ما لا يقل عن 40 مليار دولار هذا العام، ورسملة صندوق مواجهة الخسائر والأضرار بمساهمات كبيرة.
ودعا إلى تذليل العقبات أمام مشاركة المرأة عالميا انطلاقا من مجالس إدارات المؤسسات التجارية وصولا إلى مجالس وضع السياسات والقضاء على العنف الممارس ضدهن.
وقال إن “قمة الدوحة تفتتح أعمالها في منعطف يتسم بمعاناة بشرية والنزاعات ولا يزال الإنسان يعاني من الجوع والفقر والنزوح والبطالة ولا تحصل الدول النامية على مستوى الدعم التي هي في حاجة إليه وسرعة العمل دون المستوى المطلوب للاستفادة من الابتكار ووقف الارتفاع في درجات الحرارة وبالتأكيد نحن نبتعد عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة.”
وأوضح أن إعلان الدوحة قد أكد على الدور المحوري للإنسان والعمل في أربعة مجالات من تسريع الكفاح ضد الفقر وانعدام المساواة، لافتا إلى أن هناك نحو 700 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع. وأضاف أنه “من غير المقبول أن يعاني الملايين من الجوع يوميا ومن الإصابة بأمراض يمكن الوقاية منها، في حين أن الحكومات تقلل من ميزانياتها في مجال الصحة”.
ومضى يقول “من المؤسف عدم وجود حماية اجتماعية للملايين، ومكافحة الفقر أمر يستدعي استثمارات تقوم عليها الدول لتقديم المساعدة للشعوب بإتاحة أغذية ميسورة الكلفة يمكن أن تنتج بشكل مستدام، وتوفير الرعاية الصحية لكل فرد بغض النظر عن مكان عيشه أو أجره، وتوفير المياه الصحية النظيفة والسكن اللائق ونظم طاقة نظيفة زهيدة الكلفة للجميع والعمل على نظم تعليم لكل طفل وشاب وتقديم التعليم الجيد والدعم للمدرسين.”
ودعا غوتيريش إلى الاسترشاد بإعلان الدوحة لإطلاق الخطة التنموية الطموحة التي البشرية في أمسّ الحاجة إليها.
وتحدث في افتتاح القمّة أيضا أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم محمد البديوي قائلا إنّ “أهداف هذا المؤتمر تمثل محورا أساسيا في رؤية مجلس التعاون لمسارات التنمية الاجتماعية التي ترتكز على تعزيز العدالة الاجتماعية، وتمكين الفئات المجتمعية المختلفة، وتطوير منظومات الحماية الاجتماعية، لاسيما وأنها أهداف تتقاطع مع التوجهات الإستراتيجية لدول مجلس التعاون نحو بناء مجتمعات أكثر شمولا وازدهارا واستدامة”.
ويشارك في القمة نحو 14 ألف شخصية وتستمر أشغالها حتى الخميس لمناقشة سبل الحد من الفقر والفوارق الاجتماعية، وتعزيز الحماية الاجتماعية، وتوسيع فرص الوصول إلى وظائف ذات أجر جيد على مستوى العالم.
وإلى جانب أمين عام الأمم المتحدة، تشارك في القمة وزيرة الخارجية الألمانية السابقة ورئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة الحالية أنالينا بيربوك وكذلك وزيرة العمل الألمانية بيربل باس إلى جانب ممثلين عن قطاع الأعمال ومنظمات الإغاثة. ومن المقرر أن يتم اعتماد بيان خلال المؤتمر، إلا أن منظمات الإغاثة كانت قد انتقدته قبل انعقاد القمة باعتباره غير ملزم وغامض للغاية.



